فيما "إسرائيل" ترسم خرائط أمنية جديدة لغزة: ماكرون يلوّح بالاعتراف بدولة فلسطين... فهل تكسر فرنسا الهيمنة الأمريكية على ملف غزة؟

تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلي سياسة التهجير والابادة الجماعية في غزة .

والأخطر هو مشروع " المناطق الأمنية" الذي يعتبر مشروع استيطاني جديد يلقى دعما كاملا من واشنطن . فنكبة 48 يعاد رسمها في غزة بأدوات جديدة وأمام انظار العالم الذي بقي متفرجا وشاهدا على مجزرة العصر . وفي خضم هذا الجنون الصهيوني لمزيد الاستيطان والتقتيل والسيطرة على أراض جديدة في فلسطين، وفي وقت تتعمق فيه الهوة بين واشنطن وبقية العواصم الغربية بشأن سبل إنهاء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تبرز باريس كرأس حربة لمحاولة صياغة موقف أوروبي مستقل تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تتجاوز من خلاله القيد الأمريكي والتردد الأوروبي التقليدي.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، في تصريح هو الأبرز منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وخلال زيارة أداها إلى مصر ، أن فرنسا لا تستبعد الاعتراف بدولة فلسطينية في شهر جوان المقبل، في تناغم لافت مع تحركات إسبانية وإيرلندية ونرويجية تصب في الاتجاه ذاته. لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل هذا الاعتراف – إن تم – سيكون أكثر من مجرد خطوة رمزية؟ أم هو محاولة فرنسية لإعادة التموضع في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط بعد فشل الرهان الغربي على حكومة نتنياهو؟ .

أبعاد استراتيجية

في الأبعاد الإستراتيجية، يبدو أن باريس تحاول لعب دور "الوسيط النزيه" في لحظة تاريخية تشهد فيها الولايات المتحدة انحيازا غير مشروط للموقف الإسرائيلي، بما في ذلك توفير غطاء دبلوماسي متواصل لسياسات التهجير والتدمير الجماعي في غزة، وتمرير شحنات السلاح رغم المجازر الموثقة. ضمن هذا السياق،ووفق مراقبين يندرج التلويح الفرنسي كجزء من محاولة لاستعادة التوازن المفقود في النظام الدولي، وتوجيه رسالة إلى الدول العربية بأن أوروبا قادرة ولو جزئيا على اتخاذ مواقف أكثر استقلالا وإنصافا.
وتعكس التحركات الأوروبية الأخيرة باتجاه الدول العربية – وخاصة مصر والأردن وقطر –إدراكا متزايدا بأنّ مستقبل غزة لا يمكن صياغته عبر المقاربة الإسرائيلية الأحادية، القائمة على الإخضاع والتفريغ الديمغرافي. وتتعالى من باريس إلى برلين، الأصوات التي تطالب بـ"حلّ سياسي شامل" يعيد الاعتبار للحقوق الفلسطينية، ويمنع تكرار سيناريوهات الهدم والاحتلال المقنّع.
موقف فرنسا
وفي مقابلة مع قناة "فرانس 5" ، قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن بلاده "قد تعترف بدولة فلسطين في جوان" المقبل. وقال ماكرون: "علينا أن نمضي نحو اعتراف، وسنقوم بذلك في الأشهر المقبلة". وكانت دول أوروبية عدة قد اعترفت بدولة فلسطين مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج في إطار دعمها لحل الدولتين كسبيل وحيد لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
وأعلن إيمانويل ماكرون أن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطين "في جوان" لمناسبة مؤتمر عن فلسطين يعقد في نيويورك وتتقاسم رئاسته مع السعودية.
وأضاف ماكرون: "سأقوم بذلك لأنني أعتقد أن الأمر سيكون صحيحا في لحظة ما، ولأنني أريد أيضا أن أشارك في دينامية جماعية، تتيح كذلك لجميع من يدافعون عن فلسطين الاعتراف بدورهم بإسرائيل، الأمر الذي لم يقم به العديد منهم".

