الإفتتاحية
رياح عاتية تلك التي تعصف اليوم بسفينة تونس.. رياح تهبّ في كل الاتجاهات وتجعل مهمة الربان مهمة شبه مستحيلة...
يصنّـف بعضهم الاحتجاجات التي تندلع هنا وهناك في خانة الحركات الاجتماعية مبرّرين سبب حدوثها وما يصاحبها من شغب أو اعتداء على ممتلكات الناس أو الدولة أو تجاوز للقوانين بأنّه مُحصلة سياسات التمييز والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية ونتيجة ‘طبيعية’ لل’حقرة’ والشعور بالغبن الاجتماعي والحرمان والذلّ ...
اليوم لم يعد يشكك أحد في التوقعات التي كان يرددها عدد من الخبراء الاقتصاديين: سنة 2017 ستكون فعلا سنة كل الصعوبات والمخاطر.. وفي الحقيقة نحن نلمس هذه البواكير منذ سنة 2014 بفعل الضغوط المتصاعدة على المالية العمومية والتجاء الدولة التونسية إلى الاقتراض
ماذا ينقص تونس حتى تكون كل مدنها وقراها وأحيائها نظيفة وذات هيكلة عمرانية متجانسة وجميلة؟
سبق التنبيه في أكثر من مناسبة إلى خطورة ترك الحبل على الغارب عند الإستهانة بالقانون وبالأحكام القضائية، لما ينجر عن ذلك من تسيّب و فقدان القانون لعلويته و لمؤسسات القضاء والدولة لهيبتها و الإستخفاف بسلطتها وتبعات ذلك على نفاذ قراراتها و أحكامها ، وكما يقال الّذي لا يَحترم لا يُحتَرَم.
أستثني من هذا الخطــاب أصحـــاب الضمير الحي والمغرمين بأنبل مهنة في الوجود والمتفانين في خدمة الوطن والذين طالما وقفنا لهم إجلالا وإكراما إذ كادوا أن يكونوا رسلا في الأرياف والقرى والجبال... فهذا الكلام لا يعنيهم.
من سنة إلى أخرى يبدو وكأن التهرب الضريبي بأصنافه المختلفة أضحى قدرا محتوما ومحتما على تونس... نعلم فقط أن ميزانية الدولة تفتقر كل عام لبعض مليارات الدنانير جراء هذه الرياضة الوطنية فلتلجئ إلى التداين الخارجي وترتهن من سنة إلى أخرى حاضر البلاد ومستقبلها
الإنطباع الّذي يحصل لمتابع الأولويات الوطنية في وثيقة قرطاج و في استعراض ملامحها على لسان رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد، أن العدل و أملاك الدولة والشؤون العقّارية ، مجالات غير معنية بمجابهة التحديات الإقتصادية والتنموية الّتي تنتظر البلاد في المرحلة المقبلة.
كشف رئيس الحكومة الجديد في خطاب نيل الثقة أمام مجلس نواب الشعب عن بعض الأرقام المخفية سابقا حول واقع المالية العمومية اليوم وقال حينها بأن الأمور لو بقيت على ما هي عليه لاضطرت الدولة إلى توخي سياسة تقشفية من آثارها تجميد الأجور والانتدابات وكذلك تسريح العمال والموظفين في القطاع العام...
لو «سبّقنا» الخير كما نقول في تونس لجزمنا بأن كل حكومات ما بعد الثورة قد ارتبكت، إن قليلا أو كثيرا، أمام مشاكل تونس المعقدة وتصاعد الاحتجاجات والمطلبيات من كل جهة وقطاع فتحولت، رغم أنفها، إلى ما يشبه رجل المطافئ تكاد تنحصر مهمتها في إطفاء الحرائق بعد اشتعالها وفقدت بذلك جل إمكانيات الاستباق فما بالك بالتخطيط...