في محادثات مباشرة بوساطة أمريكية.هذه الخطوة، وإن جاءت في إطار من الغموض بشأن مخرجاتها، تحمل في طياتها رسائل سياسية وأمنية خطيرة على مستوى المنطقة. فالاجتماع الذي ضم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووفدا إسرائيليا بحضور أمريكي، تركز – وفق ما تسرب – حول إعادة تفعيل اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 1974. تلك الاتفاقية، التي أوجدت منطقة عازلة على طول خط الجولان المحتل، شكلت لعقود أساسا هشا لاستقرار حدودي، لكنها تعرضت للاهتزاز منذ اندلاع الحرب السورية وما تلاها من انهيار مؤسسات الدولة.
وقالت الوكالة السورية للأنباء (سانا) إن وزير الخارجية أسعد الشيباني التقى وفدا إسرائيليا في باريس الثلاثاء "لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري". وأضافت الوكالة الرسمية أن النقاشات تركزت على "خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء (جنوب سوريا)".
وتناول الاجتماع أيضا، وفقا للمصدر نفسه، إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل الموقعة عام 1974، والتي أُنشئت بموجبها منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة في هضبة الجولان السورية المحتلة، قبل أن تعلن تل أبيب إلغاء العمل بها بعد سيطرتها على المنطقة العازلة وتوغلها في مناطق خارجها جنوبي سوريا خلال الأشهر الماضية.
وذكرت سانا أن ما وصفتها بالنقاشات تتم بوساطة أمريكية، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في سوريا والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها.ولم تذكر الوكالة السورية هوية أعضاء الوفد الإسرائيلي الذين التقاهم الشيباني في باريس.
ووفق مراقبين يعكس قبول دمشق بالاعتراف علنا بهذه المفاوضات، للمرة الأولى، يعكس إمكانية توجه القيادة السورية الجديدة نحو منهج جديد لتثبيت شرعيتها داخليا وخارجيا، في مسعى منها لإعادة تموضعها في النظام الإقليمي والدولي رغم كل ما قد ينجر عن ذلك من ترسيخ لوجود المحتل على الحدود.
وتسعى واشنطن، التي دفعت باتجاه اللقاء، لترجمة إستراتيجيتها المعلنة في عهد الرئيس ترامب . إذ لا تقتصر المقاربة الأمريكيّة على منع التصعيد العسكري، بل تتجاوزها إلى محاولة دمج سوريا الجديدة في منظومة إقليمية تطبع فيها رسميا مع "إسرائيل"، بما قد يشكل ورقة ضغط إضافية على إيران وحلفائها في المنطقة .
التطبيع في قلب المشهد
إذ لا يمكن قراءة اللقاء السوري ـ الإسرائيلي بعيدا عن سياق موجة التطبيع الإقليمي التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، بدءا من "اتفاقيات أبراهام".
فواشنطن تعتبر أن إدماج سوريا في مسار التطبيع سيكون تتويجا لجهودها الرامية إلى صياغة نظام إقليمي جديد تكون فيه دولة الاحتلال هي المهيمنة. أي أنّ عودة سوريا إلى "الحظيرة الدولية" مشروطة بتغيير تموضعها تجاه ''إسرائيل''.
ووفق خبراء فإن النظام الجديد في دمشق قد يرى في التطبيع وسيلة لتأمين اعتراف دولي سريع ودعم اقتصادي وسياسي، خصوصا بعد عقد من الحرب والدمار. إلا أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، إذ أن الشارع السوري، الذي خبر الحرب والخسائر، يعتبر ''إسرائيل'' عدوا استراتيجيا ومحتلا غاصبا.
مخاطر التطبيع
يرى محللون أن أي تطبيع بين دمشق وتل أبيب سيترك أثره على التوازنات الإقليمية ، إذ ستعتبر إيران الخطوة تهديدا مباشرا لنفوذها في سوريا. أما روسيا فقد تنظر إليها كمحاولة أمريكية لتقليص دورها في إدارة الملف السوري.
ووفق محللين يمثل لقاء سوريا و''إسرائيل''، تحوّلا في قواعد اللعبة الإقليمية. فالنظام الجديد بعد الأسد يبحث عن دعم خارجي وربما يجد في التطبيع طريقا أسهل نحو هذا الاعتراف والدعم الدولي الذي يريده رغم ان ذلك يعارض تطلعات الشارع السوري الذي يرفض في جله التطبيع مع عدو محتل . فهو يدلل على أن المشهد السوري لم يعد رهينة للصراع الداخلي فقط، بل صار جزءا من إعادة ترتيب أوسع للشرق الأوسط برعاية أمريكية. فالتطبيع يبدو محفوفا بالتعقيدات والخطورة، في ظل ماتعيشه المنطقة من حرب إبادة صهيونية في قطاع غزة وتأثيراتها الكبرى على السلم في المنطقة.