لبنان على مفترق طرق ضغوط دولية لنزع سلاح المقاومة ومخاوف من الانفجار

يعيش لبنان على وقع تحديات غير مسبوقة في خضم

تزايد الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح المقاومة . فما عجزت دولة الاحتلال عن تنفيذه طيلة الأشهر الماضية من خلال الحرب المباشرة على لبنان ، تحاول تحقيقه من خلال ممارسة الضغوطات الدبلوماسية والسياسية عبر الولايات المتحدة التي بعثت برسائل عديدة الى لبنان تؤكد حتمية نزع السلاح الوحيد القادر على حماية لبنان من خطر الاحتلال الصهيوني .

الخطة الأمريكية
وتتضمن الخطة الامريكية لنزع السلاح بحسب ما اقترح المبعوث الأمريكي توماس برّاك على المسؤولين اللبنانيين، خريطة طريق لنزع سلاح حزب الله بالكامل، مقابل وقف إسرائيل هجماتها على لبنان وسحب قواتها من خمس نقاط لا تزال تسيطر عليها في جنوب لبنان. وتضمن الاقتراح شرطا بأن تصدر الحكومة اللبنانية قرارا وزاريا يتعهد بوضوح بنزع سلاح حزب الله.
ويأتي في هذا السياق اجتماع مجلس الوزراء اللبناني امس الثلاثاء لإجراء نقاش بشأن سلاح حزب الله بعد أن كثفت واشنطن ضغوطها على الوزراء لتقديم تعهد علني بنزع السلاح . وهي المرة الأولى التي يناقش فيها مجلس الوزراء مصير سلاح حزب الله.
مرحلة جديدة
تدرك دولة الاحتلال بان نزع سلاح حزب الله هو مطلب صعب المنال ولكنه تدفع الى دخول لبنان في أتون حرب أهلية جديدة لإضعاف الحزب داخليا من خلال الهائه بحروب هامشية من اجل اضعافه . وفي خضم ذلك يبدو ان البلد دخل المرحلة الأخطر من التحديات الجيوسياسية التي تهدد بتغيير ملامح التوازنات الداخلية الهشة، وذلك في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية وسط اضطراب إقليمي متزايد، على وقع الحرب الإسرائيلية المفتوحة ضد إيران وحرب الإبادة في غزة ، والتحولات الجارية في خريطة النفوذ بالمنطقة.
في الداخل اللبناني، تتفاعل الدعوة الأمريكية مع انقسام حاد في المواقف السياسية، حيث يلتقي خطاب رئيس الجمهورية جوزيف عون، الصادر نهاية جويلية، مع الرؤية الغربية من حيث التأكيد على "احتكار الدولة للسلاح"، ودعوة القوى السياسية لتسليم أسلحتها، في مقابل رفض قاطع من قبل حزب الله، الذي يرى في هذا المسار محاولة لتجريده من أدوات الدفاع في وقت تتصاعد فيه التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان.
ووضع عون رؤية موازية تقوم على دعم المؤسسة العسكرية، عبر خطة للحصول على تمويل سنوي يقدر بمليار دولار، على مدى عقد من الزمن، لتمكين الجيش من ضبط الأمن والسيادة على كامل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك جنوب الليطاني الذي لا تزال أجزاء منه تحت الاحتلال الإسرائيلي.
واشنطن تضغط...
اللافت في المشهد أن الدعوة لنزع السلاح جاءت في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي خروقاته للقرار 1701، مستمرا في احتلال خمس نقاط حدودية، ومرتكبا عمليات قصف واغتيال داخل الأراضي اللبنانية. ويرى حزب الله، الذي التزم من جانب واحد بوقف إطلاق النار، وبإشراف اللجنة الخماسية، في هذا الواقع دليلا على انتقائية المجتمع الدولي، الذي يغض الطرف عن خروقات إسرائيل، في الوقت الذي يطالب فيه الحزب بالتخلي عن سلاحه.
ويبدو موقف واشنطن أكثر حدة، حيث تشترط تسوية ملف السلاح مقابل المساعدة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، في معادلة يرى فيها كثيرون ابتزازا سياسيا واقتصاديا، يعكس حجم الدعم الأمريكي اللامحدود لتل أبيب، ويكشف عن مشروع إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة لصالح ''إسرائيل'' في سياق "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي تسعى إلى تكريسها كأداة لإدارة شؤون الشرق الأوسط.
في خلفية المشهد، تدرك واشنطن أن سلاح حزب الله ليس مجرد ملف داخلي لبناني، بل له ارتباطات مباشرة بحلف او محور ايران التي تواجه بدورها ضغطا متصاعدا في ظل الصراع مع "إسرائيل" والتوترات مع الغرب. لذلك فان استهداف سلاح الحزب لا يمس فقط المقاومة اللبنانية بل داعمي نهجها وفي مقدمتهم ايران الأمر الذي يعزز من احتمالات التصعيد الإقليمي.
