في ما وصفته بأنه ردّ مباشر ومنسّق مع الولايات المتحدة على إطلاق صاروخ باليستي استهدف مطار بن غوريون في تل أبيب. العملية، التي حملت اسم "مدينة الموانئ"، تبرز كحلقة جديدة في سلسلة التصعيدات الإقليمية المتزايدة التي باتت تفرض معادلة مواجهة متعددة الجبهات.
وأكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أن الضربة نُفذت بالتنسيق الكامل مع واشنطن، في دلالة على عمق الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين، لا سيما في مواجهة التهديدات القادمة من "الجبهة اليمنية" التي صعدت من هجماتها على إسرائيل باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيرة بعيدة المدى.
رغم تأكيد جيش الاحتلال أن الهجوم لن يُوقف بالضرورة إطلاق الصواريخ من اليمن، إلا أنه يشير إلى اعتماد ''إسرائيل'' على الضربات الاستباقية ضمن ما تسميه بعقيدة الردع الموسعة التي تشمل جميع المحاور المتصلة بمحور المقاومة، من اليمن إلى لبنان فسوريا وغزة.
وبالتزامن مع التطورات تأتي تحرّكات دبلوماسية ودعوات دولية متزايدة لوقف الحرب وسط انهيار فعلي للنظام الإقليمي العربي القديم، حيث لم تعد المحاور التقليدية قادرة على كبح الانفجارات الجيوسياسية. فالحرب على غزة، وخصوصا تهديد الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مخازن الغذاء ضمن سياسة "المجاعة المنظمة"، تمثل ذروة التعنت الصهيوني في القطاع .
وفي اليمن، فإن استهداف ميناء الحديدة – شريان الحياة الملاحي – يؤشر إلى قرار أمريكي إسرائيلي بخوض حرب استنزاف مفتوحة على أي طرف يشارك في دعم المقاومة الفلسطينية، حتى لو كان ذلك على حساب القانون الدولي.
ضربات متزامنة.. ورسالة سياسية
جاءت الضربة على اليمن مترافقة مع قصف جوي على أهداف في جنوب لبنان ومحيط دمشق، إلى جانب غارات عنيفة على مناطق متفرقة في قطاع غزة، خصوصا في رفح وخان يونس. هذا التزامن في توقيت الضربات يعكس تكتيكا عسكريا صهيونيا مدروسا لإظهار مخطط فتح نيران الحرب على أكثر من جبهة، ويُراد منه توجيه رسائل واضحة لطهران وحلفائها بأنّ "إسرائيل قادرة على إدارة حرب إقليمية منسقة'' .
وعشية تنفيذ الضربات، صادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت) بالإجماع على خطة موسعة لتوسيع الهجوم البري في قطاع غزة، تشمل احتلال القطاع بالكامل وفرض السيطرة العسكرية على كامل الأرض. القرار، الذي يشكل تحولا حاسما في الإستراتيجية الإسرائيلية، يُعد إعلانًا ضمنيًا بإفشال كل المبادرات الأممية والإقليمية الداعية إلى وقف إطلاق النار أو تنفيذ هدنة إنسانية.
وتطرح هذه الخطوة تحديات كبيرة، ليس فقط على صعيد الكلفة البشرية والعسكرية في غزة، بل أيضًا على مستوى ردود الفعل الإقليمية والدولية التي بدأت تعبر عن قلقها من "نية الاحتلال" الإسرائيلي.
هشاشة وتوسّع
وتكشف التحركات الإسرائيلية الأخيرة أنّ الحرب لم تعد محصورة بقطاع غزة، بل باتت جزءا من صراع إقليمي متعدد الطبقات. اليمن، الذي أصبح طرفا فاعلا في جبهة الدعم العسكري لفلسطين، يواصل إطلاق الصواريخ رغم الضربات، ما يفتح الباب أمام احتمالات التصعيد في البحر الأحمر والمجال الجوي للخليج.
في لبنان، يبدو أن الجبهة الشمالية تتجه نحو مزيد من الانفجار في ظل تبادل القصف المتكرر مع حزب الله، بينما تحتفظ سوريا بدورها كمسرح للضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة.
