نزع سلاحها وتشكيل أي سلطة غير فلسطينية في غزة . يأتي ذلك فيما أكدت الأمم المتحدة رفضها القاطع لتصريحات مسؤول تابع لحكومة الاحتلال الإسرائيلي زعم فيها أن "الخط الأصفر في غزة يمثل الحدود الجديدة"، مؤكدة أنها تعارض تماماً أي تغيير في حدود غزة.
وفيما يحيي العالم ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان لا يزال الاحتلال الصهيوني يخرق كل المبادئ والمواثيق الإنسانية الدولية . فاستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد السكان المدنيين يتعارض بشكل صارخ مع المبادئ التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل سبعة وسبعين عاما، والذي شدد على حق كل إنسان في الحياة والكرامة والحرية والأمان. ورغم مرور عقود على اعتماد هذا الإعلان، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تمارس سياسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري بحق أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في القطاع، في ظل حصار خانق وتشديد مستمر يمنع وصول المساعدات إلى مختلف المناطق المنكوبة.
معاناة تتفاقم
وتشير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان الفلسطينية إلى أنّ معاناة ما يزيد عن مليوني نازح داخلي ما تزال مستمرة، حيث يواجه هؤلاء خطر الهلاك نتيجة الجوع والعطش والأمراض وانعدام الخدمات الصحية، بعد تدمير معظم مرافق النظام الصحي ومنع إدخال الإمدادات الطبية اللازمة. وعلى الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ شهرين، فإن السكان المدنيين لم يتمكنوا من التقاط أنفاسهم بعد شهور من القصف والدمار، حيث لا يزال مئات الآلاف منهم بلا مأوى يضطرون للعيش في مدارس مدمرة أو في العراء دون ماء نظيف أو غذاء كاف أو خدمات صحية، بينما تبقى المعابر مغلقة جزئيًا مما يعيق إدخال المساعدات الحيوية.
وترى مؤسسة الضمير أن هذه السياسات تعكس نهجا ممنهجا يستهدف جعل الحياة في غزة غير قابلة للعيش، بما يشكل استمرارا لسياسة الإبادة الجماعية التي تعرض لها السكان على مدار العامين الماضيين. وتؤكد أن استهداف المدنيين وتقييد حركتهم وتشديد الحصار وعدم الالتزام بالبرتوكول الإنساني في ظل وقف إطلاق النار يمثل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، ويرتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتطلب موقفا دوليا واضحا وحاسما.
وفي هذا السياق، طالبت مؤسسة الضمير المجتمع الدولي وكافة الأطراف الراعية والوسطاء بالتحرك العاجل والضغط على السلطات الإسرائيلية لضمان الالتزام الكامل بالبرتوكول الإنساني وإتاحة دخول المساعدات بصورة فورية وآمنة لجميع المناطق المنكوبة. كما تدعو إلى وقف تدهور الأوضاع الإنسانية وتوفير الاحتياجات الأساسية والمواد الإغاثية للسكان المدنيين لمنع تفاقم المجاعة وانتشار الأمراض. وتشدّد المؤسسة على ضرورة تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين وتقديمهم للعدالة الدولية، مؤكدة أن صمت المجتمع الدولي أو تردده في التحرك يجعل معاناة سكان غزة تتواصل في يوم يفترض أن يُجسد قيم الإنسانية والكرامة والعدالة.
ازدواجية المعايير الدولية
وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان يعود إلى الواجهة تساؤل ملح حول مدى التزام الدول بوقف الانتهاكات الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمان حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وهو حق تؤكد الأمم المتحدة أنه يتعرض لتقويض غير مسبوق بفعل الاحتلال وسياسات الضم المتسارعة. فوفق الدارسات التي يصدرها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تظهر بيئة حقوقية معقدة وشديدة الصعوبة، تتداخل فيها القيود المفروضة على الوصول، واستهداف الصحفيين، والتضييق على المجتمع المدني، مع اتساع دائرة الإفلات من العقاب .
وتشير مي الشيخ، المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن الصحفيين يقفون في الواجهة الأكثر تعرضا للخطر، حيث تحقق المكتب من مقتل 285 صحفيا في غزة، بعضهم استهدف أثناء أداء عمله، إضافة إلى احتجاز أكثر من 200 صحفي في الضفة الغربية وغزة، ما يزال 41 منهم قيد الاحتجاز حتى نهاية أكتوبر. وقد أدلى كثيرون ممن احتُجزوا بشهادات عن تعرضهم لسوء معاملة جسدية أو جنسية، واحتجاز إداري دون اتهامات، في سياق تراه الأمم المتحدة محاولة واضحة لعرقلة وصول الحقيقة إلى العالم وحجب الصورة الكاملة لما يجري على الأرض.
ولا يقتصر التضييق على الصحفيين وحدهم، بل يشمل النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين وثق المكتب ضدهم 81 انتهاكاً منذ بداية أكتوبر، نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلية أو المستوطنون. وتوضح الشيخ أن هذه الهجمات تشكل خنقا للحياة المدنية وقدرة الفلسطينيين على الدفاع عن حقوقهم، في وقت يتطلب فيه الوضع مشاركة قوية من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.
وتضع الأمم المتحدة كل هذه الانتهاكات في إطار أوسع يرتبط بانتهاك حق الفلسطينيين في تقرير المصير. وتذكّر الشيخ بما خلصت إليه محكمة العدل الدولية في عام 2024 من أن الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة "غير قانوني ويجب أن ينتهي". وتلفت إلى تسارع سياسات الضم منذ أكتوبر 2023، وانتشار العنف دون محاسبة، وعمليات النقل القسري للسكان، فيما تشير تقارير أممية إلى أن الغارات الإسرائيلية خلال العام الماضي أعادت التنمية الفلسطينية إلى الوراء ما يقرب من 70 عاماً.
