القضية الفلسطينية سلميا على تنفيذ حل الدولتين، ودعا الى التزام تل ابيب العلني والواضح بهذا الحل . وفي خضم تعثر محادثات التسوية في قطر بسبب هروب مجرم الحرب نتنياهو المستميت نحو المجهول وتملصه تباعا من كل الاتفاقات الماضية مع حماس، يأتي هذا المؤتمر ليعيد بعضا من الزخم الدولي للقضية الفلسطينية.
لقد عجز المنتظم الأممي طوال المدة الماضية عن وضع حد لحرب الإبادة الصهيونية وتوحش دولة الاحتلال الذي فاق كل الوصف والتوقعات والحدود وسبّب احراجا حتى لأقرب مؤيدي الكيان أمام الرأي العام الدولي . واليوم تعرض القضية الفلسطينية في المحافل الدولية من خلال هذا المؤتمر الدولي لا بوصفها فقط قضية شعب يتعرض لحرب صهيونية تتطلب إدانة وتحركات أممية ودولية عاجلة لوقفها ، بل بوصفها كذلك قضية شعب له حق بإقامة دولته المستقلة ولو على جزء من أراضيه التاريخية المحتلة . ولعل تصريح وزير الخارجية البريطاني والذي ذكر فيه :"مع العبء التاريخي على أكتافنا تنوي حكومة بريطانيا الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر " يمثّل اعترافا صريحا بالجرم الذي ارتكبته بريطانيا بحق التاريخ والانسان والجغرافيا في المنطقة ، عندما أعطت أرض فلسطين لشعب بلا أرض وغرست الاحتلال النازي في عمق العالم العربي كسرطان لا يتوقف عن التهديم والتقتيل واضعاف الجسد العربي .
حل الدولتين ربما يكون من الحلول التي يلجأ اليها الغرب اليوم ممثلا بالدول المشاركة للضغط على تل ابيب لإيقاف المحرقة ووضع حدود لها من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية . لكن هل ستقبل دولة الاحتلال بهذا الحل "على رمزيته" ورغم أنه لا ينصف الشعب الفلسطيني انصافا تاما مطلقا ويعيد له حقوقه التاريخية على أرضه المحتلة بين نكبة 1948 ونكسة 1967 وما تلاها من مشاريع استيطانية متواصلة حتى اليوم ؟
الرد الأولي جاء من مجرم الحرب نتنياهو الذي واصل ضغوطه على بريطانيا لتتراجع عن تلويحها بالاعتراف بدولة فلسطين . فالقرار البريطاني قوبل بانتقاد شديد من وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلية، وعقب ذلك ادعى نتنياهو في تدونية أن "ستارمر يكافئ إرهاب حماس ويعاقب ضحاياها".
ان الحقيقة التي كشفتها كل حروب "إسرائيل" السابقة سواء في غزة أو مع لبنان وسوريا ومصر بأن قادة الكيان لا يعترفون الا بالحدود الأسطورية التلمودية " من النيل الى الفرات" . هنا يمكن وضع تصريح وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، والذي دعا خلاله "إلى الاحتلال الكامل لغزة، والتخلي عن الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية بالقطاع "، في الخانة نفسها أي الاستمرار في التوسع الصهيوني دون حدود وعلى حساب شعوب المنطقة وأوطانها وتراثها وتاريخها وحضارتها. وذهب أبعد من ذلك قائلا بأن غزة يجب أن تكون يهودية.
الأكيد أن ما يحمله المشروع الصهيوني لغزة ولفلسطين والاقليم عموما ليس دولة فلسطينية قائمة الذات بل هو عصر للهيمنة الصهيونية بكل الأدوات الممكنة . ولكنه مشروع على خطورته سيلقى دوما مقاومة ورفضا من شعوب المنطقة مهما كبرت التحديات وتعاظمت التحولات .