بعد حرب إبادة غير مسبوقة اتفاق وقف النار في غزة ... بين الترقب والشك

تتواصل الجهود الدولية لإحلال الهدوء في قطاع غزة، وتتسارع وتيرة المباحثات الدولية

وسط أنباء عن مسودة اتفاق وشيك لوقف اطلاق النار . ويتضمن الإفراج عن ألف أسير فلسطيني بينهم مقاتلون في صفوف حماس و170 من ذوي الأحكام العالية. ويقسم ذوي الأحكام العالية إلى مئة من حركة فتح، وسبعين من حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. ومن المقرر ان يتم اعتماد هذا الاتفاق بضمانات أمريكية ومصرية وقطرية، لتنفيذ كافة بنوده.

وكان الوسطاء قد سلموا لدولة الاحتلال وحماس مسودة نهائية للاتفاق، اول امس الإثنين، بعد "انفراجة" تحققت عند منتصف الليل في المحادثات التي حضرها مبعوثان للرئيس الأمريكي الحالي والمنتخب.
تأتي هذه المسودة بعد جولات طويلة من المفاوضات، تم خلالها العمل على إيجاد صيغة تضمن الإفراج عن الرهائن، فضلا عن تحديد خطوات متدرجة نحو تهدئة طويلة الأمد في المنطقة. ويبدو أن مسودة اتفاق وقف النار في غزة ستظل محط اهتمام عالمي في الأسابيع المقبلة، حيث يتقاطع فيها الأمن والسياسة مع معاناة إنسانية غير مسبوقة وحرب إبادة لم يسبق لها مثيل تعيشها غزة وتستدعي التوصل إلى حلول شاملة وعادلة للفلسطينيين.
أولويات المرحلة
وبدأت النقاشات حول وقف إطلاق النار من خلال تحديد أولويات المرحلة الأولى، التي تشمل إطلاق سراح 33 رهينة. وتشمل هذه المجموعة مجندات، نساء، وأشخاص فوق سن الخمسين، بالإضافة إلى مرضى وجرحى، الذين كانوا محتجزين لدى حماس منذ بداية الحرب. وسيتم الإفراج عن هؤلاء الرهائن بشكل تدريجي، مع انتهاء هذه المرحلة في غضون 42 يوما. ووفق المسودة تبدأ عمليات الإفراج في اليوم الأول من سريان وقف إطلاق النار، مما يعكس التزام الطرفين بإيجاد حلول عملية فورية.
إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين
وفي خطوة غير مسبوقة، تنصّ المسودة على إطلاق سراح نحو 1300 أسير فلسطيني في المرحلة الأولى، ويشمل ذلك العديد من السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد. وعلى الرغم من أن هذا العدد قد يتغير بناء على قائمة الرهائن التي تقدمها حماس، فإن هذه الخطوة تُعد مؤشرا على استعداد إسرائيل للقبول بتنازلات واسعة بعد فشلها في العثور عليهم وأمام ضغوط داخلية متزايدة من عائلات المحتجزين.
بالإضافة إلى عملية تبادل السجناء والرهائن، ووفق نفس المسودة فإنّ نهاية المرحلة الأولى سيتم خلالها الانسحاب من "محور فيلادلفيا"، الذي يُعتبر من النقاط الحدودية الإستراتيجية بين غزة ومصر.
وبينما تستمر المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق، فإن المرحلة الثانية ستشهد مفاوضات حول وقف إطلاق النار الدائم. تشمل هذه المرحلة الإفراج عن بقية الرهائن من جنود الاحتلال والمدنيين، بالإضافة إلى جثامين القتلى. وعلى غرار المرحلة الأولى، سيتم في نفس الوقت الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين، على أن تتزامن هذه العملية مع انسحاب تدريجي آخر للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وفي ظل هذه المعطيات، تجري المحادثات حاليا في العاصمة القطرية الدوحة، حيث تتوسط قطر والولايات المتحدة في الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق شامل. وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن هناك "بعض التقدم" في هذه المحادثات، رغم التعقيدات والتحديات التي تواجهها. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل مشاوراتها الداخلية بقيادة رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تحديات كبيرة في اتخاذ القرارات العسكرية في ظلّ معارضة داخلية مستميتة .
شروط وضغوط متبادلة
وفي الوقت الذي تسعى فيه ''إسرائيل'' لتحقيق أهدافها الأمنية عبر الحفاظ على قوتها العسكرية في المنطقة، تبقى حماس حريصة على ضمان إفراج كامل عن جميع الأسرى الفلسطينيين في المرحلة الثانية. وفي هذا السياق، صرح مسؤولون إسرائيليون بأن "إسرائيل لن تخرج من غزة حتى يتم الإفراج عن كافة الرهائن"، ما يعكس إصرارا على تحقيق شروط محددة قبل إتمام أي انسحاب نهائي.
من جهته أعرب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير،أمس الثلاثاء، عن معارضته الشديدة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، معتبرا أنه سيكون بمثابة "صفقة استسلام".ودعا بن غفير وزير المالية اليميني، بتسلئيل سموتريتش، للتعاون معه ضد ما وصفها بـ"صفقة الاستسلام"، مشيرا إلى أن حزبه "العظمة اليهودية" لا يستطيع منع الصفقة بمفرده.واقترح بن غفير على سموتريتش "التوجه معا إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وإبلاغه بأنهما سينسحبان من الحكومة في حال تمرير الصفقة".
