للحديث بقية هل يوقف الضمير العالمي الجريمة الكونية في غزة ؟

لم يتغير شيء في المشهد الدموي في غزة المكلومة

مع اعلان دولة الاحتلال للهدنة المؤقتة ، فمع بدء سريان ما سمته "إسرائيل" "تعليقا" للعمليات في مناطق بغزة ، قتل جيش الاحتلال عشرات الفلسطينيين امس بينهم أطفال، باستهداف خيام النازحين ومنتظري المساعدات . تضاف هذه الجرائم الى سلسلة المجازر التي ارتكبها الصهاينة في سياق سياسة التنكيل والابادة والتهجير المتواصلة منذ أكثر من 22 شهرا أسفرت عن أكثر من 204 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين. في حين يستهدف سلاح التجويع اليوم أكثر من 2.4 مليون فلسطيني بالقطاع المحاصر .

واعتبرت حماس هذه الهدنة مجرد خطوة شكلية ومخادعة تهدف الى "تبييض صورة الاحتلال أمام العالم" في ظل الإبادة الجماعية والتجويع المتواصل .
فهذه الخطوة ليست أكثر من محاولة لذرّ الرماد على العيون وتأتي في سياق ضغوط أمريكية على مجرم الحرب نتنياهو بعد أن تعالت أصوات الرافضين لحرب الإبادة في كل مكان حول العالم . ان مشهد الأطفال وهو يموتون جوعا في غزة يهزّ الضمير العالمي والإنسانية جمعاء ويعري حقيقة المنظومة الغربية ويكشف زيف ادعاءاتها وتحيز ميزان مبادئها الذي لا ينتصر للضعيف والمظلوم اذا كان من لون ودين وعرق آخر .
في خضم ذلك تحدثت بعض الأنباء عن إمكانية احراز تقدم في المفاوضات بشأن غزة بعد سلسلة محادثات وهدنتين سابقتين تنصل منها نتنياهو. ولوح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو بإمكانية إحراز تقدم كبير في المفاوضات بشأن غزة، ربما لإسكات الغاضبين على النهج الأمريكي الذي يقف مع إسرائيل بكل عدوانها وظلمها وتنكيلها. وقد يعكس أيضا هذا التصريح إمكانية حدوث تغير في الاستراتيجية الأمريكية الراهنة في حرب غزة . اذ تتحدث تقارير إعلامية أمريكية عن وجود انقسام في الداخل الأمريكي حول السياسة المتبعة بشأن غزة. وهذا قد يدفع ترامب الى إعادة تقييم لاستراتيجية وسياساته في هذا الملف إثر فشل كل جهود الوساطة الدبلوماسية وتصاعد فاتورة الكارثة الإنسانية. وتعتبر هذه الأصوات المعارضة بأنه رغم مرور ستة أشهر على تولّيه الرئاسة، لم تتحقق أيا من وعود ترامب الانتخابية بشأن إيقاف الحرب بل إن الإدارة الترامبية غرقت أكثر في وحل هذه الحرب الصهيونية على غزة . وهي تتحمل أمام العالم والمنتظم الدولي المسؤولية الأكبر على كل الجرائم بوصفها شريك في المجزرة وفي التسليح والابادة وفي إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو ليتفنن في التقتيل بأسلحة فتاكة وبأساليب جديدة فاقت كل جرائم ما بعد النازية وفاقت توحش الانسان البدائي.
اليوم تمضي حكومة نتنياهو في حرب ابادة جنونية بلا حدود لتصفية القضية الفلسطينية ، ولكن رغم ارتفاع فاتورة الدم في غزة لا تزال المقاومة قادرة على توجيه ضربات تكتيكية لجيش العدو، وهذا يكسر خطط الاحتلال لاجتثاث أي نفس مقاوم وصامد في غزة. فمن الجلي بأن نتنياهو لم يستطع فرض شروطه واملاءاته في المحادثات الجارية في قطر رغم كل الضغوطات المسّلطة على فصائل المقاومة لتقديم سلاحها . وفشلت كل محاولات اخضاع المقاومة والاستسلام للمشروع الصهيوني الذي يعد المنطقة بعصر غير مسبوق من الهيمنة الإسرائيلية عسكريا وسياسيا واقتصاديا .
تلتحم المقاومة بشعبها وهذا سرّ صمودها فالإيمان بعدالة الحق والدفاع عن الأوطان ليسا وجهة نظر بل هي الروح التي تسكن الأجساد الهشة الذي قد يفتك بها الموت جوعا أو بالرصاص ولكن لا يمكن أن يمحي حقيقة انتمائها لهذه الأرض المغتصبة عنوة بخدعة تاريخية.
اليوم يتصاعد الحراك العالمي الداعي لوقف الإبادة وتتغير عديد المعطيات، فلم يعد الرأي العام الغربي مغيبا عما يحدث اليوم وحيثيات الإبادة باتت تنقل مباشرة عبر عدسات الكاميرات بكل ما تحمله من بشاعة ودموية . وهذا ما دفع دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إلى رفع بيان غير مسبوق للمطالبة بوقف "الكارثة الإنسانية"، معتبرة أن "منع وصول المساعدات الأساسية إلى المدنيين أمر غير مقبول". كما انضمت فرنسا مؤخرا الى دائرة الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية ، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل. وهذا يؤكد بان "إسرائيل" رغم تفوقها العسكري وتغولها وتوحشها والكارثة الانسانية التي ألحقتها بغزة وأحرجت حتى داعمي الكيان ، تعيش اليوم عزلة دبلوماسية غير مسبوقة .
غزة اليوم تنتظر الانتصار لجوع رضيع بائس وأجساد منهكة ونساء يبحثن في العراء عن قطرة مياه عساها تعيد بعض الحياة لروح كُسرت وأرض شُوهت من أجل إحلال مشروع الصهينة الاستعماري.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115