والضفة الغربية، جاء "إعلان نيويورك" الصادر في ختام مؤتمر دولي عُقد بالأمم المتحدة على امتداد يومين، برئاسة مشتركة من السعودية وفرنسا، كمحاولة دولية هي الأكثر شمولا منذ اتفاق أوسلو لإعادة إحياء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة عبر خطة تنفيذية واضحة ومؤطّرة زمنيا. الإعلان الذي شاركت في صياغته 20 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، من بينها الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، يطرح رؤية غير نمطية لتسوية القضية الفلسطينية، تتجاوز التوصيات النظرية إلى خارطة طريق عملية. لكن ورغم كل التفاؤل الذي عقب ''إعلان نيوريوك'' إلا أن الشكوك كانت حاضرة حول مدى الالتزام بالتنفيذ خاصة في ظل غياب أمريكي ملحوظ عن المؤتمر ، وأيضا على علاقة ببعض البنود المتعلقة بالأساس بمستقبل حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة .
ترحيب فلسطيني
لقي الإعلان ترحيبا من السلطة الفلسطينية في حين لم تصدر مواقف عن باقي الفصائل. ونقلت الوكالة عن عباس في البيان الأول، إعرابه عن "تقديره وترحيبه بما جاء في نداء نيويورك الصادر عن وزراء خارجية عدة دول أكدت على اعترافها بدولة فلسطين، وعن رغبة الدول التي لم تعترف منها بالاعتراف بدولة فلسطين".
وأشارت "وفا" إلى أن تلك الدول هي "أندورا، أستراليا، كندا، فنلندا، فرنسا، آيسلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، سان مارينو، سلوفينيا، إسبانيا".
وأشار الإعلان الصادر في نيويورك إلى ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة، وانسحاب إسرائيل من القطاع، وتسليمه إلى السلطة الفلسطينية، مؤكدا على أن "إعمار غزة سيتم بدعم من صندوق دولي، ومن خلال مؤتمر لإعادة الإعمار سيعقد قريبا في القاهرة". كما دعا تل أبيب إلى إصدار التزام علني وواضح بحل الدولتين، بما في ذلك دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، وإنهاء العنف والتحريض ضد الفلسطينيين على الفور، ووقف جميع الأنشطة الاستيطانية بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
وشدد الإعلان على أهمية الاعتراف بدولة فلسطين ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة، كما دعا إلى "إصلاحات فلسطينية تشمل الانتخابات خلال عام، وتعزيز الحوكمة والأمن".
غياب أمريكي
ولعلّ ما يمنح الإعلان بعدا خاصا هو غياب الولايات المتحدة عن رئاسته، مقابل تصدّر دول إقليمية وأوروبية المشهد، في تحوّل قد يُقرأ على أنه إعادة توزيع لأدوار الوساطة الدولية، أو على الأقل مؤشّرا على تراجع واشنطن عن احتكار الملف الإسرائيلي–الفلسطيني، دون أن يعني ذلك بالضرورة تراجع تأثيرها فيه.
وشدد "إعلان نيويورك" بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، على ضرورة إنهاء حكم حركة "حماس"، وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية.وأكد "إعلان نيويورك" على "رفض أي إجراءات تؤدي إلى تغييرات إقليمية أو ديمغرافية بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين".
ووفق مراقبين يتميّز الإعلان بأنه لم يكتف بتكرار الخطة الدبلوماسية التقليدية حول "حل الدولتين"، بل ذهب إلى الالتزام بخطوات عملية، تبدأ بوقف الحرب في غزة وانسحاب جيش الإحتلال الإسرائيلي من القطاع، وتُختتم بإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة، قابلة للحياة اقتصاديا، ضمن حدود 1967.
وبين البداية والنهاية، تطرح الوثيقة سلسلة من التدابير السياسية والاقتصادية والأمنية، من أبرزها إنشاء لجنة انتقالية لإدارة غزة تحت إشراف السلطة الفلسطينية، نشر بعثة دولية لتحقيق الاستقرار، دعم خطة نزع السلاح، وتمكين السلطة الفلسطينية من بسط سيادتها الكاملة في الضفة وغزة على حد سواء.
الأهم أن الوثيقة لم تنطلق فقط من دعوة "إسرائيل" إلى وقف الأنشطة الاستيطانية والتهجير ومحاسبة المستوطنين، بل دعت إلى اتخاذ "تدابير تقييدية دولية" ضد المستوطنين المتطرفين، والجهات التي تعمل ضد حل الدولتين، سواء عبر العنف أو عبر تقويض القانون الدولي.
انقسام امريكي
وبالموازاة ذلك تبرز تساؤلات حول مدى تأثير غياب الولايات المتحدة بوصفها أكبر داعم لدولة الاحتلال عن مؤتمر نيويورك لحل الدولتين . في وقت تكشف فيه تقارير إعلامية حدوث انقسام داخل الدوائر المحسوبة على ترامب بخصوص سياسته تجاه حرب غزة.