وأكد أن ذلك سيتيح أيضا "أن نكون واضحين للنضال ضد من ينكرون حق إسرائيل في الوجود، وهذا ينطبق على إيران، وأن نمضي نحو أمن مشترك في المنطقة".ولاحقا، رحبت وزيرة الدولة الفلسطينية للشؤون الخارجية، فارسين أغابكيان شاهين، نية ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين، وقالت لوكالة الأنباء الفرنسية: إن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين "سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح، بما يتماشى مع حماية حقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين".
وكان ماكرون أعلن في القاهرة عمه للمبادرة العربية التي صاغتها مصر واعتمدتها الجامعة العربية الشهر الماضي لإعادة إعمار غزة، في مقابل مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة إلى دول الجوار لترك المجال لاستثمارات أمريكية تحول القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".وشدد ماكرون خلال زيارته مصر على أهمية التمسك بالمسار السياسي لإنهاء الحرب، وأشار إلى المؤتمر الذي تترأسه فرنسا والمملكة السعودية الشهر المقبل بهذا الصدد.ولدى سؤاله عن مقترح ترامب، أكد الرئيس الفرنسي أن قطاع غزة يعيش فيه مليونا شخص "محاصر" ولا يمكن الحديث عنها كـ "مشروع عقاري".وقال ماكرون "حين نتحدث عن غزة نحن نتحدث عن مليوني شخص محاصر... بعد أشهر من القصف والحرب".وأضاف "لا يمكننا محو التاريخ والجغرافيا. لو كان الأمر ببساطة مشروعا عقاريا أو استحواذا على أراض... لما كانت الحرب اندلعت من الأساس".
هذا ورحبت وزارة الخارجية والمغتربين بالموقف الفرنسي المتقدم الذي عبر عنه الرئيس ايمانويل ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطين خلال الأشهر القليلة القادمة، وتعتبره خطوة بالاتجاه الصحيح لحماية حل الدولتين وتحقيق السلام، في انسجام صريح مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
تطالب الخارجية الدول التي لم تعترف حتى الآن بدولة فلسطين المبادرة لمثل هذا الاعتراف خاصة الدول الأوروبية، كما تطالب بدعم الجهود الفلسطينية المبذولة لحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وتدعو الدول كافة للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي سيعقد في حزيران القادم برئاسة مشتركة فرنسية سعودية دعماً وإسناداً لتطبيق حل الدولتين.
وأكدت الخارجية أنّ الوقف الفوري لجرائم الإبادة والتهجير والضمّ واستعادة الأفق السياسي لحل الصراع وتمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد دولته على الأرض هو مفتاح حل الصراع وتحقيق أمن واستقرار المنطقة.
"المناطق الأمنية"
في المقابل، يواصل وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت رسم ملامح مشروع استيطاني أمني في غزة، تحت عنوان "المناطق الأمنية"، والتي تم الإعلان عن توسيعها مؤخرا لتشمل مساحات واسعة من القطاع المحاصر. هذا الإعلان لا يمكن قراءته بمعزل عن مشروع أوسع لـ"تقسيم غزة" إلى مربعات أمنية ومعازل سكانية خانقة، في محاولة لإنتاج واقع سياسي جديد بالقوة العسكرية.
ويرى متابعون أنّ ما يحدث فعليا هو تحول غزة إلى منطقة تحت الهيمنة الإسرائيلية، على غرار نموذج الضفة الغربية، ولكن بأدوات أكثر تطرفا، تعززها هندسة ديمغرافية عبر التهجير والنفي القسري لأصحاب الأرض. هذا المخطط، الذي يحظى بصمت أمريكي ودعم غير مباشر، يمثل التحدي الأكبر أمام أي محاولة أوروبية أو عربية لصياغة مستقبل مختلف لغزة، قائم على السيادة الفلسطينية لا الإحتلال الإسرائيلي.
ووفق قراءات ستشكّل الأسابيع القادمة اختبارا حاسما لمدى جدية أوروبا في تبني مسار مستقل عن واشنطن في ملف فلسطين. فالاعتراف بدولة فلسطينية سيكون بلا معنى إذا لم يُرفق بمواقف سياسية جريئة، مثل فرض عقوبات على الاستيطان، وتقييد صادرات الأسلحة، ودعم تحركات المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب.
كما أن أي دور مستقبلي أوروبي في غزة – إنسانيا أو سياسيا – سيتطلب تنسيقا عميقا مع الأطراف العربية ، والاعتراف بأن مفتاح الاستقرار في غزة ليس في "الترتيبات الأمنية" ولا في "الهندسة السياسية"، بل في تحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال.فهل تملك باريس وأوروبا شجاعة كسر التبعية لواشنطن، أم أن ماكرون، كغيره من القادة الغربيين، سيكتفي برفع السقف الخطابي دون ترجمة عملية على الأرض؟
غزة تنزف مجددا
منذ 18 مارس الماضي، ومع استئناف العدوان بعد فترة من "التصعيد المتقطع"، استُشهد 1522 فلسطينيا وأصيب 3834 آخرون، معظمهم من النساء والأطفال، لترتفع الحصيلة الإجمالية إلى 50886 شهيدا و115875 مصابًا منذ بدء العدوان الشامل.هذه الأرقام المفزعة ليست مجرد إحصائيات بل هي توثيق حي لجريمة تتواصل في وضح النهار، على مرأى من العالم، وسط تواطؤ سياسي وصمت أخلاقي. كل رقم يحمل بين طياته عائلة دُمّرت، ومستقبلاً أُطفئ، وطفل فقد أمه أو وُلد يتيما تحت الأنقاض.
