لا يكاد يمر يوم دون حصول أحداث عنف طائفية في مناطق متفرقة في البلاد. فبعد الاشتباكات الدامية في الساحل السوري خلال شهر مارس الماضي بين العلويين وجماعات مسلحة محسوبة على النظام الجديد ، وكذلك بين مقاتلين دروز وقوات الأمن في افريل ، اندلعت أعمال عنف جديدة في السويداء الواقعة في جنوب البلاد دمشق لتفتح صفحة جديدة من العنف الطائفي في بلد يشهد توترات أمنية متواصلة وسط تصاعد مخاطر التقسيم العرقي والطائفي .
وانطلقت شرارة الاشتباكات يوم السبت الماضي إثر اختطاف تاجر خضار درزي من قبل مسلحي البدو الذين وضعوا حواجز على طريق السويداء - دمشق، ليتحوّل بعد ذلك إلى عملية خطف متبادلة بين الطرفين .
وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن هذه الاضطرابات الأخيرة تعود إلى "توتّر متواصل منذ اندلاع الاشتباكات ذات الخلفية الطائفية في أفريل" بين مسلحين من الدروز وقوات الأمن، في مناطق درزية قرب دمشق وفي السويداء، وشارك فيها إلى جانب قوات الأمن مسلحون من عشائر البدو السنية في المحافظة.
من جانبها ، أصدرت وزارة الدفاع بيانا أعلنت فيه أن "الفراغ المؤسساتي الذي رافق اندلاع هذه الاشتباكات ساهم في تفاقم مناخ الفوضى وانعدام القدرة على التدخل من قبل المؤسسات الرسمية الأمنية أو العسكرية، مما أعاق جهود التهدئة وضبط النفس".
وبدأت القوات السورية بالانتشار في السويداء امس الاثنين ، في حين دعا محافظ السويداء مصطفى البكور إلى "ضرورة ضبط النفس والاستجابة لتحكيم العقل والحوار" مضيفا "نثمن الجهود المبذولة من الجهات المحلية والعشائرية لاحتواء التوتر، ونؤكد أن الدولة لن تتهاون في حماية المواطنين".
ودعت قيادات روحية درزية إلى الهدوء وحضّت سلطات دمشق على التدخل.
وتعد السويداء الواقعة جنوب شرق العاصمة دمشق، المحافظة السورية الوحيدة التي يشكل الدروز فيها الأغلبية السكانية، كما تضم أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، إلى جانب أقليات أخرى سنية. اذ يشكّل الدروز نحو 87% من سكانها. وسبق أن شهدت المحافظة اشتباكات مسلحة في أواخر افريل ، انتهت بتوقيع ما سمي باتفاق البنود الخمسة بين الحكومة السورية ووجهاء الطائفة الدرزية يقضي بتفعيل أدوار الشرطة والأمن في السويداء من أبناء المحافظة إضافة لفك الحصار عن مناطق جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا.
ان هذه المحافظة الغنية بالآثار التي تعود لآلاف السنين وشاهدة على أهم الحقب التاريخية في تاريخ البلاد، تشهد أيضا تشكّل ملامح احدى أشد المراحل صعوبة في التاريخ الحديث لسوريا . اذ يعمل البعض على تحويل هذا المخزون الثقافي والفسيفساء الدينية الى مسببات لاندلاع شرارة الفتنة الطائفية وصولا لتنفيذ مخطط التقسيم. ويرى البعض بأن " دولة الاحتلال الإسرائيلي " ليست بعيدة عما يحصل، فهي سبق ان لوحت بالتدخل بتعلة حماية الأقلية الدرزية في سوريا . ويبدو جليا ان المستفيد الأكبر من أية حوادث طائفية هي تل ابيب التي تسعى لضم أكبر ما يمكن من الأراضي والمناطق السورية في ظل مرحلة انتقالية هشة تمرّ بها البلاد.
ولكن التاريخ يشهد أيضا على أن السويداء انطلقت منها أهم الثورات الوطنية في سوريا ضد الانتداب الفرنسي وأهمها الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش. ولطالما شكّل الدروز عبر تاريخهم خط الدفاع الرئيسي ليس فقط عن السويداء بل كذلك عن سوريا بالكامل وضحوا بأرواحهم ودمائهم من أجل استقلال وطنهم . واليوم يبدو ان أبناء هذه المنطقة هم أشد ما يكون بحاجة الى استلهام فكر زعيمهم التاريخي من أجل مقاومة أية فتن داخلية وخارجية وأية مخططات صهيونية كانت أم غيرها .