وفي تقرير لوكالة " اف ب " ذكرت فيه ان النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين المحسوبة على اليمين المتطرف كتبت على إكس "ليس هناك أصدق وأسهل قولا من أن السابع من في إسرائيل كان مروعا، وأنه يجب الافراج عن جميع الرهائن، ولكن الأمر يسري على الإبادة الجماعية والأزمة الإنسانية والجوع الذي تشهده غزة". وبذلك تصبح تايلور المؤيدة لترامب أول نائبة جمورية تستخدم مصطلح "إبادة جماعية" لوصف ما ترتكبه إسرائيل في القطاع الفلسطيني.
ويقول التقرير ان النائبة عن ولاية جورجيا (جنوب) كانت تتباهى دوما بدفاعها عن سياسة ترامب "أمريكا أولا" التي تؤيد الانعزالية.
وتدعو شخصياتٌ بارزة من اليمين الأمريكي الآن إلى قطع العلاقات مع إسرائيل.
كما فعل مذيع قناة فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون الذي انتقد بشدة الضربات الإسرائيلية على إيران في جوان، وحثّ الولايات المتحدة على عدم التدخل.
وفي مارس، اعتبر مركز هيريتدج فاونديشن المحافظ للدراسات الذي يتمتع بنفوذ كبير، أن على الولايات المتحدة "تحويل علاقتها مع إسرائيل" نحو "شراكة استراتيجية متكافئة".وفقا للتقرير .
من غزة إلى الاعتراف الدولي
في أحد أكثر أقسام الإعلان جرأة، ربطت الدول المشاركة في المؤتمر الدولي بين إنهاء الحرب في غزة وبين إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى الاعتراف المتبادل بين فلسطين و''إسرائيل''، ودمج الدولة الفلسطينية الجديدة ضمن النظام الإقليمي والدولي سياسيا واقتصاديا. هذه المقاربة الجديدة تكسر النمط التقليدي القائم على "المفاوضات أولًا، ثم الاعتراف لاحقا"، وتتبنّى وجهة نظر ترى أن الاعتراف بدولة فلسطين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة ليسا نتائج محتملة، بل متطلبات ضرورية لنجاح التسوية.
ويؤكد الإعلان في هذا السياق أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بات عنصرا لا غنى عنه لتحقيق حل الدولتين، خاصة في ظل غياب مفاوضات مباشرة، وتزايد الأنشطة الأحادية من الجانب الإسرائيلي، التي باتت تهدّد فعليا إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
ولم يُغفل الإعلان الداخل الفلسطيني، بل حدّد بوضوح مسؤوليات السلطة الفلسطينية، التي دُعيت إلى استكمال برنامجها الإصلاحي، وتعزيز الحوكمة والشفافية المالية، وضمان وحدة القرار الأمني والسياسي، عبر مبدأ "دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد". وقد حظيت هذه النقطة بتأييد دولي واسع، حيث أُعلن عن دعم مالي ولوجستي وأمني للسلطة الفلسطينية لتمكينها من تنفيذ هذه الإصلاحات، بما في ذلك برامج تدريب وإعادة هيكلة للأجهزة الأمنية بدعم أوروبي وأممي.
كما شدد الإعلان على ضرورة إجراء انتخابات فلسطينية عامة ورئاسية خلال عام، بإشراف دولي، بما يسمح بتجديد الشرعية، وتمكين جيل جديد من القادة الفلسطينيين، مع التأكيد على احترام نتائج الانتخابات، والالتزام بميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وللمرة الأولى في إعلان متعدد الأطراف، يُطلب من "إسرائيل" بوضوح إصدار "التزام علني وصريح بحل الدولتين"، والتخلي عن أي سياسات ضم أو استيطان، ووقف التحريض ضد الفلسطينيين، ومحاسبة المستوطنين العنيفين، وفق قرار مجلس الأمن رقم 904. كما يُطلب من الحكومة الإسرائيلية سنّ تشريعات تجرّم عنف المستوطنين وتردع جرائمهم. ورغم أن الإعلان لا يملك قوة إلزامية قانونية، إلا أن تضمين هذه النقاط يُعد خطوة متقدمة عن بيانات سابقة كانت تتجنب الخطاب المباشر تجاه تل أبيب.
غزة أولا..
من الواضح أن الإعلان اتخذ غزة نقطة الانطلاق العملية، ليس فقط لأن الحرب دائرة فيها حاليا، بل لأنها أيضا تمثل العقدة الميدانية التي يجب تفكيكها قبل أي انتقال سياسي. وتطرح الوثيقة تصورا لإدارة غزة بعد الحرب، يبدأ بانسحاب إسرائيلي، ثم إنشاء إدارة انتقالية تعمل تحت إشراف السلطة الفلسطينية، مدعومة من بعثة دولية تُكلّف بتوفير الحماية للمدنيين، وتسهيل نقل المسؤوليات الأمنية، والمساعدة في إعادة الإعمار، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، يبرز دور جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إذ أعلن عن خطة مشتركة لإعادة إعمار القطاع، عبر مؤتمر دولي يُعقد في القاهرة قريبًا، وصندوق ائتماني دولي لتأمين التمويل المستدام.
