ليقدمه كبديل عن حزبي "الديمقراطي والجمهوري" المهيمنين ، على المشهد السياسي الأمريكي منذ أكثر من 160 عاما. جاء ذلك بعد استفتاء أجراه على منصة "إكس"، حيث صوّت 65.4 بالمئة لصالح تأسيس الحزب مقابل 34.6 بالمئة رفضوا الفكرة. وتم امس تسجيل الحزب رسميًا لدى "لجنة الانتخابات الفيدرالية".
ويعد ماسك أحد أهم أقطاب التكنولوجيا الذين أوصلوا ترامب للحكم وكان حتى الأمس القريب من المقربين لدونالد ترامب قبل أن يختلف معه. وكتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "اليوم، تم إنشاء حزب أمريكا ليعيد لكم حريتكم". وأثارت هذه الخطوة المفاجئة جدلا واسعا في بلد عرف بنظامه السياسي التقليدي الذي يهيمن عليه الحزبين الديمقراطي والجمهوري .
ويتمحور برنامج الحزب حول خفض الإنفاق الحكومي، ودعم الشركات الصغيرة، وتقليل اعتماد أمريكا على النفط، والتوسُّع في الطاقة الشمسية والنووية، وتأييد العولمة.
وأعرب إيلون ماسك، مؤسس شركة سبيس إكس، عن استيائه من مشروع قانون الميزانية الذي قدمه الرئيس الأمريكي، وندد به بسبب تأثيره على المالية العامة، ووعد في الأيام الأخيرة بتأسيس حزب سياسي خاص به إذا تم اعتماد مشروع القانون. ووجه انتقادات لاذعة لسياسات ترامب الداخلية معتبرا بان البلد يعيش الهدر والفساد في ظل نظام الحزب الواحد وهذا ليس ديمقراطية وفق قوله. وهدد ترامب الأسبوع الماضي بقطع مليارات الدولارات من الإعانات التي تتلقاها شركات ماسك من الحكومة الاتحادية.
يشار الى ان ماسك الذي وُلِد في جنوب أفريقيا، لن يكون قادرًا على الترشح في الانتخابات الرئاسية المستقبلية، حيث يشترط الدستور الأمريكي على المرشحين للرئاسة أن يكونوا مولودين في الولايات المتحدة. وكان ماسك حليفًا مقربًا سابقًا لدونالد ترامب، وموّل حملته بسخاء خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وكان مكلفًا بخفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي من خلال لجنة خاصة قبل أن يدخل الرجلان في خلاف جوهري منذ ماي الماضي حول قانون الميزانية.
وتتمثل نقطة الخلاف الرئيسية في معارضة إيلون ماسك لمشروع قانون الميزانية الضخم الذي اقترحه حليفه السابق، بسبب الانفجار المتوقع للعجز العام.
وتشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، المسؤول عن تقييم تأثير مشاريع القوانين على المالية العامة بطريقة غير حزبية، إلى أن النص - الذي يتضمن على وجه الخصوص ائتمانات ضريبية ضخمة - من شأنه أن يزيد الدين بما يتجاوز الـ 3.4 تريليون دولار بحلول عام 2034.
وتعهد ترامب بتحدي المشرّعين الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026 الذين خاضوا حملتهم على أساس خفض الإنفاق لكنهم صوتوا في النهاية لصالح مشروع القانون.
ومنذ مغادرة الملياردير البيت الأبيض بصفته رئيس مبادرة "دوج" لخفض الإنفاق ، يكاد لا يمر يوم دون أن يتصدر ماسك عناوين الأخبار. فرئيس شركة X (التي كانت تعرف سابقًا باسم تويتر) وTesla وSpaceX هو أغنى شخص في العالم واستخدم منصته لإعلان آرائه حول مجموعة واسعة من القضايا.
ثم في أوائل عام 2024، توسع تأثير ودور الرجل بشكل أكبر بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية - حيث لعب المدير التنفيذي لشركة تسلا -دورًا رئيسيًا ولكن مثير للجدل - قبل أن تنهار علاقتهما في عداوة مريرة.
في البداية، اختلفا علناً بشأن مشروع قانون الضرائب والإنفاق، ولكن في غضون ساعات، كان الاثنان يتبادلان الإهانات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي التي يملكانها .
وأعلن ماسك ان حزبه سيركز على المنافسة للحصول على مقعدين أو ثلاثة مقاعد في مجلس الشيوخ، ومن ثمانية إلى عشرة دوائر في مجلس النواب لكن خبراء يشيرون الى وجود عراقيل تحول دون دخول أحزاب جديدة للكونغرس .
ففي ولاية كاليفورنيا، يجب على الجهات المنظمة إما تسجيل حوالي 75 ألف عضو أو جمع 1.1 مليون توقيع لكي يتم إدراج الحزب في بطاقات الاقتراع.
ولعل السؤال الأهم هو مدى قدرة نجاح الحزب الجديد في إعادة رسم ملامح النظام الانتخابي الأمريكي . ويبدو ان ماسك سيقوم باللعب على ورقة استقطاب الناخبين الساخطين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من خلال توظيف ثروته ونفوذه الإعلامي والتكنولوجي.
ويرى البعض ان اعلان ماسك عن تأسيس حزب جديد ربما يكون تكتيكا للضغط على المشرعين للتراجع عن إقرار مشروع قانون لخفض الحوافز على السيارات الكهربائية وزيادة الانفاق الفيدرالي أكثر منه محاولة لتغيير النظام السياسي الأمريكي . فماسك، عارض مشروع القانون الجديد لأنه يمسّ بشكل مباشر احدى شركاته المستفيدة من دعم السيارات الكهربائية. ففي عالم السياسة ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم بل هناك مصلحة خاصة وراء أي قرار ، وحليف الأمس ماسك يصبح بين عشية وضحاها ألد أعداء ترامب في مشهد سياسي دراماتيكي هو جزء من المفاجآت التي لا تتوقف في العهد الترامبي.
وتثير خلافات ماسك المتكررة مع ترامب مخاوف أعضاء بالحزب الجمهوري من تأثيرها في الحفاظ على أغلبيتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل.
وفي المقابل يرى البعض ان الإعلان عن تأسيس "حزب أمريكا " هو جزء من تغيرات عميقة غير مرئية يشهدها النظام السياسي الأمريكي، وان خطوة ماسك ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد في مشهد سياسي يتشكل بلا هوادة من تيارات فكرية وايديولوجية حديثة تتقاطع مع مصالح أثرياء وأقطاب التكنولوجيا العالية في الولايات المتحدة والذين ساهموا في ايصال ترامب للحكم وفي مقدمتهم ايلون ماسك .