المهرجان الدولي لمسرح الاحياء: سلام لمن يحرصون على تمرير طقوس الامل وجرعات الحب رغم العقبات

طوبى لمن تمسكوا بحقهم في الحلم رغم سواد الطريق وانعدام الضوء،

طوبى لمن يؤمنون بالحق في التغيير والرغبة في الانصات لصوت الطفولة الداخلي رغم شيخوخة تسيطر ملامحها على المكان، طوبى لمن يزرعون بذور الود فتزهر حبّا وتونع املا يمحوا بعض وجع الحقيقة وينسيهم قليلا قساوة الواقع، طوبى للصادقين الراغبين في الدفاع عن حق ابناء جهتهم في الثقافة سلاحا للتغيير والحرية ورغم كل العوائق المادية واللوجيستية لازالوا يؤمنون انّهم وجدوا ليكونوا فاعلين.

ومن الرغبة في تحقيق لامركزية ثقافية حقيقية ودفاع عن حق ابناء الهامش في الثقافة انجزت الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لمسرح الاحياء بمدنين الذي تنظمه جمعية المسرح الصغير في حركة نضالية تعتمد الفنون سبيلا للتغيير.

في طقوس الفرحة تكتب عوالم امل متجددة

"كل فرد يمارس طقوس الفرح كيفما يشاء" هكذا علق المسرحي كريم الخرشوفي بعد افتتاح الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لمسرح الأحياء، هناك في احياء "طريق بني خداش" وزعت صكوك الفرحة لكل الاطفال والكهول من خلال عروض مسرحية وورشات اكتسحت الشوارع وحوّلت الخرب الصامتة الى مساحة للبوح والصخب الطفولي.
احبوا مدينتهم واختاروا الثقافة سلاحهم ليوصلوا اصوات ابنائها ممن همشتهم المنظومة اختاروا المسرح سبيلا ليكون صوتا لمشاغل الشباب واحلام الاطفال وحكايات الكبار، فالمهرجان ليس مجرد تظاهرة بل لبنة للبناء ولتركيز وعي مجتمعي نقدي وفكر متحرر.
في مدنين كان اللقاء السنوي لجمهور مسرح الاحياء الذي يتغير سنويا، باقة من العروض الموجهة للاطفال والكهول، لقاء الفرحة والفرجة والنقد توزع على العديد من الفضاءات.
فتحت المدرسة الاعدادية حي الزيتوني ابوابها للعروض المسرحية الموجهة للاطفال، على ذلك الركح الحجري المشيد داخلها قدمت مسرحيات "بوب مبعوث القيصر" اخراج محمد سليمة ومسرحية "رحلة سنجوب اخراج جلال حمودي، وفتحت المدرسة الابتدائية مصباح الجربوع طريق قابس ابوابها لورشة صناعة وتحريك العرائس واحتضنت مدرسة الامل عرض "الجندي الشجاع" اخراج ايوب العوينتي ولنادي الاطفال نصيبه من العروض بعرض "لحية جدي" اخراج شكيب الغانمي.
والغاية من برمجة العروض في المؤسسات التربوية اولا الدفاع عن حق الطفل التلميذ في فرجة مسرحية في العروض الجديدة ومدارس مسرحية مختلفة من مسرح العرائس الى عرائس الطاولة والكلاسيكي، من حقهم ان يشاهدوا انماط مختلفة، بالاضافة الى توفير الفرصة لاكبر عدد من التلاميذ ليكونوا جمهورا للمهرجان فالتظاهرة تذهب الى الطفل اينما وجد فمن حقّه ممارسة الثقافة والاستمتاع بعروض مختلفة تحفّز خياله وترسخ في ذاكرته.

اكتساح لفضاءات بديلة ودفاع عن حق الجميع في الثقافة

الثقافة حق يضمنه الدستور التونسي، الحق في الثقافة سلاح للدفاع عن بقية الحقوق، ومن شعار "نحب ما نعمل" انطلقت فعاليات مهرجان مسرح الاحياء في دورته الثامنة، اكتسح المهرجان فضاءات مفتوحة مختلفة، اصبحت الشوارع الخلفية للمدينة فضاء للفنون والفرجة، وتحوّلت الخربة المهملة الى مسرح حيّ وتفاعلي، فالحشيش الطفيلي بات بساطا للجماهير وقطع اللوح والحجارة المتراكمة منذ سنوات تحوّلت الى كراس لاستعمالها للفرجة اما الجدار المنسي لأعوام الذي يستعمله الشباب لكتابة بعض احلامهم فتحوّل الى جزء خلفي للركح ووظف في سينوغرافيا مسرحية "عصفور سطح" اخراج حسام الساحلي.
بعثت الحياة في الخربة وزارها عدد كبير من الجمهور وأضيئت الجدران المعتمة بفضل الفن وبعثت الروح في ذاك المكان المنسي ليقدموا عملا يطرح واقع الفنان ويتساءل عن حقوقه، وبين المسرحية والحقيقة عناصر مشتركة عديدة اهمها معاناة الفنان في انتظار حصوله على مستحقاته وعيشه في انتظار كلمة "صبوّا" التي باتت بمثابة الشيفرة بين الفنانين المسرحيين خاصة.
عرض المسرحية في فضاء خربة "تجربة جد مميزة، اعادت المسرحية لفضائها الاصلي، فالعمل ولد ليقدم في فضاءات بديلة اكثر تحررا من الركح الكلاسيكي، واللقاء التفاعلي المباشر مع الجمهور يزيد الفنان بطاقة من الحبّ ويزوّده بشحنة ليواصل اللعب رغم كل التعب" حسب تصريح المخرج حسام الساحلي.
في مهرجان مسرح الاحياء تتحول الفضاءات الخلفية والمنسية الى مسارح مفتوحة للجماهير، تنظف الخرب والشوارع المهملة لتستقبل ضيوف المهرجان وجماهيره المختلفة، فالمهرجان تجربة فنية وانسانية جد مميزة، التظاهرة صادقة واختلافها جعلها اكثر قربا للجمهور "نعمل نحقق القليل من احلامنا، نريد لهذه الشوارع ان تضجّ بصخب الفنون، ها اننا نحاول التمسك بحق ابناء هذه المناطق في ثقافة حقيقية ومسرحية تشاكس الوعي الجمعي، المهرجان لبنة للتفكير نحاول نشره على مساحات جغرافية اكبر حتى يزهر الحلم في الاحياء الشعبية البعيدة عن المركز حسب تعبير المسرحي ابن مدينة بني خداش ضو حمزة خلف الله.

