أثارت الإعجاب في "معرض إكسبو" في اليابان: جدارية الفسيسفاء العملاقة للفنان الطيّب زيّود تعرّف بأقدم زيتونة تونسية

هي الزيتونة الجذور والأصول والظلال، هي الزيتونة الأسطورة والهوية والثروة، هي الزيتونة الخصب والأمان والسلام

هي الزيتونة التونسية التي صنعت الاستثناء في أرض اليابان، لتخطف الأضواء وتثير الفضول بأغصانها الورافة والمتشابكة كأحجية الحياة وبجذعها المتأصل الجذور في قلب الأرض ، في عمق التاريخ... فلا غرابة أن تتوقف الأعين معجبة ومستحسنة ومندهشة أمام جدارية الفسيفساء العملاقة للفنان الطيّب زيّود والتي تعرّف بأقدم زيتونة في تونس وفي القارة الإفريقية.

في "يوميشيما"، الجزيرة الصناعية اليابانية، وعلى أرض أوساكا التي تحتضن جل دول العالم على امتداد ستة أشهر ضمن فعاليات معرض "إكسبو أوساكا – كانساي" لسنة 2025، افتتحت تونس رسميا، جناحها في هذا الحدث العالمي الذي يلتئم تحت شعار " تصميم مجتمع المستقبل، من أجل حياتنا "، والذي من المنتظر أن يستقطب ما يناهز 30 مليون زائر.

زيتونة الهوارية في اليابان

هي " شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك.هي سيدة السفوح المحتشمة . بظلها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة. تقف كأنها جالسة، وتجلس كأنها واقفة". وهي الزيتونة التونسية الشامخة والصامدة والمعطاءة التي رسمها الفنان الطيّب زيود بالفسيفسفاء قطعة تلو قطعة ، حجرة تلو حجرة، جذع تلو غصن ... لتتجلّى الزيتونة كآلهة من الجمال ورمز للسلام . في اليابان، أبهرت لوحة الفسيفساء التي كان اسمها "الزيتونة" الزوّار، وهي التي حدثت كل من وقف أمامها عن أمّها قرطاج، وعن نور زيتها، وعن جذورها التي هي "لا شرقية ولا غربية" ... هي ببساطة الزيتونة التونسية التي تشكلت في لوحة فسيفسائية ضخمة الأبعاد وعميقة الرمزية ومدهشة الجمالية صنعت بأيادي حرفيات تونسيات مبدعات من ولاية المهدية في تأطير من الفنان الطيب زيود وتحت إشراف الديوان الوطني للصناعات التقليدية وبالتعاون مع مركز النهوض بالصادرات.
في إبداع مخصوص وخاص بمعرض إكسبو في أوساكا اليابانية، وكثمرة عمل دؤوب كان يصل الليل بالنهار، تجاوز ثلاثة أشهر من الجهد والتعب والكثير من الشغف... تم إنجاز لوحة فسيفساء "الزيتونة" بخصائص فنية عالية الجودة على مساحة حوالي 40 م2. لم تكن الأبعاد القياسية وحدها هي ميزة هذه اللوحة، بل يكمن سرّ عظمتها في تجسيد صورة أقدم وأكبر شجرة زيتون في الجمهورية التونسية التي توجد في مدينة "الشرف" التابعة لمعتمدية الهوارية شمال تونس. هذه الزيتونة الطاعنة في السن والأرض، تجاوز عمرها 2500 عاما والتي تعدّ أقدم زيتونة في القارة الإفريقية وتعود إلى العهد الفينيقي. ولا تزال إلى اليوم صامدة وشامخة وجميلة بظلالها وخضرتها ومعطاءة في زيتونها وزيتها الفريد من نوعه، حيث "أكد أهالي المنطقة أن مذاق زيت زيتونها يختلف تماما عن مذاق زيت الزيتون العادي وهو يشبه مذاق اللوز".

490 ألف حجرة وإبداع حرفيات تونسيات
بمنتهى دقة الهندسة و حذق الفن وشاعرية الإحساس، تمّ تصميم لوحة "الزيتونة" باستعمال 490 ألف حجرة معدّة للغرض وبحرفية عالية من الفنان المشرف الطيب زيود وبمهارة كبيرة لأنامل حرفيات المهدية. وتعتبر لوحة " الزيتونة"، من أكبر جداريات الفسيفساء.
في عودة إلى الأصول ورجوع إلى التاريخ البعيد، يعتبر الفنان الطيب زيّود من القلائل في تونس الذين يشتغلون على فن الفسيسفاء باعتبارها من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان وباعتبار الإرث الثمين من اللوحات الفسيفسائية الذي يرفع شأن تونس بين الأمم ويجعل متحف باردو قبلة الوفود والسياح. ودأبت تونس على المشاركة في معرض اكسبو اليابان منذ أوّل دورة في لندن سنة 1851، في "تأكيد راسخ لانخراطها العميق في قيم الحوار والتعاون والانفتاح على العالم". وهذا العام أكدت حضورها من خلال جناح وطني يمتدّ على مساحة 300 متر مربع، يحمل عنوان "رنين" ، ويقع ضمن فضاء "إنقاذ الحياة البشريّة" ، تحت محور "الشراكة في مجالات التجديد والعلوم والتكنولوجيا" . ويمتدّ إكسبو 2025 على مساحة تناهز 155 هكتارًا، وقد تم تصميمه حول حلقة خشبيّة ضخمة يبلغ قطرها 615 مترًا، من إبداع المهندس المعماري الياباني سو فوجيموتو.
في معرض "إكسبو أوساكا – كانساي" لسنة 2025، حطت تونس الرحال بكل ثقلها التاريخي والحضاري والثقافي... لتنقل بعضا من سحر صحرائها ومن عبق عطورها ومن شذى ياسمينها ... لتثبت مختلف فنونها وصناعتها التقليدية وحرفها اليدوية و معزوفتها الموسيقية أن تونس أرض الحوار والسلام، وبلد الجمال والاستثناء في رحلة جعلت قرطاج تُبهر اليابان !

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115