دونالد ترامب ونزعة "الحرب الاقتصادية": المكسيك وكندا والصين والاتحاد الأوروبي في مواجهة واشنطن

لم يتأخر كثيرا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلان عن فرض ضرائب إضافية على الواردات من كندا والمكسيك والصين

في انتظار الإتحاد الأوروبي. كما فعلها خلال ولايته الأولى، عاود ترامب الكرة في نفس الأسلوب وبنفس الطرسقة مقتنعا أنه سوف يصل إلى مبتغاه. لكن هذه المرة لم تسلم الجرة.

إبان اعلان واشنطن تنفيذ القرارات الرئاسية مباشرة حتى أعلن المكسيك وكندا والصين عزمهم اتخاذ إجراءات مضادة لما قرره دونالد ترامب في خطوة، كما صرح به مسبقا، لحماية الاقتصاد الأمريكي. يتمتع دونالد ترامب في هذه الولاية الثانية بمساندة الكونغرس تحت سيطرة الجمهوريين، وهو ما شجعه أمام تدهور الاقتصاد الأمريكي على توجيه اللوم لحلفائه وخصومه. وإن لم يفهم حلفاء الأمس موقف الرئيس الأمريكي فإن خصومه أظهروا أنهم أصبحوا جاهزين للمواجهة.
الإنقلاب على حسن الجوار
أظهر دونالد ترامب منذ حملته الانتخابية أنه لم يع بالتغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي من تشكيل قوة "الجنوب الشامل" حول صعود "البريكس" و عدم قدرة الأوروبيين، وهم الحلفاء الأساسون للولايات المتحدة الأمريكية ولنظام العولمة، على صد العدوان الروسي على أوكرانيا. بل واصل في مقولة "أمريكا أولا" التي يترجمها عمليا عبر الإجراءات الإقتصادية ضد حلفائه وفي مقدمتهم الجارتان المكسيك وكندا في انتظار أوروبا. واستبدل الحوار و التفاوض بفرض العقوبات بطريقة أحادية. لكن هذه المرة، يبدو أن المعطيات الدولية قد تغيرت.
فإثر إعلان واشنطن على فرض 25% إضافية على الرسوم الجمركية ضد المنتوجات المكسيكية والكندية ، تحركت مكسيكو وأوتاوا لمواجهة القوة العظمى الأولى . فأعلن الوزير الأول الكندي جوستين ترودو عن قرارت مضادة رفع بها الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية بنسبة 25% من خضر و فواكه وأدوات منزلية ومشروبات كحولية ومواد للبناء والنفط والغاز وغيرها من السلع. واعتبر أن هذه الطريقة المتبعة سوف تضر بأمريكا وكندا على السواء وسوف ترفع الأسعار في البلدين. واعتبر ترودو أن قرار ترامب هو "عقوبة" وأنه كان من الأفضل الجلوس معا للتفاوض.
أما رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم فقد نددت بالموقف الأمريكي وذكرت أن بين المكسيك والولايات المتحدة معاهدة وقع عليها دونالد ترامب نفسه مع الرئيس المكسيكي لوباز أوبرادور. واعتبرت أن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% سيكون له تأثير سلبي على الولايات المتحدة والمكسيك معا. ورفضت اتهام المكسيك بأنه شريك مع عصابات المخدرات. وذكرت الرئيسة المكسيكية في خطاب تلفزي للشعب المكسيكي تقريرا صادرا عن وزارة العدل الأمريكية نشر يوم 8 جانفي 2025 يقر بأن 74% من الأسلحة المستعملة في الولايات المتحدة من قبل عصابات المخدرات تأتي من المصنعين الأمريكيين الذين يزوذونهم بها بطريقة غير قانونية. وتوجهت كلاوديا شينباوم برسالة إلى المكسيكيين المقيمين في الولايات المتحدة، وعددهم يفوق 30 مليون نسمة أي أكثر من 10% من سكان الولايات المتحدة، قائلة "إذا أردتم العودة إلى المكسيك فسيتم الترحيب بكم بأذرع مفتوحة". وكان تهديدا ضمنيا باحداث شلل داخل المجامع الأمريكي بما للمكسيكيين من دور في المجامع والإقتصاد الأمريكي.
وخلال مكالمتين عبر الهاتف مع الرئيسة المكسيكية والوزير الأول الكندي تراجع دونالد ترامب على تهديداته وأجل تنفيذ قراره لمدة شهر بعد أن حصل على موافقة البلدين العمل على مقاومة الهجرة تجاه الولايات المتحدة وعصابات المخدرات. وإن اعتبر جوسبين ترودو أن الهجرة إلى الولايات المتحدة لا تفوق 1% من جملة المهاجرين فإنه وافق على الاتفاق خاصة أنه مستقيل وأن كندا تنتظر تعيين وزير أول جديد خلفا له.
