وعلى الرغم من تحسن مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي واتخاذه مسار تنازلي منذ أشهر مازالت أسعار الغذاء في أعلى مستوى لها من سنة إلى أخرى .
عادة ما تتأثر أسعار المواد الطازجة بالمواسم الزراعية ومواعيد جاهزيتها للعرض في الأسواق فبعد ان كان ارتفاعها يتزامن مع حلول فترات تقاطع الفصول أصبحت اليوم في مستوى مرتفع طيلة السنة. وقد كشفت نشرية مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر مارس المنقضي عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية تأثرا خاصة بأسعار المواد الطازجة على غرار الخضر الطازجة بنسبة 20% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 15% وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 14,1% وأسعار الدواجن بنسبة 13,9% .
ويشهد الغذاء منحى تصاعدي على الرغم من الجهود المعلن عنها من تكثيف المراقبة وتسقيف للأسعار وتحديد لاثمان بعض السلع لكن الأسعار لا تنخفض. وهو ما كان متوقعا نظرا لعدة أسباب لعل أبرزها العوامل المناخية وشح المياه التي كانت سببا في ارتفاع أسعار الخضر والغلال وارتفاع تكاليف الإنتاج الحيواني الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار اللحوم بأنواعها .
منذ 2015 الى اليوم ارتفعت الأسعار تحت تأثير اضطرابات الإمدادات وتداعيات الجائحة والعوامل المناخية وبلغ المؤشر ذروته في 2022 ب 144.7 نقطة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وأثارها على عمليات الشحن من البحر الأسود وتوقفه في عديد الفترات وارتفاع أسعار النفط . ثم نزل المؤشر بعد تامين ممرات لصادرات القمح من أوكرانيا تحت إشراف الأمم المتحدة، ولم تعد الأسعار كما كانت قبل الجائحة فالعالم مازال يشكو ارتفاعا في أسعار الغذاء.
تكاليف الإنتاج وشح مياه الري تحكما في السنوات الأخيرة في الأسعار فقد شهدت تونس سنوات متتالية من الجفاف أثرت في المواسم الزراعية بمختلف أصنافها. وارتفعت تكاليف أسعار الأسمدة والبذور واليد العاملة وزادت معها الأسعار، لم تعد أسعار المواد الطازجة من خضر وغلال وغيرها تحتكم إلى فترات نضوجها أو ذروة إنتاجها لتنخفض فقد أصبح الارتفاع والاستقرار على ارتفاع هو الغالب على حركية الأثمان في الأسواق.
وفي دراسة لصندوق النقد العربي بعنوان «الأمن الغذائي العربي: التداعيات الاقتصادية ودور السياسات الكلية « قد أظهرت وجود علاقة عكسیة ذات دلالة إحصائیة بین أسعار الغذاء ومؤشر إنتاج الغذاء، حیث إن ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء بنقطة مئویة واحدة یؤدي إلى انخفاض مؤشر إنتاج الغذاء بحوالي 0.06 نقطة مئویة، وبالتالي تراجع مستوى الأمن الغذائي.
وتقول الدراسة أن هذا الأمر ينطبق بدرجة كبیرة على تلك الدول التي تعتمد على الأسواق الخارجیة في استیرادها للمواد الغذائیة والمحاصیل، أو تلك التي تتعرض لصدمات خارجیة.
وطالب الفلاحين في مناسبات عديدة الدولة بالتدخل لحماية النشاط الفلاحي بحل ازمة المياه وتسهيلات اكثر في هذا الشأن الى جانب مزيد الإحاطة بالقطاعات المعرضة للجوائح الطبيعية لتجنب تدهورها اكثر.