إلا أن الأحزاب والأطراف المعارضة ومكونات المجتمع المدني مازالوا يعتبرونها حدثا فارقا في البلاد جاء تتويجا لـ"ثورة الحرية والكرامة" وأسقطت نظام بن علي، وقد اختار عدد منهم النزول إلى الشارع للاحتفال بها فيما اكتفى البعض الآخر بإصدار بيانات رسمية، وقد شهد شارع الحبيب بورقيبة وبالتحديد أمام المسرح البلدي يوم أمس تحركين منفصلين، الأول من خلال تنظيم جبهة الخلاص الوطني لوقفة احتجاجية تحت شعار "الثورة تستمر"، والتحرك الثاني جاء بدعوة من الشبكة التونسية للحقوق والحريات، تحرك أرادت من حلاله الشبكة التشديد على أن الثورة التونسية لا تزال حية ومستدامة .
وقد اعتبرت الشبكة التونسية للحقوق والحريات التي تتكون من ثلة من الجمعيات والمنظمات والأحزاب أن تحركها يأتي لتجديد الإصرار على صون مكتسبات الثورة المتمثلة في تعزيز الحريات وحماية الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، مع التشديد على أن هذه المكتسبات غير قابلة للتفاوض أو التنازل، فهي ثمرة نضال شجاع وتضحيات عظيمة من أجيال متعاقبة، تحرك وطني يأتي للدفاع عن الحقوق والحريات ولمواجهة السياسات الاجتماعية التي تُرهق المواطنين، إلى جانب التضامن مع الموقوفين في السجن من السياسيين ونشطاء من المجتمع المدني وإعلاميين.
جبهة الخلاص الوطني بدورها نظمت وقفة احتجاجية، وقفة تمّ خلالها رفع العديد من الشعارات المطالبة بإطلاق سراح السياسيين والإعلاميين الموقوفين والحفاظ على الحقوق والحريات والمتمسكة بأهداف الثورة ومكاسبها، بما في ذلك حكم المؤسسات والفصل بين السلط وعلوية القانون وضمان الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية ، وقفة أقرّ خلالها رئيس الجبهة نجيب الشابي في تصريح لوسائل الإعلام بارتكاب العديد من الأخطاء بعد 2011، مبررا ذلك بأن " النخب التي تولت الحكم لم تكن مهيئة لهذه المسؤولية وسادت حالة من الاضطراب والصراع بين الأحزاب على النفوذ وعدم استقرار حكومي وشلل لمؤسسات الدولة حال دون تحقيق انتظارات التونسيين في التشغيل والتنمية المتوازنة في الجهات "، ودعا إلى عقد مؤتمر وطني جامع، مشيرا إلى أن قيمة الحوار تنتفي في صورة إقصاء أي طرف سياسي، ليشدد على أنه في صورة إقصاء جبهة الخلاص أو الحزب الدستوري الحر أو إي طرف آخر، فإنه لا يعتبر حوارا بل محاولة للالتفاف عليه.
إلغاء المراسيم التي تمسّ بجوهر الحقوق والحرّيات
لئن اختارت بعض المكونات والأطراف النزول إلى الشارع للاحتفال بهذا التاريخ فإن البعض الآخر اكتفى بإصدار بيانات رسمية، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر، الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان التي طالبت في بيان لها بضرورة إلغاء المراسيم التي تمسّ بجوهر الحقوق والحرّيات وأولها المرسوم 54، ودعت الرابطة إلى تنقية المناخ السياسي والى الاحترام التام للحقوق والحريات منبهة إلى ما أسمته " تضييقا على منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والصّحفيين والمدوّنين"، مؤكّدة على ضرورة حماية الفضاء الرّقمي وضمان حرّية التعبير على الانترنت وخصوصيّة الأفراد.
حماية مكتسبات الشعب
من جهته، دعا التيار الشعبي في بيان له إلى استكمال تركيز المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية والمجالس القضائية وفقا لأحكام الدستور وكذلك تركيز المجلس الأعلى للتربية والشروع الفوري في عملية الإصلاح التربوي، كما دعا الحزب إلى الشروع في إصلاح قطاع الإعلام وتركيز المؤسسات الضرورية للغرض، مع إحداث مجلس أعلى للثقافة . ها وشدد التيار على ضرورة تعديل المرسوم 54 بما يضمن حماية مكتسبات الشعب في مجال الحقوق والحريات ومنع كل محاولة ارتداد للخلف، وتجنيب البلاد كل ما من شأنه الإساءة إليها داخليا وخارجيا، وتسريع البت في القضايا الكبرى العالقة منذ سنوات وأهمها قضايا الاغتيالات التي طالت الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد، وقضايا الإرهاب والتسفير واختراق جهاز الدولة، وقضايا الفساد السياسي والمالي والتآمر على أمن الدولة وفقا لمبادئ المحاكمة العادلة.
حوار وطني جادّ وشامل
أما حركة النهضة فقد شددت على تمسكها بضرورة إجراء حوار وطني جادّ وشامل غير إقصائي بين كل القوى الوطنية من أجل إنقاذ تونس وفق برنامج ديمقراطي تشاركي يعالج القضايا والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة بدءً بإطلاق سراح كل الموقوفين السياسيين ورفع كل التضييقات عن الأحزاب والمجتمع المدني و الحريات العامة و الفردية. وأضافت أن "بلادنا في حاجة ماسة وملحّة إلى إصلاحات حقيقية ومشاركة سياسية فعلية في منظومة تعددية وديمقراطية تضمن احترام الحريات العامة والفردية وفاعلية مؤسسات المراقبة والمساءلة والمحاسبة ومقاومة الفساد وتعمل على إرساء العدالة الاجتماعية المنشودة والإصلاحات المستوجبة وإنجاز المشاريع التنموية.