في بيانه الصادر يوم أمس يعبّر اتحاد الأعراف عن «انشغاله العميق للتراجع الكبير الذي شهدته قيمة الدينار التونسي في اليومين الأخيرين».
وعندما نريد فهم أسباب مخاوف الأعراف نرى أن قيمة الدينار التونسي قد انزلقت في ثلاثة أيام فقط (من الاثنين 17 أفريل إلى الأربعاء 19 أفريل) بـ %2.3 بالنسبة لليورو وبـ %1.9 بالنسبة للدولار ..
أي لو تواصل هذا الانزلاق بنفس الوتيرة سوف يفقد الدينار خمس قيمته تقريبا في شهر واحد وهذا ما لم يحصل للعملة التونسية منذ عقود طويلة..
صحيح أن الدينار التونسي في انزلاق مستمر منذ حوالي عشرية كاملة وللتذكير فإنه قد فقد من قيمته خلال سنة 2016 %10.9 بالنسبة لليورو و%15.5 بالنسبة للدولار ، أي أنه يفقد حوالي نقطة واحدة كل شهر..ولكن هذه المرة فقد نقطتين في ثلاثة أيام فقط وهذا هو جوهر مخاوف أصحاب المؤسسات اليوم..
وما يزيد في مخاوف اتحاد الصناعة والتجارة هي التصريحات الأخيرة لوزيرة المالية (لم يذكرها البيان بالصفة) والتي تقول بأن القيمة الحالية للدينار ليست قيمته الحقيقية موحية بأن التراجع في حدود %10 خلال فترة قصيرة نسبيا (بعض الأسابيع على الأرجح) هو الذي سيضعنا أمام القيمة الحقيقية للدينار بشرط تعافي الاقتصاد واستفادة المؤسسات المصدرة من هذا الانزلاق الذي شجع عليه البيان الصحفي لوفد صندوق النقد الدولي الصادر يوم الاثنين 17 أفريل الحالي ..
أي وكأننا استجبنا بصفة فورية لتوصية الصندوق هذه دون إعداد الفاعلين الاقتصاديين لمثل هذا القرار..
ما ينبغي أن نقف عنده هو أن انزلاق هذه الأيام الثلاثة للدينار سيكلفنا حوالي نقطة ونصف إضافية في نسبة مديونية الدولة وارتفاعا كذلك في خدمة الدين (أي ما ندفعه سنويا من أصل الدين مع الفوائد) واستيرادا للتضخم سواء تعلق ذلك بالمواد الاستهلاكية الجاهزة أو بالمواد الأساسية ونصف الجاهزة والتي ستنعكس بمقادير على تصنيع المواد الجاهزة تونسيا ..وهذا ما يعنيه بيان منظمة الأعراف بالتأثير الكبير على تنافسية المؤسسة التي ترى نفسها مضطرة للترفيع في قيمة منتوجاتها مع احتمال تراجع رقم معاملاتها تبعا لتراجع الطلب على هذه المنتوجات ..
وحدها المؤسسات المصدرة قد تستفيد من مثل هذا القرار ولكن هذا يفترض سياسة تصديرية هجومية تكون المؤسسات المصدرة رأس حربتها..
ولكن ما نفهمه من بيان اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية انه لم يتم حتى مجرّد إعلام أصحاب المؤسسات بالخطة التونسية في مجال سعر الصرف وإمكانيات الاستفادة من عدمها من انزلاق معيّن للدينار التونسي أمام أهم العملات الأجنبية ..
لاشك أن البنك المركزي هو صاحب القرار الأول والأخير في السياسة النقدية ولا شك أيضا أن قيمة الدينار هي من قيمة الحيوية الاقتصادية في البلاد..ولكن هذا لا يعفي البنك المركزي ولا الحكومة أيضا من التحاور والتشاور مع أصحاب الشأن حول ايجابيات وسلبيات كل سياسة وان كان لابد ممّا ليس منه بدّ فلا اقل من إعداد نسيجنا الاقتصادي ومؤسساتنا لأفضل تعامل ممكن مع اكراهات السياسة النقدية .
لا شيء كان يفرض علينا انزلاقا حادا للدينار مباشرة اثر صدور بيان بعثة صندوق النقد ..
تونس بحاجة إلى سياسة اقتصادية ومالية شاملة احد أعمدتها شد أزر المؤسسة الخاصة باعتبارها الخالق الأساسي للثروة ولمواطن الشغل وهذا يفرض على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي والمالي أن يتعاملوا معها كطرف راشد له حقوق وواجبات .. من حقنا أن نطالبه بإسهام أكثر فاعلية في التنمية عامة والتنمية الجهوية على وجه الخصوص ولكن في المقابل لا يمكن أن نخضعه لسياسات تدخل اضطرابا كبيرا على السير اليومي الصعب للمؤسسة الاقتصادية ..
مازال أمامنا متسع من الوقت لإعداد هذه الخطة المشتركة حتى تكون السياسة النقدية جزءا من الحلّ لا جزءا من المشكل ..
• كل الأرقام الواردة في هذا المقال هي من الموقع الرسمي للبنك المركزي أما النسب المئوية فهي من احتسابنا.