و لو أن عناصر الإنتاج مترابطة و متداخلة لإندماجها في المنظومة العالمية ، فإن العديد من المنتجات التونسية يمكن أن تعتمد على القدرات الذاتية لفرض نفسها في السوق .
فالتونسيون اكتسبوا المعارف والمهارات وتمتلك البلاد ثروات لا يستهان بها ، و لا تحتاج في الحقيقة إلاّ لإرادة سياسية جادّة من الحكومة و عزيمة من المستثمرين في مختلف المجالات و تفهمّ من المستهلك التونسي ، كي نتوصّل إلى كسب ثقة السوق التونسية واقتحام أسواق جديدة .
فبهذا يمكن الحد قدر الإمكان من نزيف العملة الصعبة و النهوض بآليات و قوى الإنتاج التونسية ، و تحفيزها لمزيد تطوير المنتجات والعناية بالجودة ، و الدّليل على ذلك ما تشهده السوق التونسية من حيوية و إزدهار في بعض المناسبات مثل شهر رمضان والأعياد و العودة المدرسية .
لا أحد يشكّك في القدرة التنافسية للمنتوج التونسي بعد أن تطورت الصناعات التحويلية وبعد أن اكتسب التونسيون من سياسة السنوات السبعين ، العديد من التجارب ، وبعد أن خلقت الشراكة أسواقا جديدة للمنتوج التونسي جعلته على درجة عالية من التطابق مع المواصفات العالمية .
فإذا كان المستثمر الأجنبي يستهويه توفر ظروف العمل في تونس و الموقع الجغرافي لتونس و توفّر الخبرات و المناخ الملائم للاستثمار، فإنه لا شيء يمنع التونسيين من استغلال نفس الظروف للإنتاج .
ففي الظروف الصعبة للبلاد اليوم ، تحتاج تونس إلى كل القدرات الذاتية للخروج من الأزمة، سواء بخصوص توفير مواطن شغل جديدة ، أو بخصوص تنشيط الحركة الإقتصادية و الرفع في مستوى الإنتاجية . و لكن تحفيز هذه القدرات يحتاج إلى مناخ إجتماعي سليم وسياسة رشيدة.
لذلك لا بد من الإسراع ببعث هيكل إقتصادي تشاوري يضع الخطّة الملائمة من أجل توفير المناخ الملائم لتحفيز الإستثمار الداخلي . و أهم ّ عناصر نجاح هذا الإستثمار هو ترشيد المستهلك الّذي يعد الهدف والوسيلة في آن واحد.
ولو أن خيار السياسة الحمائية الضيقة يصعب في الظرف الراهن للتبعية المقيتة في أغلب المجالات المنتجة ،فإن فرض بعض التضييقات والتصدي الجدّي و الحازم للتهريب من الإجراءات الضرورية لتحفيز الاستثمار الدّاخلي و تشجيع المنتج التونسي الّذي يحتاج دائما للتمويل سواء لتوفير الإنتاج أو لتحسين الجودة .
إن استهلاك التونسي للمنتوج التونسي ، ليس أمرا صعبا ، لو توفّرت الحماية الدنيا للمنتوج التونسي، لأن ما توفره الصناعات التحويلية التونسية وما تنتجه المصانع التونسية في مواد النسيج و الصناعات الخفيفة و في جانب لا يستهان به من قطع الغيار ،و ما يمكن أن توّفره الفلاحة التونسية يقبل عليه التونسي بسهولة لأنه يستجيب لحاجياته .
والحماية الدنيا المطلوبة ليس فقط في مجابهة التهريب و في الحد من توريد الكماليات ، بل في مراقبة البذور و في حماية البذور المحلية الّتي تكاد تنقرض ومحاولة التخلص قدر الإمكان من التبعية في هذا المجال ، و مراقبة المواد المستهلكة الّتي تتجاوز مضار بعضها الفوائد المرجوّة منها. فالمقدرة الشرائية المتدنية هي التي تدفع إلى إستهلاك السلع والمنتجات منعدمة الجودة ولكن رخيصة الثمن ، لذلك يجب مراجعة هوامش الربح و مراقبة مسالك التوزيع و الوسطاء الّذين يساهمون في إرتفاع الأسعار دون أن يستفيد المنتج المباشر، ومثال ذلك في المواد الفلاحية و منتوجات الصناعات التقليدية و غيرها.
لا شك أن رفع شعار « 619 رمز المنتجات التونسية » يحفز المنتج التونسي و يحميه، ولكن لا مفر من بعث الهياكل التعديلية القادرة على المراقبة و التدخّل كلّما لزم الأمر ذلك ، والتي لا هاجس لها غير تحقيق المصلحة الوطنية وخدمة المواطن التونسي بفرض مصالحته مع منتوج بلده.