الذي نظمه الاتحاد الدولي للمؤرخين ، خلال الفترة من 19 إلى 21 ديسمبر 2025 بتونس، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والباحثين والخبراء من مختلف الدول العربية والأجنبية، حضوريا وعن بُعد.
وجاء انعقاد المؤتمر تحت عنوان التفاعل بين التاريخ والفكر المعاصر: إعادة صياغة المفاهيم الإنسانية والاجتماعية في ظل التحول الرقمي وتحديات العولمة"، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، وما تفرضه من تحديات فكرية ومنهجية على العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وشهد المؤتمر مشاركة 100 باحث وعرض 78 ورقة علمية من العراق وتونس ومصر والأردن والسعودية وليبيا والجزائر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، ما يعكس الاهتمام الكبير بالقضايا الإنسانية والاجتماعية في المنطقة وخارجها.
افتُتح المؤتمر بكلمات رسمية ألقاها رئيس الاتحاد الدولي للمؤرخين، إبراهيم سعيد البيضاني، وممثلون عن المؤسسات الشريكة، تضمنت كلمة مركز حوار الحضارات منير بن علي، وكلمة رئيس المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم بشير السعيد، وكلمة ممثل كلية التربية بجامعة القادسية، وكلمة أنور أعيش رئيس مؤسسة الأنوار الفرنسية، إضافة إلى كلمة منسقة المؤتمر د. وفاء نعيم، نائبة رئيس الاتحاد، وكلمة المشاركين التي ألقاها د. غانم بن سعد من المملكة العربية السعودية.
وخلال حفل الافتتاح، تم عرض فيلم يوثق مسيرة وأنشطة الاتحاد الدولي للمؤرخين، وتوزيع الدروع على المؤسسات الشريكة، كما تم تكريم الدكتور عثمان البرهومي تقديراً لجهوده في دعم مسيرة الاتحاد.
وشهد اليوم أيضاً توقيع اتفاق تعاون بين الاتحاد الدولي للمؤرخين ومركز حوار الحضارات والأديان، ما يعزز التعاون العلمي والثقافي في مجالات البحث التاريخي والدراسات الإنسانية والاجتماعية.
نقاش علمي حول مفاهيم العصر
وشكّل المؤتمر منصة علمية مهمة لتبادل الآراء والرؤى حول العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر المعاصر، حيث ناقش المشاركون الحاجة الملحّة إلى إعادة قراءة المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل لسلطة، والمواطنة، والتنمية، والحداثة، والهوية، في ضوء التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وتأثيرات العولمة المتزايدة.
وأكد الباحثون أن التحول الرقمي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح عاملاً بنيويًا مؤثرًا في تشكيل الوعي الجمعي، وإعادة إنتاج المعرفة، وصياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الأمر الذي يستدعي تطوير الأطر النظرية والمناهج البحثية التقليدية.
محاور متعددة تعكس قضايا راهنة
وتوزعت جلسات المؤتمر على سبعة محاور رئيسة، ركّز أولها على الفكر التاريخي وتفاعله مع الحضارات الإسلامية والعربية والأوروبية، من خلال دراسات مقارنة تناولت تطور المدارس التاريخية ومنهجيات البحث التاريخي، وأثر التفاعل الحضاري في تشكيل الوعي التاريخي.
أما المحور الثاني، فقد خُصص لمناقشة إعادة صياغة المفاهيم في "العلوم الإنسانية والاجتماعية"، حيث طُرحت قراءات نقدية لمفاهيم السلطة الرقمية، والمواطنة المعاصرة، والتنمية متعددة الأبعاد، والحداثة في سياق ما بعد العولمة.
وفي المحور الثالث، ناقش الباحثون أثر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي على البنى الاجتماعية والديمقراطية والعدالة، مسلطين الضوء على قضايا حوكمة البيانات، والخصوصية، والمراقبة الرقمية، وسوق العمل، والعدالة الاقتصادية في العقود المقبلة.
كما تناول المحور الرابع اللغة والفنون بوصفهما حاضنين للهوية والتراث الثقافي، حيث نوقشت تطورات اللغة العربية في عصر التكنولوجيا، والأدب العربي والنسوي، وتأثير الفنون البصرية والموسيقى والفنون الشعبية في تأصيل الهوية، إضافة إلى دور التعليم والثقافة في مواجهة تحديات العولمة الثقافية.
وفي السياق ذاته، ركّزت عدد من الأوراق البحثية على دور المرأة في الثقافة العربية، وإسهاماتها في الأدب والفنون، والتحديات التي تواجهها في ظل التحولات الاجتماعية المعاصرة.وتطرق المحور الخامس إلى التحديات السياسية والاقتصادية في عصر العولمة، حيث ناقش المشاركون التأثير المتبادل بين السياسة والاقتصاد، وتوزيع الثروة، والأمن الاقتصادي، والتحديات البيئية، إلى جانب دراسة النظم العالمية وسبل تطوير نماذج تعاون دولي أكثر عدالة.
في حين خصص المحور السادس لدراسة التربية والتعليم في عصر التحولات، متناولًا قضايا الرقمنة في التعليم، والذكاء الاصطناعي، والمناهج الحديثة، والعدالة التربوية، وعلم النفس التربوي، والقيادة والإدارة المدرسية في ظل المتغيرات المعاصرة.
أما المحور السابع، فقد شمل دراسات وقراءات جديدة في مجالات التاريخ، والجغرافية، والعلوم السياسية، والقانون، والإدارة، والاقتصاد، والشريعة، والتربية الرياضية، في إطار التحولات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة.
تحديات العصر الرقمي والعولمة
وفي ختام أعماله، شدد المؤتمر على أهمية تعزيز البحث العلمي البيني، وتطوير المناهج المعرفية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وربط مخرجات البحث الأكاديمي بقضايا المجتمع والتنمية المستدامة. كما أكد المشاركون ضرورة استمرار الحوار العلمي بين الباحثين والمؤسسات الأكاديمية، وتوسيع آفاق التعاون الدولي لمواجهة تحديات العصر الرقمي والعولمة.
ويُعد هذا المؤتمر محطة علمية بارزة تسهم في إثراء النقاش الأكاديمي، وإعادة التفكير في دور العلوم الإنسانية والاجتماعية في فهم الماضي واستشراف المستقبل، في عالم يشهد تحولات معرفية وثقافية غير مسبوقة.