وأكد أنه حتى في حال انتقالهم إلى المعارضة، فإنهم لن يسقطوا الحكومة، معتبرا أن هذا التعاون هو "الطريقة الوحيدة لمنع الصفقة.وفي منشور على منصة "إكس"، انتقد بن غفير بشدة تفاصيل الصفقة، مشيرا إلى أنها تتضمن إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين، وإعادة آلاف الفلسطينيين، بينهم نشطاء مسلحون، إلى شمالي قطاع غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم، مما يعيد تهديد سكان منطقة "غلاف غزة"، على حد تعبيره. كما أعرب عن قلقه من أن الصفقة "لا تشمل تحرير جميع المختطفين الإسرائيليين، مما يترك مصير الباقين مجهولا".وجاءت تصريحات الوزير المحسوب على اليمين الإسرائيلي المتطرف، في وقت تشهد فيه مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن تقدما ملحوظا.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية وصلت إلى "مراحل متقدمة"، ومن المتوقع الإعلان قريبا عن اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في غزة مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
خطة أمريكية لحكم غزة
على صعيد متصل كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي عن تفاصيل خطة مرتقبة سيعرضها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لإعادة بناء وحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. تأتي هذه الخطوة في وقت حساس، حيث يتبقى أسبوع واحد فقط لبلينكن في منصبه، بينما تُجرى مفاوضات مكثفة بشأن صفقة تبادل الرهائن ووقف إطلاق النار.
ووفقا للمصادر التي نقل عنها الموقع، فإن بلينكن يهدف إلى عرض خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، والتي ستشكل جزءا أساسيا من المرحلة الثانية من صفقة غزة، المتمثلة في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحرب. ويرتكز الجزء الأكبر من الخطة على إنشاء "آلية حكم جديدة تكون شاملة وتضم مشاركة المجتمع الدولي والدول العربية التي يمكن أن ترسل قوات إلى غزة لضمان الاستقرار الأمني وتقديم المساعدات الإنسانية".
ويشير الموقع إلى أن الخطة ستتضمن ''دعوة لإصلاح السلطة الفلسطينية، بحيث تكون جزءاً من أي حكومة مستقبلية في غزة''. وهذا الطرح، رغم أنه مدعوم من بعض الدول الغربية والعربية، يواجه معارضة كبيرة من بعض الأطراف الفلسطينية، التي عبرت عن تحفظاتها خلال محادثات مع مستشار بلينكن، جيمي روبن، الذي كان قد زار المنطقة مؤخرا لمناقشة الخطة.
ووفق مراقبين يبدو أن الخطة الأمريكية تواجه تحديات كبيرة على الأرض، فعلى الرغم من تأكيد بلينكن على أهمية مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، فإن الحكومة الإسرائيلية رفضت حتى الآن أي خطة تتضمن هذا الأمر. كما أنّ المسؤولين الفلسطينيين عبروا عن قلقهم من أن هذه الخطط قد تكون بمثابة تجاوز لدورهم في المستقبل السياسي للقطاع.
من جهة أخرى، أكد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، مؤخرا أنّ ''إسرائيل'' وحماس "قريبتان جدا'' من إبرام صفقة تبادل، ما يضيف بعدا جديدا للمفاوضات. هذه التصريحات تضع ضغوطا إضافية على خطة بلينكن، حيث يسعى إلى ضمان أن يكون المجتمع الدولي جزءا من الحل في غزة، مع التأكيد على ضرورة عدم السماح بأي احتلال إسرائيلي دائم للقطاع.
وتتضمن الخطة التي سيعرضها بلينكن العديد من المبادئ التي سبق أن تحدث عنها خلال زيارته إلى طوكيو، حيث شدد على أهمية حماية حقوق الفلسطينيين في غزة، وعدم اللجوء إلى أي تقليص للحدود أو التهجير القسري.
إن الخطة الأمريكية التي سيعرضها بلينكن في المجلس الأطلسي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة بالنسبة لغزة. ورغم التحديات الكثيرة التي قد تواجهها، سواء من خلال المعارضة الفلسطينية أو التوترات الإسرائيلية، فإنها تمثل محاولة جادة لوقف الحرب.
تنسيق بين بايدن وترامب
كشف ديفيد ستارفيلد، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط، عن تنسيق "استثنائي" بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وخليفته المنتخب، دونالد ترامب، بشأن الوضع في غزة.
هذه التصريحات تفتح بابا لفهم جديد حول كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع الحرب، وتظهر التنسيق بين إدارتي الرئيسين على الرغم من اختلاف توجهاتهما السياسية.
