بقصف مكثف على أنحاء مختلفة من أوكرانيا وخاصة على مناطق سكنية في العاصمة كييف. وأعلن الجيش الأوكراني أن البلاد استهدفت يوم الأحد فقط ب 69 صاروخا بالستيا و298 طائرة بدون طيار (درون) أدت إلى مقتل 13 شخصا من بينهم أطفال ومدنيون. وكانت العاصمة قد استهدفت يوم الجمعة الماضي ب 14 صاروخا و250 درون في حين أعلن الجيش الروسي أنه قصف "مركبا لصنع السلاح العسكري".
وعلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تدوينة على شبكة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي التي يمتلكها أن "الرئيس بوتين أصبح أهبلا تماما" معتبرا أنه يشاركه علاقات طيبة ولكن "شيئا ما حصل له". وأضاف في نفس التدوينة أن كان يعتبر دائما أن بوتين "يريد كل أوكرانيا، ليس فقط جزء منها، وهو من الممكن أن يبدو صحيحا، لكن إذا قام به فسوف يضفي ذلك إلى سقوط روسيا." عبارات تحمل في طياتها من المعاني ما يظهر أن الرئيس الأمريكي أصبح مستاء من "حليفه الروسي" وأنه يتجه ربما إلى الرجوع إلى العقيدة الأمريكية التقليدية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية والتي تعتبر روسيا خطرا على العالم الحر وعدوا أساسيا.
لكن الرئيس الأمريكي، بعد أن تحاور الأسبوع الماضي مع الرئيس الروسي مدة ساعتين ونيف، بدون التوصل إلى نتائج ملموسة في خصوص المسألة الأوكرانية لم يحرك ساكنا تجاه موسكو بالرغم من المطالب الرسمية التي تقدم الرئيس فولوديمير زلينسكي الداعية إلى العمل على إيقاف القصف الروسي وإرساء وقف إطلاق النار مؤكدا على حرصه الدخول في مفاوضات مباشرة مع روسيا.
مفاوضات بدون جدوى؟
تغيير الموقف الأمريكي المعلن في خطاب ترامب يقتصر على البعد السيكولوجي. فهو لم يغادر منطقة الانطباع أن ترامب "ليس راضيا على ما يقوم به بوتين" لأنه "يقتل أناسا كثيرين". وقال ترامب للصحفيين: «أنا أعرف بوتين منذ زمن طويل وكنا نتفاهم دائما، لكنه يرسل قذائف على المدن ويقتل أشخاصا وهو ما لا يروق لي." هذا الكلام لم يرتق إلى مستوى الخطاب السياسي الذي يوضح موقفا استراتيجيا أو يضيء الطريق أمام تحرك محتمل للولايات المتحدة الأمريكية.
وبالرغم من المفاوضات التي دارت في إسطنبول بين الجانبين فإن البلدان الأوروبية نادت على لسان رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كلاس بتسليط "ضغط دولي على روسيا" في حين نددت برلين بما اعتبرته "إهانة، بما في ذلك بالنسبة للرئيس دونالد ترامب الذي قام بمجهودات جسيمة لجلب بوتين إلى طاولة المفاوضات". وفي حين تحاول أوروبا فرض حالة من الضغط عبر تطبيق حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، اقتصر البيت الأبيض على تصريحات الرئيس ترامب بدون رفع سقف العقوبات. هذا الوضع المنقسم في صفوف البلدان الغربية لا يخدم، حسب جل المحللين العسكريين، أي تقدم تجاه مفاوضات جدية لإحلال السلام.
تغيير موازين القوى الدولية
أصبح بالكاشف أن الحرب على أوكرانيا تدخل في إطار إعادة تشكيل موازين القوى في العالم. فمنذ اندلاع الحرب في فيفري 2014 بضم روسيا شبه جزيرة القرم لم تتمكن القوى الأوروبية والأمريكية من إيقاف النظام الروسي عسكريا. ولم تنجح إلى حد الآن في تقديم الدعم العسكري والمالي اللازم لتحرير الأراضي الأوكرانية التي ضمتها موسكو للفدرالية الروسية بالرغم من الصواريخ طويلة المدى التي تقصف مواقع على بعد 1000 كم في العمق الروسي. بل فتح ذلك بابا جديدا للتسلح في أوروبا والولايات المتحدة الذي يشير إلى تقلبات جديدة ممكنة. من ناحية أخرى أعطى الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية في موسكو يوم 9 ماي ـ في غياب البلدان الغربية – مشهدا لتجمع كتلة من قوى "الجنوب الشامل" الداعمة لموسكو شمل الصين والبرازيل ومصر وعدد كبير من البلدان التي ترى في مجموعة "البريكس" بديلا للنظام العالمي القديم.
في نفس الإطار طورت موسكو علاقاتها العسكرية مع بيكين وإيران وتركيا التي مدتها بالدرون والعتاد العسكري وكذلك مع كوريا الشمالية التي زودت موسكو بقرابة 10 آلاف مقاتل، حسب تقارير وردت من المخابرات الأمريكية، يشاركون في الحرب الميدانية مع القوات الروسية في أوكرانيا. في المقابل طورت كييف قدراتها العسكرية التي مكنتها من قصف العاصمة الروسية يوم الخميس الماضي مستعملة 100 من الصواريخ والدرون لشل حركة الملاحة في جل المطارات حول موسكو. لكن في نفس الوقت أعلن الجيش الروسي عن دخوله في عملية تأمين منطقة عازلة بين أوكرانيا والمناطق التي تم ضمها. وتدل كل التقارير إلى تقدم الجيش الروسي في عديد المناطق منها خاصة منطقة بوكروفسك في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا. وإن قبل الطرفان تبادل بعض الأسرى هذا الأسبوع فإن العمليات العسكرية لا تزال قائمة بين روسيا وأوكرانيا في انتظار بلورة موقف واضح من قبل الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا.