انسحاب أمريكا من ''اليونسكو'' بسبب دعمها لفلسطين واشنطن تضغط لحماية ''إسرائيل'' داخل المنظمات الأممية

أعلنت الولايات المتحدة، أمس الثلاثاء الانسحاب مجددا من

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، للمرة الثالثة في تاريخ علاقتها المتذبذبة بالمنظمة الأممية، وسط اتهامات متكررة من واشنطن للمنظمة بـ"التحيز الممنهج ضد إسرائيل". ويُعدّ هذا القرار، المقرر دخوله حيّز التنفيذ في نهاية ديسمبر 2026، علامة جديدة على تصاعد التوتر بين الإدارة الأمريكية ومؤسسات الأمم المتحدة، خصوصاً تلك المعنية بالقيم الإنسانية والتراث العالمي.

يشار الى انه هذا ليس أول انسحاب أمريكي من اليونسكو، بل الثالث خلال أربعة عقود. ففي عام 1984 انسحبت إدارة رونالد ريغان احتجاجا على ما اعتبرته "توجها مناهضا للغرب"، ثم عادت في 2003 خلال عهد جورج بوش الابن. ثم كرر الرئيس دونالد ترامب الانسحاب عام 2017 بمزاعم"التحيز المعادي لإسرائيل"، قبل أن تعود إدارة بايدن عام 2023 بدعم واسع من الكونغرس، معتبرة أن العودة للمنظمة "ضرورية لمواجهة النفوذ الصيني وحماية المصالح الثقافية الأمريكية".
والآن، ها هي واشنطن تُعلن انسحابا جديدا – في ولاية ترامب الثانية – دون تغيّر حقيقي في أسباب القرار وهي الموقف من إسرائيل، والانتقادات الموجهة للمنظمة بخصوص اعترافها بعضوية فلسطين منذ 2011، وتبنّيها قرارات تعتبر الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية تهديدا للتراث الإنساني.
ويعيد قرار الانسحاب طرح تساؤلات قديمة متجددة حول حدود استقلال المنظمات الثقافية الدولية، وإلى أي مدى يمكن عزل عملها الفني والتربوي عن التجاذبات السياسية. فالولايات المتحدة، وهي أكبر مانح لليونسكو تاريخيا، طالما استخدمت تمويلها كورقة ضغط سياسي، مجمّدة المساهمات أحيانا ومهددة بالانسحاب حينا آخر.
غير أن الطابع المقلق في هذه الجولة من الانسحاب هو توقيتها. ففي ظل حرب الابادة المستمرة على غزة، وازدياد الانتقادات الحقوقية العالمية للانتهاكات الإسرائيلية في المواقع التاريخية الفلسطينية، خصوصا القدس والخليل، يبدو أن واشنطن باتت ترى في اليونسكو منصة "معادية"، لا مجرد منظمة ثقافية محايدة رغم أن الادارة البيضاوية لا تحرك ساكنا تجاه التعنت الصهيوني واستمرار حرب التجويع والابادة التي تشنها حليفتها تل ابيب في غزة منذ اشهر طويلة.
من الناحية العملية، ستخسر واشنطن القدرة على التأثير المباشر في قرارات اليونسكو، خصوصا في ملفات التعليم الرقمي، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحماية التراث العالمي. وستتراجع قوتها الناعمة في الفضاء الثقافي العالمي، في وقت تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا على النفوذ الدولي من خلال أدوات غير عسكرية.أما اليونسكو، فستخسر داعما ماليا رئيسيا. ففي عام 2011، شكّلت مساهمات الولايات المتحدة نحو 22% من ميزانية المنظمة. ومع أن العديد من الدول الأعضاء تدخّلت لاحقا لتغطية العجز، إلا أن انسحاب أكبر قوة اقتصادية وثقافية في العالم يوجه ضربة رمزية ومعنوية لمكانة المنظمة.
فلسطين في خلفية الصراع
اللافت أن كل انسحاب أمريكي من اليونسكو تقريبا كان مرتبطا بطريقة أو بأخرى بالقضية الفلسطينية. فمنذ اعتراف المنظمة بعضوية فلسطين عام 2011، تعرضت لضغوط أمريكية وإسرائيلية متواصلة. وأيضا بخصوص القرارات التي تؤكد وتعتبر المسجد الأقصى تراثا إسلاميا خالصا"، أو تلك التي تنتقد الحفريات الإسرائيلية في القدس القديمة، كانت كفيلة بإثارة غضب الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

في هذا السياق، لا يُفهم انسحاب واشنطن إلا كخطوة سياسية لدعم إسرائيل، في لحظة تتصاعد فيها المطالب الدولية بالتحقيق في الانتهاكات بحق التراث والثقافة الفلسطينية في ظل الحرب المستمرة على غزة.وداخليا قد يواجه القرار معارضة من الأوساط الأكاديمية والثقافية داخل الولايات المتحدة، التي ترى في اليونسكو منصة دولية لحماية التنوع الثقافي والتبادل الفكري العالمي، لا مجرد ساحة سياسية.

هل يكون الانسحاب دائماً هذه المرة؟
وبحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية، سيدخل قرار الانسحاب حيز التنفيذ نهاية 2026، ما يعني أن إدارة ديمقراطية مستقبلية يمكن أن تعكس القرار قبل تطبيقه، كما حدث سابقا. غير أن تكرار الانسحاب يعكس أزمة ثقة بنيوية بين واشنطن والمنظمة، قد يصعب ترميمها دون إصلاحات جذرية في العلاقة الأمريكية مع مؤسسات النظام الدولي.
إذ يرى مراقبون أن قرار الانسحاب الأمريكي من اليونسكو لا يتعلق فقط بإدارة ترامب أو بإسرائيل، بل هو مؤشر على تصدع النظام الدولي المتعدد الأطراف، وتراجع فاعلية المنظمات الأممية أمام تصاعد منطق المصالح الضيقة. فإذا كانت منظمة تُعنى بالتعليم والثقافة تواجه هذا القدر من التسييس، فكيف يكون حال المؤسسات الأخرى التي تعالج النزاعات والأمن والسلم العالمي؟

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115