ووفق مراقبين فإنّ الهجوم الإسرائيلي الموسع تحت عنوان "مدينة الموانئ" لا يُمكن فصله عن المسار التصعيدي العام الذي تنتهجه حكومة نتنياهو في مواجهة محور المقاومة. وهو تكتيك يعكس في الوقت ذاته حالة من القلق الاستراتيجي إزاء تمدد رقعة المواجهة، وفشل السياسة العسكرية في احتواء الردود الصاروخية المتعددة الاتجاهات.
أما التنسيق الأمريكي الإسرائيلي، فيؤشر إلى أن واشنطن، رغم ضغوطها المعلنة على إسرائيل، لا تزال منحازة بالكامل للخيار العسكري، في ظل غياب أي إرادة دولية جادة لفرض تسوية سياسية أو وقف شامل لإطلاق النار.
زيارة الشرع إلى باريس
وبالتزامن مع ما تعيشه المنطقة من تطورات متسارعة في غزة واليمن ولبنان، تتجه الأنظار إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث يلتقي الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، اليوم الأربعاء بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول زيارة رسمية له إلى أوروبا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد. وتأتي هذه الزيارة وسط اشتعال الأوضاع في غزة، وتصعيد إسرائيلي أمريكي غير مسبوق في اليمن، ما يمنح اللقاء أبعادا جيوسياسية تتجاوز الملف السوري الضيق نحو مستقبل الاصطفافات الإقليمية بأسرها.
بعد سنوات من القطيعة مع دمشق، تستقبل باريس للمرة الأولى رئيس سوريا أحمد الشرع، المعروف سابقا بـ''أبو محمد الجولاني''،الذي تحول من قائد عسكري مثير للجدل في هيئة تحرير الشام، إلى وجه سياسي في مرحلة انتقالية غامضة وخطيرة وحساسة.
ورحّبت الرئاسة الفرنسية، في بيانها الرسمي، بالزيارة باعتبارها جزءا من ''الالتزام التاريخي لفرنسا تجاه تطلعات الشعب السوري''، مع تأكيد ماكرون على ''دعم سوريا حرّة، ذات سيادة، تحترم جميع مكوّنات المجتمع''، وهي عبارات تعكس حرص باريس على صياغة موقف متزن يجمع بين الواقعية السياسية والدبلوماسية الرمزية.
ويرى متابعون أنه لا يمكن فصل زيارة الشرع إلى باريس عن المشهد الإقليمي المحتدم. فغزة تحترق تحت نيران الهجوم الإسرائيلي البري والجوي، الذي توسّع ليشمل تهديدات صريحة بقصف مخازن الغذاء في القطاع، وسط حصار خانق ومجاعة تلوح في الأفق. في الوقت ذاته، تشن إسرائيل والولايات المتحدة ضربات متكررة على ميناء الحديدة في اليمن، في محاولة لشلّ قدرات جماعة أنصار الله الحوثيين على دعم غزة بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
وتتضح ملامح الربط بين الزيارة وبين محاولة فرنسية حثيثة لإعادة التوازن في معادلة الشرق الأوسط، خاصة في ظل تصاعد المحور المقاوم الذي بات يشكّل تحديا مباشرا للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. فزيارة الشرع، ولو بشكل غير مباشر، قد تصب في اتجاه مشروع عزل سوريا الانتقالية عن محور طهران – بغداد – بيروت – صنعاء، عبر إحياء مبادرة أوروبية ـ عربية لإعادة دمج دمشق في المحيط الإقليمي والدولي بشروط مغايرة وهو ماتناقلته تقارير دبلوماسية غربية.
الملف اللبناني في صلب المحادثات
ووفق نفس البلاغ لم تغفل الرئاسة الفرنسية عن التلميح إلى الوضع اللبناني، مؤكدة أن ماكرون سيحث الشرع على ''ضمان الاستقرار في لبنان''، في وقت تتزايد فيه المخاوف من انزلاق الجبهة الجنوبية إلى حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل.
