اعتراضات وخلافات حول ترتيبات "اليوم التالي" غزة بين صراع الإرادات الدولية وكارثة إنسانية تتعمق

في خضم السباق الدولي لإعادة رسم ملامح اليوم التالي

في غزة، كشفت تطورات الساعات الأخيرة عن تحوّل لافت في موازين المفاوضات، بعد ورود تقارير عن وجود اعتراضات عربية وإسلامية أدت إلى استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من قائمة المرشحين للانضمام إلى مايسمى بـ''مجلس السلام'' المزمع تشكيله.
رفض عربي واقليمي
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتكثف فيه التحركات السياسية الإقليمية والدولية لترتيب مرحلة ما بعد الحرب، وسط نقاشات حول هوية الأطراف التي يمكن أن تتولى أدوارا قيادية في إدارة القطاع المحتل. هذا التطور يسلّط الضوء على تباينات المواقف بين العواصم المعنية بالملف، وعلى حجم التعقيدات المحيطة بجهود إعادة صياغة المشهد السياسي والإداري في غزة.
وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز'' عن اعتراضات عربية وإسلامية واسعة أدت إلى استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من أي دور كان مطروحا له ضمن مايعرف بـ''مجلس السلام'' الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتشكيله لإدارة قطاع غزة في المرحلة المقبلة. ووفق مراقبين فإنّ هذا التطور هو مؤشر على تحولات سياسية أعمق تتعلق بالصراع على من يملك الحق في رسم مستقبل غزة بعد حرب مدمرة امتدت لعامين وخلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
فرفض الدول العربية والإسلامية لاسم بلير لم يكن مجرد خلاف على شخصية بعينها، بل هو رفض لصيغة كاملة لإدارة الأزمة، تعيد إنتاج منطق الوصاية الخارجية على قطاع تعرض لأقسى حملة عسكرية في تاريخه الحديث. بلير، الذي يحمل إرثا سياسيا ثقيلا في المنطقة بسبب دوره في دعم غزو العراق عام 2003، أصبح عنوانا لرفض واسع، يعكس رغبة عربية في ألا تتحول غزة إلى ساحة تخضع لتجارب سياسية أجنبية لا يأخذ الفلسطينيون فيها دورهم الطبيعي كأصحاب قرار وسيادة.
وتبدو الخطة الأمريكية التي تضم عشرين بندا وتطرح تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تعمل تحت إشراف مايعرف بـ ''مجلس السلام'' ،في جوهرها محاولة لربط إعادة إعمار غزة بإطار سياسي تتحكم فيه واشنطن، بينما تظل ''إسرائيل'' اللاعب الأكثر تأثيرا على التفاصيل ، سواء عبر سيطرتها على المعابر أو عبر استمرار خروقاتها للمرحلة الأولى من الخطة المتعلقة بوقف إطلاق النار والمساعدات وتبادل الأسرى والرهائن. هذه الخطة، رغم ما تحمله من وعود مشكوك فيها بإعادة الإعمار، ما تزال تواجه تناقضا أساسيا يتمثل في محاولة بناء واقع سياسي جديد من دون إنهاء فعلي للاحتلال أو تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم.
ووسط هذه التعقيدات، يبدو المشهد الإنساني في غزة كعامل ضاغط لا يمكن تجاهله. فالأرقام التي تتحدث عن أكثر من سبعين ألف شهيد ومائة وواحد وسبعين ألف جريح خلال عامين تكشف حجم الكارثة التي يعيشها سكان القطاع. فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وفقدان مئات الآلاف لمساكنهم، والانهيار الكامل للمنظومة الصحية، كلها عناصر تجعل أي خطة سياسية غير متوازنة أو غير عادلة غير قابلة للحياة. فغزة اليوم ليست مجرد ملف سياسي، بل جرح مفتوح في جسد المنطقة، لا يمكن معالجته بقرارات فوقية أو ترتيبات أمنية محدودة.