سيناريوهات قاتمة
أمام هذه المعطيات، تبدو خيارات الحكومة اللبنانية ضيقة ومليئة بالألغام بين الرضوخ للضغوط الدولية واتخاذ قرار بنزع السلاح بالقوة، وهو ما يُنذر بانفجار داخلي قد يعيد البلاد إلى مشهد الحرب الأهلية، ويقوض الصيغة السياسية القائمة على التوازن الطائفي والتوافق الوطني. وبين الاتجاه نحو مسار الحوار الوطني الداخلي بشأن مستقبل السلاح، بما قد يؤجل القرار إلى ما بعد انتهاء المهلة الأمريكية، وهو مسار لا يُرضي الولايات المتحدة ولا إسرائيل.
وبات الملف اللبناني اليوم جزءا من مشروع أكبر تسعى واشنطن إلى تسويته في أقرب الآجال، مستفيدة من الانشغال الروسي في أوكرانيا. ضمن هذا السياق، تحاول الولايات المتحدة إنهاء الملفات العالقة في الشرق الأوسط، بما فيها سلاح حزب الله، مستقبل حماس في غزة ، واضعاف الدور الإيراني خاصة في سوريا والعراق.
في نهاية المطاف، لا يتعلق الملف اللبناني بحدوده الضيقة، بل هو امتداد لصراع نفوذ أكبر. وبينما تسعى واشنطن لتسليم قيادة الإقليم لتل أبيب، يتعاظم القلق من أن يكون لبنان ساحة اختبار جديدة لهذا الانتقال. فهل ينجح الداخل اللبناني في تفادي الانفجار؟
وتأتي الجلسة في ظل تصاعد الضغوط الدولية خلال الأيام الماضية، ما أضفى على المشهد السياسي والدبلوماسي طابعا طارئا قد يسرع اتخاذ قرارات حاسمة.ووفق المعلومات، لم تهدأ الاتصالات بين الرئاسات الثلاث، أي رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، وتشمل أيضا قنوات تواصل مباشرة مع "حزب الله"، وذلك في محاولة لتهيئة أجواء مناسبة لانعقاد الجلسة.
وانتشرت أيضا دعوات إلى الإضراب العام بالتزامن مع انعقاد الجلسة، دون أن تتبناها أي جهة حزبية رسميا، إذ جاءت الدعوات من أكاديميين ورجال دين دون تحديد أماكن واضحة للتجمع أو طبيعة التحرك الميداني.
وأكدت مصادر وزارية أن الرؤساء الثلاثة، جوزيف عون ونواف سلام ونبيه بري، توصلوا إلى توافق مبدئي على خطتين واضحتين: الأولى، إقرار مبدأ حصر السلاح بيد الدولة وتطبيقه على جميع القوى غير الشرعية دون استثناء، والثانية تحديد مهلة زمنية نهائية للتنفيذ تنتهي في 31 جانفي 2025، ما يتيح تنفيذ الخطة على مراحل دون تصعيد مباشر.
وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري تأييده مشاركة الوزراء الشيعة في الجلسة وعدم مقاطعتها، مشددا على حرصه على العمل لكل ما يخدم لبنان ويحافظ على أمنه.وأشار وزير العدل عادل نصار إلى أن الجلسة تواجه عدة سيناريوهات، من بينها إتاحة مزيد من النقاش وتأجيل البت في بند السلاح إلى جلسة تعقد يوم الخميس المقبل، لافتا إلى أنه سيطالب بجدول زمني لتسليم سلاح حزب الله.
حزب الله يحذر..
في المقابل، حدد حزب الله موقفه، على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بقوله في كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال رئيس هيئة أركان الحزب فؤاد شُكُر بضربة إسرائيلية؛ إن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي".
كما اتهم الشيخ نعيم قاسم المبعوث الأمريكي باراك بممارسة "التهديد لمساعدة إسرائيل"، وأن "الخطر الداهم هو العدوان الإسرائيلي"، مطالبا "بإيقاف العدوان، وليس تسليم السلاح لإسرائيل"، معتبرا بقاء إسرائيل في النقاط الخمس المحتلة جنوب لبنان "مقدمة للتوسع، وليست نقاطا من أجل المساومة ولا التفاوض عليها".
بهذا الإعلان، حسم حزب الله موقفه برفض تسليم سلاحه وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية الجديدة، مع الإشارة إلى أن الحزب كان قد أجرى في جولات متعددة سابقة حوارات مع الرئاسة اللبنانية، وناقش فيها "الإستراتيجية الدفاعية" للبنان، والتي تقتضي "ضم" قوات المقاومة مع الجيش اللبناني بصيغة توافقية بين الطرفين، شرط أن تفي إسرائيل بالتزاماتها؛ أي انسحابها من النقاط الخمس المحتلة، وبإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وبوقف عدوانها على الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115