توماس باراك، بلبنان في زيارة التقى خلالها المسؤولين اللبنانيين، لتسلم رد لبنان بشأن تنفيذ الترتيبات الأمنية المتعلقة بوقف الأعمال التي تصفها الإدارة البيضاوية بـ"العدائية" التي كانت وافقت عليها الحكومة الماضية في نوفمبر الماضي. وناقش رؤساء الجمهورية العماد جوزف عون، ومجلس الوزراء نواف سلام، ومجلس النواب نبيه بري المقترحات الأمريكية .
ويبدو لبنان في لحظة فارقة وصعبة في خضم تغيرات إقليمية متسارعة في سياق رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي تريده دولة الاحتلال . وهو شرق أوسط مقسم ومطبّع وضعيف ومرتبط اقتصاديا وسياسيا وأمنيا بمصالح إسرائيل لا غير . فالسلام الذي يحمله المبعوث الأمريكي هو بمعنى آخر الاستسلام والقبول بما عجز الاحتلال عن تحقيقه خلال الحرب أي كسر شوكة المقاومة اللبنانية وطيّ صفحة حزب الله .
ويهيمن اليوم الجدل حول سلاح حزب الله بشكل غير مسبوق داخل الأوساط اللبنانية التي تتبنى خطاب "السيادة الوطنية وتمركز السلاح بيد الدولة "...في حين ترى الأوساط المقربة من المقاومة بأنه لا يمكن الائتمان على جنوب لبنان لعدو غدار سبق ان احتل لبنان وسيعيد تكرار ذلك في أية لحظة يشعر بها بضعف وهشاشة المقاومة .
فالتسليم بسلاح المقاومة هو شكل من أشكال الهزيمة السياسية والعسكرية التي لا يقبلها طيف واسع مؤمن بمشروع المقاومة لتحرير وحماية الوطن.
وتدفع اليوم الإدارة الأمريكية باتجاه استكمال مخطط الاتفاقات الابراهيمية التي بدأت في العهدة الترامبية الأولى وشملت آنذاك المغرب والامارات . واليوم يريد ترامب استكمال المخطط ليشمل سوريا الهشّة ولبنان . والأدهى أن هناك تقارير إعلامية صهيونية يتم تداولها وتتحدث عن مقترح سوري للقبول بالتطبيع الصهيوني والتخلي عن الجولان للاحتلال مقابل ضم طرابلس اللبنانية وبعض المناطق السنية الى سوريا. وهو مقترح بغض النظر عن صحته الا انه لا يعدو الا ان يكون محاولة جسّ نبض من قبل الاحتلال لمعرفة توجهات الرأي العام المحلي ومدى مقبولية هذا الطرح لدى البيئة الشعبية " السنية " خاصة في ظل مناخ من التوتر السياسي يطغى في لبنان ويتغذى من بث الفتن والخطاب الطائفي البغيض .
ولكن من مجمل ما يتم تداوله يفهم بوضوح بأن "إسرائيل" تهدف الى تقسيم المنطقة الى كنتونات طائفية على غرار ما حصل في سوريا من تقسيم غير معلن لكيانات "كردية " وسنية" باعتبار ان تقسيم المنطقة يضعف دول الاقليم ويخدم مصالح الكيان.
بالنسبة للبنان ومقاومته ، جاء رد حزب الله واضحا ، اذ أكّد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم ان التهديدات الاسرائيلية لن تدفع حزبه إلى "الاستسلام".
وطالب قاسم إسرائيل بأن "تنسحب من الأراضي المحتلة وتوقف عدوانها وطيرانها وتعيد الأسرى ويبدأ الإعمار" أولا، وعندما يتحقق ذلك "نحن حاضرون للمرحلة الثانية، لنناقش الأمن الوطني والاستراتيجية الدفاعية حاضرون لكل شيء ولدينا من المرونة بما يكفي من أجل أن نتراضى ونتوافق".
الأكيد ان لبنان هو اليوم جزء من هذا المشروع الصهيو-أمريكي للمنطقة ككل ولكن لسان حل شريحة واسعة من اللبنانيين هو رفض "التطبيع" مع مجرمي الحرب الصهاينة ومع دولة الإبادة . ورغم كل الأزمات الصعبة الذي يمرّ بها البلد ، فإن اللبنانيين يستلهمون من شهدائهم معنى الكرامة ومعنى السيادة الحقيقة ومعنى تطهير الأرض من دنس الاحتلال .واليوم الضمان الحقيقي لمرور عاصفة " التطبيع " والنأي عن الضغوطات الصهيو-أمريكية وحماية وحدة التراب اللبناني هو ان يتعلم اللبنانيون من دروس الحروب الأهلية الماضية بكل مآسيها معنى الوفاء للبنان وعروبته ومعنى ان يكون لبنان أولا وفوق كل اعتبار .