هيكل أمني إقليمي جديد
ووفق الإعلان فان واحدة من الأفكار التي طُرحت لأول مرة بوضوح في إعلان نيويورك هي "استكشاف هيكل أمني إقليمي" يوفر ضمانات مشتركة لفلسطين وإسرائيل، على غرار تجارب آسيان ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ويتقاطع هذا الطرح مع التصور العربي الطويل الذي وضعته "مبادرة السلام العربية"، ويضع الحل الفلسطيني كمدخل لازم لأي اندماج إقليمي أو تطبيع عربي مع إسرائيل. وهو ما يعني عمليا أن السلام مع ''إسرائيل'' لم يعد مجانيا أو غير مشروط في الرؤية الإقليمية الجديدة.
ورغم قوة الإعلان ورؤيته المتقدمة، فإن تنفيذه يواجه عدة تحديات جوهرية. أولها غياب الولايات المتحدة عن رئاسة المؤتمر، ما قد يؤثر على حجم الضغط الدولي على "إسرائيل". ثانيا غموض الموقف الإسرائيلي، خاصة في ظل حكومة يمينية تعتبر حل الدولتين فكرة غير واقعية.
لكن في المقابل، فإن هناك لحظة نادرة من الإجماع الدولي، واندفاع سياسي واضح من أطراف مؤثرة كانت لسنوات تكتفي بالحياد أو البيانات الرمزية. كما أن الواقع الإنساني الكارثي في غزة، والتآكل المستمر لمصداقية النظام الدولي في المنطقة، يفرضان تحركًا جادًا قد لا يكون هناك متسع من الوقت لتأجيله أكثر.
ويرى محللون أن إعلان نيويورك لا يشكل فقط موقفا سياسيا جديدا من القضية الفلسطينية، بل يقدم إطارا تنفيذيا هو الأكثر شمولا منذ أوسلو، ويتضمّن التزامات عملية من المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وضمان أمن متبادل، وتمهيد الأرض لحل عادل وشامل للصراع في الشرق الأوسط.
وإذا ما قُرئ الإعلان بتمعّن، فإنه يُعبّر عن إدراك دولي متزايد بأن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي لم يعد ملفا قابلا للتجاهل أو التسويف، بل أصبح جوهر الاستقرار أو الانفجار في المنطقة، وأن مستقبل الإقليم لا يمكن فصله عن العدالة للفلسطينيين.
رفض صهيوني
من جانبه دعا وزير ما يسمى بـ"التراث" في دولة الاحتلال الإسرائيلي عميحاي إلياهو،أمس الأربعاء، إلى الاحتلال الكامل لغزة، والتخلي عن الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية بالقطاع.جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة المحلية "كول حاي"، وسط تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.وقال إلياهو: "لا أدعو إلى إنشاء مستوطنات داخل أسوار في غزة، بل إلى مدينة كبيرة ويجب أن تكون غزة يهودية، وعندها سيكون العرب في وضع أفضل، موقفي هو أنه يجب علينا احتلال غزة".
وادعى أنه "بمجرد أن نفرض سيادتنا على قطاع غزة، سيكون ذلك في صالح اليهود والعرب على حد سواء وسنحظى بالأمن والسلام وأينما وُجدت مستوطنات يهودية، وُجد الأمن"، على حد زعمه.
كما دعا إلى التخلي عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، قائلا إن "المهمة الأساسية للجيش الإسرائيلي يجب أن تركز على هزيمة حماس، وبعدها نلتفت إلى المختطفين".
وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.تأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد الدعوات الإسرائيلية منذ بداية حرب الإبادة الجماعية بغزة في 7 أكتوبر 2023، لإعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه.
والاثنين، انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة قبل 20 عاما، واصفا إياه بـ"القرار غير الحكيم الذي زاد الوضع سوءا"، وفق ما نقلته صحيفة معاريف العبرية.ومساء الاثنين، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عرض على المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" خطة لاحتلال أجزاء من قطاع غزة، بزعم محاولة إبقاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالحكومة بعد تلويحه بالاستقالة إثر مزاعم تل أبيب عن "سماحها" بإدخال مساعدات للقطاع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي بارز، لم تسمه، قوله إن تل أبيب "ستمنح حماس مهلة لعدة أيام للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة، أو تنفيذ الخطة التي تقضي بضم أجزاء من القطاع على مراحل حتى تستسلم الحركة الفلسطينية".وادعى المسؤول أن الخطة "حظيت بموافقة من الإدارة الأمريكية"، وأنها "محاولة من نتنياهو لإبقاء سموتريتش في الحكومة".