استهدف قلب العاصمة دمشق . فقد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي الأربعاء، غارتين استهدفت إحداهما بوابة مجمع الأركان التابعة للجيش السوري ، وكذلك محيط طريق درعا الدولي . كما شنت المقاتلات إسرائيلية غارة على محيط القصر الرئاسي بدمشق، في تصعيد جديد للعدوان الصهيوني المتواصل على هذا البلد.
وأفادت وكالة "سانا"، بأن "طيران الاحتلال الإسرائيلي شن غارات على دمشق"، أسفرت عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 28 آخرين.
هذه الاعتداءات الصهيونية تأتي في سياق سلسلة تدخلات إسرائيلية منذ سقوط نظام الأسد في مساعي لجعل سوريا بلدا منزوع السلاح .
اشتباكات طائفية
ومع اشتعال الأعمال الطائفية في منطقة السويداء الدرزية وما تخللها من اشتباكات بين قوات محسوبة على النظام السوري الجديد وجماعات درزية ، تدخلت مجددا تل ابيب بتعلة " حماية الدروز في سوريا ". في وقت قال فيه الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط ان إسرائيل لا تحمي دروز السويداء بسوريا بل تستخدم بعضا من "ضعفاء العقول" للقول إنها تحميهم . وهو تصريح ينسجم مع ما يؤكده معظم قادة طائفة الدروز بسوريا في مناسبات عديدة من رفض أي تدخل إسرائيلي في شؤونهم.
ويعيش الدروز بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وتحديدا في الجنوب السوري، حيث يشكل الدروز أغلبية في محافظة السويداء. كما يتركز الدروز حول ثلاث محافظات رئيسية قريبة من مرتفعات الجولان المحتلة . وتوجد كذلك أقلية درزية في دولة الاحتلال .
وجاء العدوان الصهيوني على دمشق اثر دخول قوات من الجيش السوري السويداء، بعد أن اندلعت مواجهات بأسلحة متوسطة وثقيلة بين مجموعات مسلحة درزية وأخرى بدوية في السويداء، جراء قيام الطرفين بمصادرة مركبات بشكل متبادل. وأسفرت الاشتباكات عن عشرات القتلى والجرحى .
ورفض حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل بالمحافظة دخول القوات السورية المنطقة الدرزية. كما أعلن امس رفضه اتفاق وقف إطلاق النار المُوقع بين الدولة ووجهاء ومشايخ الطائفة الدرزية، في محافظة السويداء، مؤكدا التمسك بالقتال.
وفي وقت سابق الأربعاء، أعلنت وزارة الداخلية السورية التوصل لاتفاق مع مشايخ ووجهاء الطائفة الدرزية لوقف إطلاق النار في السويداء ونشر حواجز أمنية بها واندماجها الكامل ضمن الدولة السورية، بحسب وكالة أنباء سانا الرسمية. كما أكد يوسف جربوع، أحد مشايخ عقل الطائفة بسوريا التوصل إلى الاتفاق، الذي قال إنه جاء في إطار "السعي لاستعادة الأمن والاستقرار في السويداء وتلبية لمطالب سكان المحافظة، وتأكيدا على التزام الدولة السورية بحقوق جميع مواطنيها".
وقالت صفحة "الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز" التابعة لحكمت الهجري، عبر فيسبوك، إنها تؤكد "على ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع، واستمرار القتال حتى تحرير كامل تراب المحافظة دون قيد أو شرط"، على حد تعبيرها. كما حذرت أن "أي شخص أو جهة تخرج عن هذا الموقف الموحّد، وتقوم بالتواصل أو الاتفاق من طرف واحد، ستُعرض نفسها للمحاسبة القانونية والاجتماعية دون استثناء أو تهاون".
وتمثل الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز المرجعية الدينية العليا للطائفة بسوريا، لكن هناك 3 مشايخ عقل (زعماء دينيون) للطائفة يتخذون مواقف قد تختلف أحيانا، وهم حكمت الهجري، وحمود الحناوي، ويوسف جربوع.
الموقف الأمريكي
عبرت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها مارك روبيو عن القلق من التطورات في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على العاصمة السورية دمشق. وقال روبيو في واشنطن امس الأربعاء "نريد أن يتوقف القتال"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تتحدث مع جميع الأطراف المعنية وتأمل في التوصل إلى اتفاق.
وأفاد موقع أكسيوس امس الأربعاء نقلا عن مسؤول أمريكي لم يُكشف عن هويته بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تقترب من التوصل إلى اتفاق لتهدئة الوضع بين إسرائيل وسوريا. هذا التصريح لا ينفي بان اية عملية إسرائيلية في سوريا او غيرها لا تتم دون مباركة أمريكية او ضوء أخضر من إدارة ترامب .
كما بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، امس الأربعاء، مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا.
وكانت الرئاسة السورية امس الأربعاء فقد تعهدت في بيان بمحاسبة من قالت إنهم ارتكبوا "انتهاكات" في السويداء بعد أيام من اشتباكات دامية أوقعت نحو 250 قتيلا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الدور الصهيوني
وتزداد التدخلات الصهيونية في المسألة الدرزية مستغلة ما يحصل في السويداء . وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس امس الأربعاء أن على الحكومة السورية أن تدع الدروز وشأنهم وأن تسحب قواتها من مدينة السويداء في جنوب البلاد. وينذر تصريح كاتس بأن جنوب سوريا بات مهددا أكثر من أي وقت مضى بفرضية الانقسام او ان يصبح تحت السيطرة الإسرائيلية.
كما كثف جيش الاحتلال الصهيوني، وجوده على الحدود مع سوريا بسريتين إضافيتين ليرتفع العدد إلى 3 سرايا، بتعلة منع اقتحام جماعي عبر الحدود ينفذه ما يسمى بـ"دروز إسرائيل" ".
وكان قد اقتحم عشرات الدروز الحدود إلى سوريا قبل أن يعيدهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، تزامنا مع دخول القوات السورية إلى مركز مدينة السويداء لضبط الأمن عقب اشتباكات مسلحة دامية بين المكونين البدوي والدرزي.
ويلقى مخطط التدخل الإسرائيلي بتعلة حماية الدروز في السويداء ، دعما من الزعيم الروحي للطائفة الدرزية موفق طريف في إسرائيل الذي صرح: "يجب أن نجبر النظام السوري على الانسحاب من السويداء"، زاعما أن "هذه حرب وجود". وطالب طريف من مجرم الحرب نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس الاختيار بين الشراكة مع الدروز أو داعش".
ومن الواضح ان دولة الاحتلال تستغل ورقة الدروز من أجل تبرير تدخلاتها في سوريا وعدوانها المتواصل على دمشق في خضم مرحلة انتقالية وحكم هش يواجه انتقادات بالجملة منها الاتجاهات المتطرفة للرئيس الانتقالي احمد الشرع او الجولاني سابقا زعيم جبهة النصرة والتي كانت حتى الامس القريب مصنفة إرهابية .
واليوم تسعى "إسرائيل" لقلب الأوراق وتغيير الخارطة الجيوسياسية ليس فقط في سوريا فحسب بل في كامل المنطقة مستغلة الورقة الطائفية او العرقية . ويبدو ان هذا العدوان الصهيوني على سوريا -والتي باتت ساحة للتدخلات الخارجية سواء من قبل الجانب التركي او الأمريكي او الإسرائيلي- ، لن يكون الأخير في خضم الضغوطات لإحكام السيطرة على سوريا من خلال تفتيتها وتحويلها الى دويلات طائفية هشة لا تمثل أي خطر مستقبلي على امن تل ابيب او من خلال جرّها الى مستنقع التطبيع .