من الواضح أن باريس تراهن على شخصية الشرع باعتباره يرغب في تثبيت شرعية سياسية مدنية على أنقاض الدولة الأمنية السابقة. لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، فالمجتمع الدولي لم يقرر بعد كيف يتعامل مع المرحلة الانتقالية السورية.وعلى الأرض، لا تزال أطراف عدة تسيطر على مفاصل سوريا، من الروس في الساحل إلى الإيرانيين في الجنوب، والأكراد في الشمال الشرقي، ما يجعل "سوريا الجديدة" محل تجاذب لا يبدو أن زيارة واحدة إلى باريس قادرة على حسمه.
دعوات إسرائيلية لقصف مخازن الغذاء بغزة
من جهته دعا مبعوث فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور،أمس الثلاثاء، العالم إلى التحرك في ظل دعوات مسؤولين إسرائيليين إلى قصف مخازن الغذاء والمساعدات في غزة.
جاء ذلك في ثلاث رسائل متطابقة بعث بها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر (اليونان)، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيليمون يانغ، بشأن مواصلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا".وقال منصور: "لا يمكن أن يقف العالم مكتوف الأيدي، بينما يدعو المسؤولون الإسرائيليون بلا خجل إلى قصف مخازن الغذاء والمساعدات في غزة لمنع المدنيين من الوصول حتى إلى ما تبقى من إمدادات ضئيلة، وهو ما يكشف عن نوايا تجويع الشعب الفلسطيني وحرمانه حتى الموت".
وشدد على "أهمية ألا يقف العالم مكتوف الأيدي بينما تستهدف إسرائيل العاملين الإنسانيين، وتزيد من قمعها للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الفلسطينية والإسرائيلية، فضلًا عن منظمات دولية أخرى".وأشار منصور، إلى أن قصف إسرائيل في مطلع ماي سفينة تابعة لتحالف "أسطول الحرية" في مياه مالطا، كانت تحمل مواد غذائية ومساعدات إنسانية أخرى لإنقاذ الأرواح، مما عرض حياة 16 عاملًا إنسانيًا وناشطًا في مجال حقوق الإنسان للخطر.
وطالب بضرورة "بذل كافة الجهود للضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، إضافة إلى بذل كل ما يلزم لحماية السكان المدنيين الفلسطينيين وضمان حصولهم على الإمدادات والمساعدات التي تضمن بقائهم.وأكد منصور على "أهمية محاسبة المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس وزرائهم (بنيامين نتنياهو)، ووقف الهجوم الجنوني على الشعب الفلسطيني في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية"، منوّها إلى "تزايد الخسائر المدنية والدمار والتهجير بشكل يومي على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الإرهابيين".
وطالب "بضرورة إدانة جميع المخططات والإجراءات الإسرائيلية الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، وضرورة وقفها باستخدام جميع الأدوات الدبلوماسية والسياسية والقانونية والاقتصادية المشروعة المتاحة للمجتمع الدولي، بما في ذلك فرض حظر فوري على توريد الأسلحة لإسرائيل".وفي تحريض جديد على ارتكاب مزيد من جرائم جماعية بحق المدنيين، دعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو ، إلى فرض المجاعة على الفلسطينيين بغزة واستهداف مخازن الغذاء، في محاولة لدفع السكان إلى الهجرة القسرية تحت الضغط والجوع.
وقال إلياهو، إنه "لا توجد مشكلة في قصف مخازن الوقود والغذاء"، مضيفا: "يجب على الغزيين أن يجوعوا".وينتمي إلياهو إلى حزب "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) بزعامة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، وهو أحد أبرز وجوه اليمين الإسرائيلي الداعم لتوسيع الحرب على القطاع.ودعا الوزير إلى تحرك عسكري ضخم ضد غزة قائلاً إن "الخطاب المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية يضعف القدرة القتالية".ومضى إلياهو: "ما دمنا نطعم من يضطهدنا ويقاتلنا، فإننا نؤذي مختطفينا وجنودنا الذين يُجبرون على العودة لمقاتلة أناس أقوياء بدلًا من إضعاف العدو".