ورغم الجهود الواسعة التي تبذلها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية في التوثيق والتحذير، بما في ذلك مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية والقضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ترى الشيخ أن المساءلة ما تزال ناقصة. فبحسب وصفها، "القطعة المفقودة" تظل الدول الأعضاء ذات النفوذ والقدرة على الضغط السياسي لفرض احترام القانون الدولي، رغم ما شهده العالم من موجات تضامن واسعة وتظاهرات دعمت الحقوق الفلسطينية.
ويؤكد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ضرورة أن تضطلع الدول بمسؤولياتها القانونية، من خلال ضمان حماية المدنيين، ودعم آليات المساءلة الدولية، ومراجعة اتفاقات بيع الأسلحة لضمان عدم استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان، ووضع الاعتبارات الحقوقية في مقدمة جهود إعادة الإعمار والتعافي في غزة.
ومع حلول الذكرى السنوية للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، يبدو أن مستقبل المساءلة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير بات مرهونا بمدى استعداد الدول المؤثرة للتحرك الفعلي، بعيدا عن البيانات الرمزية. فالمشهد الحقوقي المتدهور يطرح اختبارا حقيقياً لإرادة المجتمع الدولي: هل يتحرك لحماية الحقوق وإنهاء الاحتلال كما يقتضي القانون الدولي، أم يبقى صامتا أمام انتهاكات تتكرر وتتعاظم، بينما يدفع المدنيون الثمن؟
رفض أي تغيير في حدود غزة
من جهتها أعلنت الأمم المتحدة رفضها القاطع لتصريحات مسؤول تابع لحكومة الاحتلال الإسرائيلي زعم فيها أن "الخط الأصفر في غزة يمثل الحدود الجديدة"، مؤكدة أنها تعارض تماماً أي تغيير في حدود غزة.
وقال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي ، ردا على سؤال حول تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير بشأن الخط الأصفر في غزة: "نحن نعارض بشكل قاطع أي تغيير في حدود غزة "، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
وأشار دوجاريك إلى أن هذا التصريح يتعارض مع روح ونص خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحا أن الأمم المتحدة، عند حديثها عن غزة، تعتمد على الحدود القائمة بين غزة وإسرائيل وليس الخط الأصفر.
وكان زامير قال إن "الخط الأصفر يمثل الحدود الجديدة لقطاع غزة"، مدعياً في بيان أنه يشكل "خط دفاع متقدماً للمستعمرات وخط هجوم". وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، إن من المتوقع أن يعلن البيت الأبيض سلسلة من "القرارات المهمة" في الأسابيع المقبلة، تتعلق بتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن غزة.
وأضاف المسؤول الأمريكي في تصريحات ، أن إدارة ترامب مصممة على التوصل إلى نموذج حكومة مؤقتة في قطاع غزة، قائم على تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراط بلا انتماء سياسي، ستكون مسؤولة عن التشغيل اليومي للخدمات العامة والأنشطة البلدية لسكان غزة.
وتضغط إدارة ترامب على نتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، غير أن الأخير يشترط أولا استعادة رفات آخر جثة لإسرائيلي في غزة، إضافة إلى تفكيك الحركة لسلاحها ونزع سلاح القطاع، قبل الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، إلى جانب النقطة الأكثر حساسية، وهي انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من أجزاء إضافية من غزة.
وقبيل إعلان ترامب المرتقب، وزيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة المقررة في 29 ديسمبر الجاري، أوضح المسؤول الأمريكي: "في الأسابيع التي انقضت منذ وقف إطلاق النار التاريخي تحقق تقدم ملحوظ في تنفيذ خطة الرئيس ترمب المكونة من 20 بنداً". وأشار المسؤول إلى أن "حماس ملتزمة بالتخلي عن سلاحها كما تعهدت عند قبول خطة ترامب"، موضحاً أن "نزع السلاح الكامل، يعني أن حماس لن تستطيع بعد الآن تشكيل تهديد لإسرائيل ولا لسكان غزة".
وذكر أن من المرجح أن يصدر إعلان ترامب بشأن إنشاء مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية في غزة قبل أعياد الميلاد، مع توجه نحو نهاية الأسبوع المقبل.ومن المتوقع أن يمكث نتنياهو نحو أسبوع في فلوريدا، حيث سيلتقي شخصيات مقربة منه.
وميدانيا تواصل عناصر كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، برفقة فريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وطاقم من اللجنة الفنية المصرية، عمليات البحث في المنطقة الشرقية الجنوبية من حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، لانتشال رفات آخر جثة لإسرائيلي لا تزال محتجزة في غزة.
وبحسب مصادر في حركة حماس في غزة، تجري عملية البحث بتنسيق عبر الصليب الأحمر مع الاحتلال، حيث تخضع المنطقة التي تجري فيها عمليات البحث لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت المصادر عزم الحركة "إنهاء ملف جثث الرهائن بالكامل في أقرب وقت"، مشيرة إلى أنها طلبت من الوسطاء بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. وتعالج المرحلة الثانية من الاتفاق، الوقف الدائم والشامل لإطلاق النار، واستكمال الانسحاب التدريجي من قطاع غزة، ومستقبل القطاع بما في ذلك استلام لجنة مستقلة لإدارة القطاع، و ملف سلاح حماس والفصائل، وإعادة إعمار القطاع.