معارضة أمريكية
في نفس السياق تشير رسائل أمريكية نُقلت إلى "إسرائيل"، في الأسبوع الأخير، إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لا يوافق على خطط بشأن بقاء الجيش الإسرائيلي في "الخط الأصفر" داخل قطاع غزة وسيطرته على أكثر من نصف القطاع، وأنه قد يطالب بتنفيذ الجيش الإسرائيلي انسحابا آخر في القطاع.
وأكدت متحدثة باسم مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي وفق وكالة فرانس براس أمس الثلاثاء أن بنيامين نتانياهو سيلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة في 29 ديسمبر الجاري.ويأتي الإعلان عن اللقاء الخامس بين الطرفين منذ بداية العام الجاري، بعد أن قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أنه يتوقع الانتقال "قريبا جدا" إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة.وقالت المتحدثة شوش بدرسيان "سيعقد الاجتماع بين ترامب ونتانياهو الإثنين، 29 ديسمبر"، دون مزيد من التفاصيل حول مكان أو مدة الزيارة.
ويصرّ ترامب على التقدم نحو المرحلة الثانية من خطته لوقف الحرب على غزة، وفرض ذلك على ''إسرائيل''، لكن تنفيذ ذلك سيتأثر بلقائه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في نهاية الشهر الجاري، وفق ما ذكرت صحيفة ''هآرتس'' أمس، الثلاثاء.وجرى الحديث بعد انسحاب جيش الاحتلال إلى ما يسمى ''الخط الأصفر' عن ''سور برلين الجديد'' وأن القوات الإسرائيلية ستبقى عند هذا الخط لفترة طويلة، لكن ترامب لا يوافق على ذلك، حسب الصحيفة.وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة ترامب "فوجئت ايجابيا'' من التزام حماس بتعهداتها وتمكنها من العثور على جثث الرهائن الإسرائيليين وتسليمها لإسرائيل باستثناء جثة جندي واحد.
ويرجح أن تطالب الإدارة الأمريكية بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى منطقة أقرب للحدود وأقل مساحة داخل القطاع. ويجري التخطيط حاليا للإعلان عن تشكيل القوة الدولية في القطاع، في منتصف جانفي المقبل، لكن الدول المرشحة للمشاركة في هذه القوة ووافقت مبدئيا على إرسال قوات، تمتنع عن ذلك بسبب عدة نقاط خلافية خاصة منها نزع سلاح حماس.
غارات على غزة وجنوب لبنان
على صعيد متصل وفي سياق توسيع الاحتلال نطاق عدوانه غي المنطقة ، استهدفت غارات إسرائيلية بعد منتصف ليل الثلاثاء مناطق واسعة في جنوب لبنان، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، بينما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه قصف مجمع تدريب ومواقع أخرى تابعة لـ"حزب الله".
وتواصل ''إسرائيل'' عدوانها على لبنان زاعمة أنها تستهدف محاولات حزب الله إعادة بناء قدراته . وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية بعد منتصف الليل بأن «الطيران الحربي الإسرائيلي شن سلسلة غارات استهدفت إقليم التفاح»، وذكرت خصوصاً غارات على وادٍ ممتد بين بلدات عزة ورومين وأطراف بلدة جباع، وهي مناطق جبلية تقع على بعد أكثر من 40 كلم عن الحدود مع إسرائيل وشمال نهر الليطاني.وأشارت كذلك إلى «تضرر عدد من المنازل» في جباع. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بأن طائرات حربية إسرائيلية نفذت سلسلة من الغارات الجوية استهدفت أماكن عدة في الجنوب.
ونفذت ''إسرائيل'' الأسبوع الماضي غارات واسعة بعيد مشاركة مندوبين مدنيين، لبناني و"إسرائيلي"، في اجتماع اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار في مقرّ قوة الأمم المتحدة (يونيفيل) في جنوب لبنان، في أول محادثات مباشرة بين البلدين منذ عقود.

