اذ يسعى المعهد الى عالم تسمح فيه الموارد الطبيعيّة بإرساء مجتمعاتٍ تنعم بالعدالة والازدهار والاستدامة عوضًا عن تقويضها. هذا ما أكدته لوري هايتايان مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في شمال افريقيا والشرق الأوسط في حوار خاص لـ" المغرب ". ولوري هايتيان مديرة "معهد حوكمة الموارد الطبيعية" في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وخبيرة في سياسات النفط والغاز وهي استاذة مادة الجيوسياسة والنفط والغاز في منطقة شرقي المتوسط. لوري لعبت دورًا اساسيًا في اطلاق "ملتقى الصناعات الاستخراجية" وهو مركز معرفة اقليمي مقره في بيروت وساهمت في انشاء تحالف لبناني للانضمام الى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية. وقبل انضمامها إلى "معهد حوكمة الموارد الطبيعية"، وكانت المديرة التنفيذية لمنظمة "برلمانيون عرب ضد الفساد" حيث عملت مع البرلمانيين والبرلمانيات على وضع استراتيجيات وخطط عمل لتعزيز الرقابة والقدرات التشريعية للبرلمانيين لتعزيز المساءلة والشفافية. ولديها كتابات ومقالات حول موضوع النفط والغاز في لبنان والشرق الاوسط وهي المضيفة الرئيسية لبودكاست انيرجي اسبريسو والطريق الى كوب 28 الانتقال الطاقة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
أولا لو توضحي لنا أهم الأهداف والبرامج التي يشتغل عليها معهد حوكمة الموارد الطبيعية في المنطقة؟
يتركز اختصاص المعهد على السياسات في مجال الطاقة ويهتم بالأساس بمساعدة الدول التي تنتج النفط والغاز والغنية بالموارد على أن يكون لها حوكمة سليمة ورشيدة للتمكن من الاستفادة من مواردها للنمو الاقتصادي لبلدانها واستفادة المواطنين وهذا هو شعارنا يعني كيفية استغلال الموارد لتوسيع الاقتصادات المحلية .نحن اشتغلنا لسنوات على موضوع الحوكمة فيما يتعلق بقطاعي النفط والغاز . واليوم اصبح موضوع الحوكمة وادارة الموارد اكثر الحاحًا للبلدان المنتجة للنفط والغاز لأنها بحاجة للنظر الى مستقبل القطاع بكل تحدياته ورهاناته ،وأهمها تأثيرات انخفاض الطلب على النفط والغاز بالنسبة لعائدات هذه البلدان والاستثمار بموارد طاقية نظيفة من أجل مجابهة التحديات المناخية وغيرها من مسببات التلوث البيئي في العالم.
وكيف ترين اليوم أهم التحديات فيما يتعلق بالانتقال الطاقي في بلدان المنطقة؟
اعتقد أن الدول التي تعتمد على النفط والغاز كمصدر للعائدات سيكون مستقبلها مهدد اذا لم تقم على تقليل الاعتماد على هذه العائدات التي تأتي من هذا القطاع . لذلك عليها ان تستثمر –في قطاعات أخرى ليست فقط طاقية ليتواصل نمو الاقتصاد وتعوض العائدات التي قد تخسرها من قطاع النفط والغاز. وهذا بالنسبة للبلدان المنتجة للنفط والغاز، أما فيما يتعلق بدول أخرى مثل تونس فمثلا نجد أن الدولة ليست منتجة كبيرة من النفط والغاز ونرى ان هذا الانتاج لا يكفي الطلب المحلي لذلك تلجأ الى خيارات أخرى مكلفة على الميزانية مثل الاستيراد . وبالتالي في حالة تونس يساعد الانتقال والتحول الطاقي الميزانية ويدعم الاقتصاد ، وبالتالي الرهان على تنفيذ مشاريع انتاج الطاقات المتجددة التي قد تدعم المشاريع سواء كانت صغيرة أو متوسطة او كبيرة وتوفّر مصادر للعمل وفي الوقت نفسه تسدّ الفجوة في الطلب المتزايد على الطاقة . فالبعض ينظر الى التحول الطاقي من منظور اقتصادي بحت الفوائد مناخية وبيئية.
