إتفاق الكونغو الديمقراطية ورواندا ...يُعيد تشكيل خريطة التنمية في أفريقيا

تطلعاً لاستقرار إقليمي مستدام، قامت كل من حكومة

الكونغو الديمقراطية وحركة M23 بتوقيع إعلان مبادئ ينص على وقف دائم لإطلاق النار، والتعهد بالتوقف عن خطاب الكراهية وأي مساعي للاستيلاء على أراضي جديدة بالقوة، وجاء ذلك التوقيع بوساطة قطرية ( بحضور المبعوث الأمريكي مسعد بولس ).

ويمثل الإتفاق الجديد إضافة مهمة لوساطة الولايات المتحدة التي أسفرت في جوان الماضي عن توقيع إتفاق سلام - منفصل - بين الكونغو الديموقراطية ورواندا، والذي نص على فك الإرتباط ونزع السلاح والدمج المشروط للجماعات المسلحة. ومن المنتظر أن يستقبل الرئيس الأمريكي كل من رئيس الكونغو الديمقراطية ورواندا في البيت الأبيض لدفع السلام بين البلدين، إذ ترغب واشنطن في تعظيم المنافع الإقتصادية لها والاستثمارات الأمريكية في مجالات الطاقة والتعدين بتلك المنطقة الإستراتيجية من القارة السمراء.
بصفة عامة يرتكز المحرك الرئيسي لإهتمام القوى الدولية بمنطقة البحيرات العظمى على الثروات الطبيعية المتوفرة في دول ذلك الإقليم وفي مقدمتها الكونغو الديمقراطية والتي تستحوذ على 70% من الإنتاج العالمي للكوبالت ، وكذلك على 67% من إنتاج معدن الكولتان عالمياً والذي يستخدم في صناعة المفاعلات النووية. وتأتي الكونغو في المركز الرابع عالمياً في إنتاج الماس الصناعي، ولديها كميات كبيرة من رواسب الليثيوم ونحاس عالي الجودة، وتنتج الكونغو الديمقراطية وزامبيا 3 مليون طن سنوياً من النحاس والكوبلت. وفي ضوء ما تحمله جهود الوساطة في شرق الكونغو من مؤشرات حول إنخراط واشنطن في جهود تسوية النزاعات بالقارة الافريقية التي تتطلع شعوبها إلى مشروعات تنموية جادة والرخاء، فإنه من المفيد التنويه بأن الصراع في الكونغو الديمقراطية قد إندلع في 1998، ومنذ ذلك الحين قتل ما يقرب من 6 مليون شخص، بينما نزح 7 مليون داخلياً، وهناك نحو 100 جماعة مسلحة تتنافس على موطئ قدم لها في شرق الكونغو الغني بالمعادن.
وفي حين تتطلع شعوب المنطقة إلى خلو البحيرات العظمى من التطرف العرقي والجماعات المسلحة، فإن ممر لوبيتو - العابر لعدة دول أفريقية- يثير شهية القوى الدولية لتعزيز حضورها التعديني واللوجيستي في دول المنطقة، أخذاً في الاعتبار أن الرئيس الأمريكي السابق "بايدن" قد أعلن في ديسمبر الماضي عن دعم إضافي بقيمة 560 مليون دولار ليبلغ إجمالي الدعم المقدم لمشروع ممر لوبيتو نحو 4 مليار دولار. علماً بأن ممر لوبيتو يضم مشروع ضخم للسكك الحديدية تربط الكونغو وزامبيا وأنجولا ويستخدم في نقل المواد الخام الإستراتيجية (النحاس والكوبالت) وتصديرها عبر الميناء. ومن أبرز محطات التنافس الدولي توقيع روسيا مع جمهورية الكونغو على إتفاقية مؤخراً لبناء خط أنابيب يمتد من ميناء "بوانت نوار" إلى العاصمة "برازافيل"، ويلاحظ أن القمة الأمريكية الأفريقية السابعة عشر قد استضافتها أنجولا في 24 جوان الماضي وركزت علي بحث ملفات حيوية كالمعادن والطاقة والبني التحتية .