ووفقا للمبعوث الأمريكي السابق، فإن المبعوثين الأمريكيين من الإدارتين الحالية والسابقة، ستيفن ويتكوف من إدارة ترامب وبريت ماكغورك من إدارة بايدن، يعملون جنبا إلى جنب في العاصمة القطرية الدوحة. ويمثل هذا التنسيق بين المسؤولين الأمريكيين نوعا من التعاون المستمر الذي قد يغير مجرى مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، ويعزّز فرص التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس.
الاحتمالات التي وصفها ستارفيلد بأنها "أكثر واقعية الآن" تشير إلى تقدم ملحوظ في المسار الدبلوماسي.
وبينما يرحب البعض بالتقدم الذي تم إحرازه، يبقى السؤال عن مدى قدرة هذه الجهود على التأثير الفعلي على الوضع في غزة وهل ستنجح الجهود في إنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة منذ أكثر من 15 شهرا.
ورغم أن التصريحات الأخيرة تشير إلى تقدم في المسار الدبلوماسي، فإن الاتفاق على هدنة شاملة بين إسرائيل وحماس لا يزال يتطلب تضافر جهود إضافية من جميع الأطراف المعنية. ما يثير الاهتمام بشكل خاص هو التنسيق بين إدارة بايدن وإدارة ترامب، مما يبرز تعقيدات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويدفعنا إلى التساؤل عن كيفية تأثير هذا التعاون على المستقبل السياسي للمنطقة.
إلى حين التوصل إلى اتفاق رسمي، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الأطراف الدولية من إرساء اتفاق يضمن إنهاء حرب الإبادة بشكل دائم؟ .
موقف حماس
من جهتها أعلنت حركة "حماس"أمس الثلاثاء، أن الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وصفقة تبادل الأسرى يصل إلى "مراحله النهائية"، وسط استمرار المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة.
وقالت الحركة في بيان إن "اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وصل إلى مراحله النهائية ويجب استمرار التشاور مع قادة فصائل فلسطينية حتى إتمامه".وأوضحت الحركة أنها أجرت "سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع قادة الفصائل الفلسطينية لوضعهم في صورة التقدم الحاصل في المفاوضات الجارية في الدوحة".ونقلت الحركة عن قادة الفصائل تأكيدهم على ضرورة "الاستعداد الوطني العام للمرحلة القادمة ومتطلباتها"، دون ذكر تفاصيل.وعبر قادة الفصائل عن أملهم في انتهاء هذه الجولة من المفاوضات بـ"اتفاق واضح وشامل"، وفق البيان.
من جانبها، قالت "لجان المقاومة" في فلسطين، في بيان، إنها تلقت إحاطة من الوفد المفاوض بحركة حماس حول جهود الوسطاء المصريين والقطريين لإنجاز اتفاق مرتقب لوقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى.
وأضافت: "نعبر عن ارتياحنا لما تم إنجازه حتى الآن من تقدم ملحوظ وإيجابي لإتمام المرحلة الأولى ومتطلباتها بما يخدم مصلحة شعبنا وعلى طريق وقف المذبحة وحرب الإبادة ووقف المآسي التي يعيشها شعبنا بفعل المحرقة الصهيونية".وعبرت عن آمالها بأن "تتكلل هذه الجهود بإتمام ما تم الاتفاق عليه وصولا لوقف إطلاق نار نهائي وإلزام العدو بالتنفيذ وفق ضمانات الوسطاء".وفي وقت سابق، قال متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، خلال مؤتمر صحفي بالدوحة: "نحن اليوم في نقطة هي الأقرب للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة".
ومن المقرر أن ينعقد المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر (الكابينت) "للتصديق على اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل الأسرى مع حركة حماس"، وفق ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية .
وقالت مصادر فلسطينية وفق الأناضول، إن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بقطاع غزة "شبه جاهز وتوقيعه قد يكون قبل الجمعة".وقالت المصادر إن "الوضع شبه جاهز، في حال سارت الأمور على ما هي حاليا، والتوقيع غالبا الجمعة أو حتى قبلها".وأوضحت أن الاتفاق سينفذ على 3 مراحل، الأولى من 40 إلى 42 يوما، سيتم خلالها التفاوض على تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة.وأضافت: "في هذه المرحلة إسرائيل ستبقى في محوري نتساريم وفيلادلفيا، وبعد أسبوع سيكون هناك تسليم لقوائم الأسرى الإسرائيليين من حماس، بعدها ستسمح إسرائيل بعودة النازحين إلى شمال القطاع".
وبخصوص ترتيبات العودة، أشارت المصادر إلى أن "إسرائيل ستنسحب من جزء من محور نتساريم للسماح للناس بالعبور لشمال غزة".وأردفت أن "العائدين سيرا على الأقدام لن يتم تفتيشهم، ولكن العائدين بالسيارات سيتم تفتيشهم عبر أجهزة تحضرها جهة دولية، لضمان عدم تهريب سلاح أو مرور مسلحين للشمال".

 

 

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115