يعني التحول الطاقي من اهم دوافعه اليوم هو التغير المناخي ؟
طبعا كان الدافع الرئيسي للتحول الطاقي التغير المناخي الذي يعتبر مسبباته الصناعات الاستخراجية. لذلك هناك تركيز كبير على تخفيض الانبعاثات التي يتسبب بها قطاعي النفط والغاز. بينما نرى عند الناشطين البيئيين توجه قطعي يدعم الاستغناء عن استخراج النفط والغاز من أجل ضبط التغيرات المناخية والانبعاثات المسيئة ولكن البعض يرى ان هذا له مفعول سلبي على الدول المنتجة ويجب ان يكون هناك تدرج في الحد من استغلال الموارد . فالانطلاقة كانت بسبب المناخ واليوم العالم كله يعي تماما ان هناك تغيرات مناخية خطيرة تستدعي أخذ القرارات اللازمة . وكل بلد لديه خيار بحسب مصالحه مع موضوع التغير المناخي. فالبعض ينظر للموضوع من منظور اقتصادي يعتمد على التحول الطاقي لكن السقف هو الحفاظ على الكوكب وهذا يتطلب جرأة لاتخاذ القرارات .
رغم ان الدافع الاقتصادي هو الذي يحرك عديد الدول ، اذا وجدت ان التحول الطاقي يفيد اقتصاديا ستلجأ اليه مع الأخذ بعين الاعتبار التوجهات المناخية . يعني دول الجنوب العالمي لديها تحديات اقتصادية تفرض نفسها على اي قرار بالنسبة لموضوع الطاقة .
ما هو دور الثقافة هنا لتوعية الرأي العام بأهمية الاعتماد على الطاقات البديلة؟
نحن في مكتب الشرق الاوسط وشمال افريقيا اعتمدنا استراتيجية تواصل عبر اطلاق سلسة من الندوات مع خبراء من المنطقة باللغة العربية لتقريب المفاهيم المتعلقة بالتحول الطاقي عند الجمهور العربي. واعتمدنا بالتواصل من خلال صفحات التواصل الاجتماعي. فمن المهم اليوم استراتيجية اتصال وتواصل لتوعية مختلف الفئات بخطورة التغيرات المناخية وأهمية الاعتماد على الطاقات البديلة من اجل الكوكب والشعوب واقتصاداتها. واعتقد ان الكوارث الطبيعية التي نشهدها اليوم مثل حرائق الغابات وغيرها باتت تدقّ جرس الانذار للجميع لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه المخاطر.
لبنان كدولة غير نفطية معنية بالتحول الطاقي بالنظر الى أزمتها الاقتصادية والمجتمعية فما هي المقاربة التي ترونها لهذا البلد لمواجهة العجز الطاقي؟
في لبنان بدأنا عملنا بالتركيز على الادارة الشفافة لقطاع النفط والغاز والاهم عملنا على موضوع ادارة التوقعات لقطاع لم يكن ولد بعد ولكنه اشغل الكل وشعل الحكومات تبني سياسات اقتصادية على قطاع لم ينطلق بعد ولم تكن هناك اكتشافات. وبعد المحاولة الاولى من خلال الحفر الاستكشافي الاول في 2020 والتي جاءت نتائجه سلبية بدأنا العمل على موضوع اعادة النظر في استراتيجية الطاقة والتحول الى الطاقات النظيفة ّ.كان هناك نوع من المقاومة للفكرة حتى ضربت الازمة الكبيرة لبنان ومن بين القطاعات التي تأثرت بالازمة كان قطاع الكهرباء ومع استفحال ازمة انقطاع الكهرباء لجأ الافراد الى الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية. وهي مبادرات هامة ولكن اعتقد انها يجب ان تتحول الى مبادرات على مستوى مجتمعي أكثر منها مبادرات فردية. فمن المعلوم ان لبنان يعتمد على الفيول الملوث لإنتاج الكهرباء لذلك حاجتنا أكبر من المنظور المناخي والمالي والاقتصادي للطاقات النظيفة. والتحديات في لبنان أكبر من تونس وبقية دول المنطقة ، ومن الضروري الاستفادة من تجارب الدول الأخرى مع تشبيك العلاقات على مستوى منظمات المجتمع المدني المعنية بالموضوع .