نشر الثقافة البديلة التزام

انتصرت رغبتهم في النجاح على كل العوائق المالية والتعطيلات الادارية، استطاع ابناء المسرح الصغير وفضاء ارطو والجمعيات الشريكة انجاز الدورة الثامنة للمهرجان، فهو تحية صادقة وفعل نبيل الهدف منه الدفاع عن لامركزية الفعل الابداعي وايصال الفنون بمختلف تجلياتها الى الجمهور اينما وجد، "نجتهد لنقدم تظاهرة تحترم الجمهور، والفضاء جزء من هذه المشهدية وجد ليكون مساحة اخرى للحرية ولفك العزلة الثقافية عن ابنائنا" حسب تعبير المسرحي حبيب العدواني صاحب فضاء ارطو الثقافي الذي احتضن بعض عروض المهرجان وورشة "فن الممثل".
المهرجان فرصة حقيقية للتغيير "اكتشف روعة الشباب ورغبتهم في التعلّم والتماهي مع الافكار المختلفة، شباب متعطّش للمسرح ومقبل على حب الحياة" حسب تعبير محمد شوقي خوجة، مضيفا المهرجان لبنة للتغيير، يكفي تلك النظرات الصادقة لدى الشباب في الورشة لنعرف انّ المهرجان نجح في ترسيخ ثقافة مسرحية لديهم.
في مجموعة من الفضاءات الثقافية والتربوية كان اللقاء طيلة اربعة ايام بين الورشات التكوينية والعروض والنقاشات، لقاءات مع الجمهور ومحاولة لترسيخ ثقافة الفرجة بعد تاسيس قاعدة جماهيرية جد محترمة، ابناء الفضاء هم حراس المهرجان والمشرفين على تنظيمه، تلاميذ وطلبة تتلمذوا اما في المسرح الصغير على يد ضو حمزة خلف الله وبوبكر الغناي او في المعهد مع كريم الخرشوفي هم الذين يحملون نشعل الاشراف اللوجيستي، فللاجيال القادمة حقها في الريادة وهمّ يجهزونهم ليكونوا خير خلف وقادرين على تحمّل المسؤولية "يكفيني فخرا انني تعمّدت التغيب لاجد ابنائي قاموا بواجباتهم على اكمل وجه، فهم تعملوا ان يكونوا مسؤولين رغم صغر سنّهم، وبرايتهم متحملين للمسؤولية وكل يعرف مهمامه ويحرص على انجاحها اشعر انني نجحت في مهمة تكوين مواطنين يعرفون الحق والواجب" حسب تعبير الفنان كريم الخرشوفي .

"غودو" التمويلات وسردية المماطلة

يشتغل المسرحيين كثيرا على المسرحية العالمية "في انتظار غودو" ولكن غودو في التظاهرات المسرحية يبدوا انّه تحوّل الى لعنة تلازم الدعم المادي المخصص لهذه التظاهرات، فها قد انتهت الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لمسرح الاحياء ولم يتحصل بعد على الدعم المخصص له ولم تتشكل اللجنة التي ستقرر بعد، ورغم صفر الدعم نجح المهرجان في انجاز عروضه (العروض مدعومة من ادارة المسرح) وورشاته واستقطب جماهير جديدة.
عن الدورة يقول مديرها كريم الخرشوفي "طريق بني خداش مدنين ننطلق ولا نقف عند حدودها بعيدا عن مراكز القرار المتعطل في دعم مهرجان دولي يصل لدورته الثامنة وعدم رصده أي دعم له، نسجنا تفاصيل نعيشها وعشنا فرحتها جميعنا، نسجنا هذا البرنامج بعرق جبيننا وبكثير من الحب والصبر والشغف في انتظار قد يأتي أو لا يأتي في رصد وصرف منح للمهرجان جهوي وطني دولي، حتى تحيى الاحياء الشعبية البعيدة عن المركز بالفنون والمسرح تكوينا وفرجة ورغم كل الصعوبات على العهد مستمرون".
ويضيف الخرشوفي من حق الاحياء الشعبية ان يكون لها تظاهرات ثقافية تتجه الى مواطنيها، ونجح المسرح الصغير في بناء علاقة تواصل مع اهالي مدنين وسكان حي طريق بني خداش تحديدا وأطفال الحي اغلبهم من ابناء الفضاء يتعلمون المسرح.
كما نجح في تكوين قاعدة جماهيرية وافتكّ مكانته في الخارطة الثقافية بالجهة، ونجاح الدورة الثامنة للمهرجان ابرز دليل على العلاقة المميزة بين مستهلكي المادة الثقافية ومنتجيها، يتعرض المسرح والمهرجان لمصاعب كبيرة خاصة في علاقة بالتمويل.
والمهرجان يراهن على تكوين الاطفال والشباب وترسيخ ثقافة الفرجة المسرحية، للاسف كان هناك مشاركات دولية من العراق ولبنان ولكنها الغيت في اخر توقيت بسبب قلة الدعم حاولنا الحلم والنجاح لكنّ قلة التمويل اثرت علينا، لكننا نجتهد ايمانا بحقّ مواطني هذه الجهة في الثقافة والحياة.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115