علاوة على ما سبق ، فإن العديد من القوى الدولية والقوى الوسطى الصاعدة تُدرك أهمية القارة الافريقية كمركز واعد للإزدهار الاقتصادي. وتتسم الفترة الحالية بتوظيف الدبلوماسية الإقتصادية وإبرام صفقات تجارية مع دول القارة الأفريقية التي تُعد إحدى أهم مناطق النمو الإقتصادي المستقبلي حول العالم. ولعل الاتفاق الأخير للكونغو الديمقراطية مع حركة M23 وقبله مع الحكومة الرواندية يمثل إنفراجة في العلاقات الثنائية بين كيغالي وكينشاسا والتي تدهورت مؤخرا، وكان من أبرز ملامح ذلك التدهور إعلان رواندا في 7 جوان الماضي الإنسحاب من الجماعة الإقتصادية لدول وسط إفريقيا " ECCAS "، نظراً لتمديد رئاسة غينيا الاستوائية للمجموعة بدلاً من نقلها لرواندا نتيجة لاعتراض الكونغو الديمقراطية وبوروندي. علماً بأن دول "إيكاس" تشكل 20,4% من مساحة إفريقيا، وتُقدر إحتياطات النفط لدول المجموعة بنحو 31,3 مليار برميل، أي ما يقرب من 28% من إجمالي إحتياطات إفريقيا. ومن أحدث الإكتشافات ما أعلنته أنجولا الأسبوع الماضي عن اكتشاف أول بئر استكشافية للغاز في تاريخها بحوض الكونغو (تريليون قدم مكعب) وهو ما يمثل تحولاً مهماً في خريطة استثمارات الطاقة في إقليم وسط إفريقيا، وقد زار الرئيس الأمريكي بايدن أنغولا في ديسمبر 2024، أخذاً في الاعتبار أن أقاليم القارة الأفريقية يُنظر إليها على أنها ضمن حلقات التنافس الأمريكي - الصيني في دوائر جغرافية مختلفة.
وكانت بكين قد دشنت في 2024 غرفة التجارة الصينية الأفريقية ( مقرها أديس أبابا ) ، وتتجاوز حجم الاستثمارات الصينية في الدول الأفريقية 40 مليار دولار .
وبالتزامن مع التقارب الحذر بين كينشاسا وكيجالي ، ومع زيادة التوجه العالمي نحو الغاز كمصدر أنظف للطاقة، وكذلك زيادة الإهتمام بالثروات التعدينية في القارة الإفريقية، وبالتحديد في منطقة البحيرات العظمي وإقليم وسط أفريقيا، تمكنت جمهورية الكونغو من التحول -في فيفري 2024 - إلى دولة مُصدرة للغاز الطبيعي المُسال بإحتياطات تُقدر بنحو 283 مليار متر مكعب، وهو ما يزيد الاهتمام الدولي بأمن الطاقة ومستقبل التنمية الاقتصادية في دول وسط إفريقيا، وما إلى ذلك من شراكات محتملة في القطاعات التعدينية وشراكات في قطاعات حيوية أخري مع التذكير بأن الرئيس الصيني قد تعهد العام الماضي بتقديم دعم مالي لأفريقيا بقيمة 51 مليار دولار. وكذلك قامت بكين بإعفاء الدول الأفريقية الأقل نمواً من الرسوم الجمركية وهو ما يؤشر بتنامي التبادل التجاري بين الجانبين .
وبالتالي ، فإن التحرك الأمريكي لا يقتصر فقط علي البحيرات العظمي ، إذ تُقدر الأوساط الدبلوماسية والإعلامية أن اللقاء الذي استضافه الرئيس ترامب مؤخراً لقادة خمس دول أفريقية يتسق مع المنافسة الجيوسياسية المتنامية مع بكين وموسكو بأفريقيا ، وخاصةً في قطاعات المعادن الحيوية والطاقة . وفي تقديرات البعض جاء ذلك اللقاء في البيت الأبيض ليحمل أبعاداً متنوعة ، وإن كان أبرزها سعي واشنطن لتوظيف ملف التجارة - بدلاً من المساعدات - كأداة لتعزيز النفوذ في الدول الأفريقية.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115