أوروبا في انتظار المقاومة
أعلن دونالد ترامب في خطابات سابقة أنه سوف يفرض على أوروبا رسوم جمركية إضافية بدون أن يحدد نسبتها. لكن الأوروبيين جهزوا من ناحيتهم عددا من الإجراءات المضادة في صورة دخلت الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطتها. واعتبرت بروكسل أنها سوف تفرض على شركات "غافام" التكنولوجية رسوما جمركية لإجبارها على دفع ضرائبها في البلدان الاوروبية بنسبة 15% كما تم الاتفاق في ذلك مع الرئيس جو بايدن. وأحضرت المفوضية جملة من الرسوم الجمركية الجديدة المضادة تستهدف المنتوجات الأمريكية وكلها جاهزة للتنفيذ. وهو ماجعلصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تصف قرارات ترامب ب"حرب اقتصادية" موجهة ضد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.
ملف العلاقات الأمريكية الأوروبية يشكو من تفاقم تكلفة الحرب في أوكرانيا على ميزانيات الدول الأوروبية وكذلك على الولايات المتحدة. وتخشى العواصم الأوروبية انسلاخ واشنطن من دعمها لكييف في نفس سياق الحرب الاقتصادية في إطار شعار "أمريكا أولا". تبقى البلدان الأوروبية رهينة في هذا الموضوع بسبب عدم قدرتها على صناعة ما يكفيها من أسلحة ومعدات حربية وتوريد 70% من مستحقاتها من السوق الأمريكية. يبقى الموقف الأوروبي من مسألة الإستحواذ على غروينلاند الذي تبلور في الزيارة المكوكية التي قامت بها الوزير الأولى الدنيماركية و المواقف الرسمية الرافضة للخطاب الأمريكية التي عبر عنها المستشار الألماني شولتز والرئيس الفرنسي ماكرون. وعبرت فرنسا عن رغبتها المشاركة في أي عمل "أمني" يطلب منها من قبل الدانمارك وخاصة في حماية مياهها الإقليمية. وهي إشارة غير عادية لم يسبق لباريس أن عبرت عن مثلها لإمكانية الدخول في مقاومة مسلحة ضد الحليف الأمريكي.
الصين تتحرك
من جهتها عبرت الصين عن امتعاضها من قرار دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية بنسبة 10% على كل المنتوجات الصينية. وقررت بكين فرض نسبة إضافية ب 10% على الرسوم الجمركية لعدة مواد أمريكية منها المعدات الزراعية والعربات والسيارات الرياضية. وفرضت وزارة الاقتصاد نسبة إضافية ب 15% على الغاز الطبيعي والفحم. وقررت بيكين تقديم شكوى ضد واشنطن لدى منظمة الاقتصاد الدولي التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأعلنت الحكومة فتح تحقيق في شأن شركة "غوغل" بتهمة عدم احترام قانون عدم الاحتكار الصيني. وأعلنت فتح تحقيق آخر ضد شركة "إيلومينا"المتخصصة في البحوث البيولوجية وشركتي كلفين كلاين وجيمي هيلفيغار بسبب إيقاف توريد القطن الصيني.
دخول دونالد ترامب في "حرب اقتصادية" سوف يضفي، حسب خبراء في الاقتصاد، إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية ورفع نسب الفائدة مما يؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي الذي يعتمد أساسا على الدولار الأمريكي فب معاملاته. وهو سيناريو من الممكن أن يسرع دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بعد أن أظهر الاقتصاد الأوروبي والصيني والبريطاني تراجعا في الأشهر السابقة. وضع شائك على المستوى الدولي سوف يؤثر سلبا على الحياة العامة في باقي القارات لما لنظام العولمة من تداعيات على الاقتصادات المحلية خاصة وأن الإدارة الأمريكية أوقفت الإعانات للدول النامية وقررت إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية التي كانت سندا قويا لإعانة البلدان الفقيرة.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115