وأقرّت السلطات اللبنانية خطة لنزع سلاح حزب الله تطبيقا للاتفاق، وبدأ الجيش تنفيذها. لكن واشنطن وإسرائيل تضغطان لتسريع العملية التي تواجه تحديات جمة أبرزها الانقسامات الداخلية العميقة حول الموضوع.

خروقات وقصف
من جهتها قالت حكومة غزة، أمس الثلاثاء، إن إسرائيل ارتكبت 738 خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار في شهرين، ما أدى إلى مقتل 386 فلسطينيا وإصابة 980، وأدخلت مساعدات لا تتجاوز 38 بالمائة من المتفق عليه ما فاقم معاناة المدنيين.ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، وأنهى حرب إبادة جماعية بدأتها إسرائيل في 8 أكتوبر 2023، خلفت أكثر من 70 ألف قتيل وما يزيد على 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، إن "الاحتلال ارتكب خروقات جسيمة ومنهجية لاتفاق وقف النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر 2025 وحتى مساء الاثنين 8 ديسمبر 2025".وأكد أن هذه الخروقات تمثل "انتهاكا صريحا للقانون الدولي الإنساني، وتقويضا متعمدا لجوهر بنود البروتوكول الإنساني الملحق به".
وأوضح أن الجهات الحكومية المختصة رصدت خلال هذه الفترة "738 خرقاً للاتفاق، من بينها 205 جرائم إطلاق نار مباشرة ضد المدنيين، و37 جريمة توغل للآليات العسكرية داخل المناطق السكنية".كما رصدت "358 جريمة قصف واستهداف لمواطنين عزل ومنازلهم، و138 جريمة نسف وتدمير لمنازل ومؤسسات وبنايات مدنية".وأشار المكتب إلى أن هذه الخروقات أسفرت عن "استشهاد 386 مواطناً، وإصابة 980 آخرين، إلى جانب 43 حالة اعتقال غير قانوني نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف أن إسرائيل أخلت بالتزاماتها الإنسانية "إذ سمحت بدخول 13 ألفا و511 شاحنة من أصل 25 ألف شاحنة كان يفترض إدخالها خلال تلك الفترة، بمتوسط يومي 226 شاحنة فقط من أصل 600 شاحنة مقررة يومياً، وبنسبة التزام لا تتجاوز 38 في المائة".
ولفت إلى أن "هذا الإخلال الجسيم أدى إلى استمرار نقص الغذاء والدواء والماء والوقود، وتعميق مستوى الأزمة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة".وتابع: "كما بلغت شحنات الوقود الواردة إلى قطاع غزة خلال الفترة ذاتها 315 شاحنة فقط من أصل 3,000 شاحنة وقود يفترض دخولها، بمتوسط 5 شاحنات يوميا من أصل 50 شاحنة مخصصة وفق الاتفاق".
وشدد على أن هذا "يعني أن الاحتلال قد التزم بنسبة 10 في المائة فقط من الكميات المتفق عليها بخصوص الوقود، وهو ما يُبقي المستشفيات والمخابز ومحطات المياه والصرف الصحي في وضع شبه متوقف، ويفاقم المعاناة اليومية للسكان المدنيين".كما أكد المكتب الحكومي أن "استمرار هذه الخروقات والانتهاكات يُعد التفافا خطيرا على وقف إطلاق النار، ومحاولة لفرض معادلة إنسانية تقوم على الإخضاع والتجويع والابتزاز".وحمل إسرائيل "المسؤولية الكاملة عن التدهور المستمر في الوضع الإنساني، وعن الأرواح التي أُزهقت والممتلكات التي دُمّرت خلال فترة يفترض فيها أن يسود وقف كامل ومستدام لإطلاق النار".
ودعا المكتب المجتمع الدولي والأمم المتحدة والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووسطاء ورعاة اتفاق وقف النار، "إلى تحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، وإلزام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ التزاماته كاملة دون انتقاص، وضمان حماية المدنيين، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية والوقود وفق ما نصّ عليه الاتفاق".
