انقشاع السحب بين فرنسا والجزائر: زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر تفتح عهدا جديدا

بعد المحادثة التلفونية يوم 31 مارس بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون،

انتقل وزير الخارجية الفرنسي جون نوال بارو إلى الجزائر في زيارة رسمية التقى فيها نظيره أحمد عطاف قبل أن يتباحث مباشرة مع الرئيس تبون لمدة ساعتين ونصف حول المسائل العالقة بين البلدين منذ أكثر من ثمانية أشهر.

وكانت العلاقات الثنائية قد تدهورت بصفة ملحوظة بعد أن أعلن الرئيس ماكرون اعترافه بأحقية المغرب في الصحراء الغربية ومساندة مشروع الرباط في تنظيم استفتاء حول الحكم الذاتي. وهو ما أغضب الجزائر التي قررت سحب سفيرها من باريس وتعطيل العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع فرنسا. وتضاعفت الأزمة إثر إيقاف ومحاكمة الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال على خلفية تصريحات اعتبرتها السلطات الجزائرية "مسا من السيادة الترابية للجزائر". ووصلت الأزمة إلى أشدها بعد أن رفضت الجزائر، في مناسبتين، استقبال أشخاص جزائريين مرحلين من قبل باريس وإرجاعهم لفرنسا على متن نفس الطائرة التي أقلتهم إلى العاصمة الجزائر. وكان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، بموافقة من الوزير الأول، قد صعد الأزمة وهدد الجزائر بإبطال التعامل باتفاقية الشراكة بين البلدين.
مرحلة تعاون على أسس ندية
ولم تسترجع الدبلوماسية دورها إلا بعد تدخل الرئيس ماكرون الذي أكد في شهر مارس على أن العلاقات مع الجزائر هي من ضمن العمل الدبلوماسي ومسؤوليات الرئاسية مستثنيا بذلك وزارة الداخلية. وتطورت العلاقات إلى يوم 31 مارس حيث تحادث الرئيس ماكرون مع الرئيس تبون وقررا إعادة العلاقات وإرسال وزير خارجية فرنسا للجزائر لفتح "مرحلة جديدة" بين البلدين. وكان لجون نوال بارو محادثة، في مرحلة أولى، مع وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف دامت قرابة الساعتين تباحثا فيها "كل المواضيع المطروحة" خلال الزيارة وهي تتعلق بمسائل الهجرة والاقتصاد والأمن.
ومنها استقبل الرئيس تبون، في جلسة ثانية، وزير خارجية فرنسا حيث تقرر فتح صفحة جديدة للتعاون بين البلدين "على أساس المساواة بين الطرفين" كما أكد على ذلك وزير خارجية فرنسا. وتبين في هذه الأزمة أن الجزائر كانت قد أخذت، ولأول مرة، قرارات حاسمة ضد فرنسا بتعطيل العلاقات التجارية معها. فمن 5،6 مليار يورو من المبادلات عام 2023 انخفضت إلى 50 ألف يورو عام 2024. وحرصت الجزائر على فتح أسواقها على مزودين آخرين وفي مقدمتهم روسيا والصين. وتمكنت من الاستغناء على الحبوب والسيارات والناقلات البحرية الفرنسية. مما أثر سلبا على العلاقات وهدد تواجد باريس في المنطقة المغاربية. وكان الملف الأمني من أهم المسائل التي سهلت تغيير الموقف الفرنسي. وكانت باريس قد عملت في السابق على الوقوف ضد "اتفاق الجزائر حول مالي" الذي اقترح تسوية بين الفصائل المتخاصمة في مالي. ولم تنجح باريس في مشاريعها، بل اضطرت على سحب قواتها العسكرية من المنطقة.
مواضيع حساسة
وأن لم يتم الحديث رسميا على "مسألة الصحراء الغربية"، فإنه يبدو أن الإرادة الجزائرية تتجه نحو تحييد هذه المسألة وتحقيق "نجاحات" في ميادين أخرى. وإضافة إلى إعادة التعاون في المسألة الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي مع خشية رجوع الجهاديين من سوريا،أعلن الجانب الفرنسي أن زيارة جون نوال بارو للجزائر هي مرحلة لفتح صفحة تعاون جديدة مبنية على الندية بين الطرفين. وفي هذا الإطار استعمل عبارة "التعاون الإستراتيجي" مع الجزائر في مسألة الأمن في الساحل الإفريقي. وهي عبارة دبلوماسية تدل على أن فرنسا تتجه نحو "إشراك" الجزائر في التعاون حول أمن المنطقة. وسوف يزور جيرالد درمانان وزير العدل الفرنسي في الأسابيع القادمة الجزائر للتباحث في المسائل القضائية والقانونية المشتركةوخاصة قضايا الفساد والنظر في ملفات "الأموال المكتسبة بشكل غير مشروع" لمسؤولين جزائريين في فرنسا.

وتقرر عقد اجتماع ثنائي بين رجال الأعمال الفرنسيين والجزائريين في فرنسا خلال الشهر الحالي لدفع التبادل بين البلدين. لكن القضية الحساسة تبقى مسألة المهاجرين ووسيلة التعاون معهم. وقبلت فرنسا الرجوع إلى معاهدة 1994 وتطبيق بنودها ومنها، أساسا، التعاون، كما تنص عليه المعاهدة، بين القنصليات الجزائرية في فرنسا و "الولات" التابعين لوزارة الداخلية، وتحييد وزير الداخلية تباعا في مسألة تطبيق عمليات الترحيل بعد التحقق في قانونيتها من الجانب الجزائري. ويرتبط هذا الموضوع بمسألة منح المواطنين الجزائريين تأشيرات السفر وتسهيل العمليات في شأنها. وهي مطالب جزائرية ملحة.
وأعلنت الجزائر أن الرئيس عبد المجيد تبون قد أذن باستدعاء المؤرخ الفرنسي بنجامين سطورا الذي يبحث مع الجزائريين في مشروع "مصالحة الذاكرة" الذي عهد للمؤرخين الجزائريين والفرنسيين من أجل إيجاد سبل التقارب في إغلاق ملف الاستعماروفتح باب التعاون عبر وسائل وإجراءات تقرب الجهتينمن المصالحة التاريخية. وسوف يواصل سطورا العمل على "استرجاع الممتلكات الثقافية" الجزائرية الموجودة في فرنسا في خطوة لتهدئة النفوس بعيدا عن متاهات السياسة.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115