وتأتي هذه الأرقام في وقت تتسارع فيه وتيرة القصف على ما تبقى من شمال غزة ومناطق متفرقة من الجنوب، بالتوازي مع تشديد الحصار ومنع دخول المساعدات، ما يعني أن الموت لم يعد فقط بالصواريخ، بل بالجوع والمرض وانهيار المنظومة الصحية بالكامل.
إذ لم تُترجم المأساة الإنسانية المتصاعدة بعد إلى موقف دولي حازم. فبينما تتوالى التحذيرات من "مجاعة وشيكة" وتصنف غزة كأسوأ منطقة كارثة إنسانية في العصر الحديث، تواصل الولايات المتحدة دعمها غير المشروط لإسرائيل سياسيًا وعسكريا، مانعةً تمرير أي قرار أممي ملزم بوقف إطلاق النار، حتى في ظل تقارير تؤكد استخدام أسلحة محظورة واستهداف متعمد للمرافق المدنية.
أما أوروبا، فعلى الرغم من محاولات بعض دولها – مثل فرنسا وإسبانيا – التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية أو الدعوة لمحاسبة الاحتلال، فإن الأداء العام لا يزال دون المستوى الأخلاقي المطلوب، خصوصا مع استمرار تزويد تل أبيب بالسلاح والتقنيات التي تُستخدم في القتل والتدمير.
الواقع يقول إنّ المعركة في غزة لم تعد فقط حول الأرض والسيادة، بل حول إمكانية فرض القانون الدولي من عدمه. فهل ستبقى الجرائم بلا عقاب؟ أم أنّ الأرقام الثقيلة ستُترجم يوما إلى لائحة اتهام حقيقية أمام محكمة جنائية دولية تحاكم القتلة بدلا من منحهم الحصانة؟ .
''تهجير الفلسطينيين خط أحمر''
من جهته أكد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي أمس الخميس أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم خط أحمر مرفوض قبوله بشكل قاطع تحت أي مسمى أو ذرائع.
وقال عبد العاطي ، خلال مؤتمر صحفي اليوم مع وزير الخارجية والتجارة المجرى بيتر سيارتو ، الذي يقوم حاليا بزيارة إلى القاهرة ، إنه أكد لنظيره المجرى على رفض مصر القاطع ،باعتباره خط أحمر مصري- أردني، "القبول بالتهجير تحت أي مسمى أو ذرائع، سواء تهجير قسري أو طوعي أو مؤقت أو دائم".وأضاف أن المباحثات تناولت القضايا الإقليمية حيث أحاط الوزير المجرى علما بالجهود الدؤوبة التي تقوم بها مصر لسرعة وقف عمليات القتل اليومية التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين العزل الأبرياء في قطاع غزة والاقتراحات المصرية فيما يتعلق بإطلاق سراح عدد من الرهائن مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين وفترة محددة من الهدوء ومن وقف القتال تمهيدا لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جانفي الماضي والدخول في مفاوضات حول المرحلة الثانية.
وأضاف أنه أحاط نظيره المجرى علما بالخطة العربية الإسلامية لإعادة اعمار والتعافي المبكر في غزة دون تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والزخم الذي أصبحت تحظى به الخطة على المستوى الدولي، وكذلك الحرص على عقد مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة الاعمار في أسرع وقت ممكن عند التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وأكد الوزير عبد العاطي أنه لا مجال لتحقيق الأمن لإسرائيل أو المنطقة دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مشيرا إلى أن المباحثات تطرقت أيضا إلى الأزمات في السودان وسوريا ولبنان.وأكد الوزير المصري العمل من أجل ترفيع العلاقات مع المجر ، مشيرا إلى العمل من أجل مضاعفة الرحلات مع المجر.بدوره ، ثمن الوزير المجري جهود مصر من أجل إحلال السلام في المنطقة ، مشيرا إلى أن مصر تقوم بدور كبير في عملية الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة.
ووفق بيان للخارجية المصرية ، تبادل الوزيران الرؤى حيال عدد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الوضع في قطاع غزة والتصعيد في الضفة الغربية، حيث استعرض الوزير عبد العاطي الخطة العربية - الإسلامية لعملية التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة مع بقاء الفلسطينيين على أرضهم، وتناول الجهود الرامية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع وبدء تنفيذ المرحلة الثانية.

وأكد الوزير عبد العاطي "رفض مصر الكامل للعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة ومنع نفاذ المساعدات الإنسانية والإيوائية والتصعيد الجاري بالضفة الغربية، بالإضافة إلى رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم تحت أي مسمى". وشدد الوزير المصري على أهمية التوصل لحل سياسي دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع جوان 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.كما شهد اللقاء أيضا تبادلا للرؤى بالنسبة للتطورات في سوريا ولبنان، إلى جانب مسألة أمن الملاحة في منطقة البحر الأحمر.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115