تحذيرات من "كارثة مناخية"
ميدانيا حذر مكتب الإعلام الحكومي بغزة، أمس الثلاثاء، من "كارثة مناخية جديدة" تهدد مئات آلاف العائلات النازحة في القطاع جراء منخفض جوي يضرب القطاع خلال 72 ساعة.
كما حذر مكتب الإعلام الحكومي بغزة، اليوم الثلاثاء، من «كارثة مناخية جديدة» تهدد النازحين الفلسطينيين، جراء منخفض جوي يضرب القطاع خلال 72 ساعة.وأوضح المكتب، في بيان له، أن منخفض بايرون القطبي يهدّد مئات آلاف العائلات النازحة في قطاع غزة بكارثة مناخية جديدة خلال 72 ساعة، موجها نداء إلى العالم لإنقاذ «الواقع الإنساني الكارثي».وأوضح المكتب، في بيان له، أنه يتابع بقلق بالغ الآثار والتداعيات المتوقعة للمنخفض الجوي، الذي سيدخل قطاع غزة بدءاً من غدٍ الأربعاء وحتى مساء الجمعة، وما يحمله من مخاطر حقيقية تتمثل في غرق الخيام، واجتياح مياه الأمطار لمناطق النزوح العشوائي.
وحذر من تجدد المأساة التي يعيشها أكثر من مليون ونصف المليون من النازحين الذين يقيمون في خيام مهترئة منذ أكثر من عام دون حلول أو بدائل حقيقية.وأشار البيان إلى أن المنخفض القطبي بايرون سيحمل فيضانات وسيول نتيجة هطول كميات كبيرة من الأمطار المتوقعة، إلى جانب هبّات رياح قوية ستقتلع خيام النازحين، وأمواج بحر عاتية، وعواصف رعدية.
وأردف «وهي معطيات تشير بوضوح إلى أن قطاع غزة مقبل على تداعيات مناخية خطيرة قد تُلحق أضراراً واسعة بعشرات آلاف العائلات المقيمة في خيام وملاجئ بدائية لا تقيهم من برودة الشتاء ولا قسوة المنخفضات الجوية».
سيناريو مأسوي
وتابع البيان: «إننا نقف أمام سيناريو مأساوي متكرر، حيث ستواجه آلاف الأسر خطر الغرق والانهيارات والفيضانات، وستوثّق الساعات القادمة مشاهد موجعة لعائلات تكافح للبقاء داخل خيام لا تقاوم المطر أو الرياح، وسط صمت دولي مخزٍ، وغياب أي تدخل جاد لتوفير الحد الأدنى من الحماية والإغاثة للنازحين».
في السياق ذاته، حذّر الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، من تداعيات المنخفض الجوي الجديد الذي سيؤثر على قطاع غزة، مؤكّدًا أن الخيام الحالية المخصّصة لإيواء النازحين غير صالحة لتحمّل الأمطار أو برد الشتاء، ولا سيما في ظل قيود الاحتلال على إدخال الوقود.

وأضاف قاسم امس الثلاثاء، أن «الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع تستدعي إطلاق عملية إغاثة عاجلة، وتوفير مراكز إيواء حقيقية ولائقة من جميع الأطراف المعنية، مشددًا على ضرورة إلزام الاحتلال بتطبيق بروتوكولات الإغاثة الإنسانية المنصوص عليها في اتفاق يناير، والتي جرى التأكيد عليها مجددًا في اتفاق أكتوبر».وتواجه إسرائيل اتهامات بمنع إدخال المواد الإغاثية ومواد الإيواء، بما في ذلك منع إدخال 300 ألف خيمة وبيت متنقل، إضافة إلى غياب الملاجئ البديلة، ما يكرّس حرمان مئات الآلاف من حقهم في السكن الآمن وفق القانون الدولي الإنساني.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115