وزير الدفاع السوري لا يستبعد استخدام القوة: هل اقتربت ساعة المواجهة الحاسمة بين الإدارة السورية الجديدة والكرد

يبدو ان الصراع بين إدارة دمشق الجديد والكرد يشهد جولة من التصعيد والتهديدات غير المسبوقة .

فقد أكد وزير الدفاع السوري، علي عبد الله أيوب، أن الحكومة السورية "لا تستبعد استخدام القوة" ضد القوات الكردية في الشمال الشرقي من سوريا. تأتي هذه التصريحات في خضم تحولات كبرى ومصيرية تعيشها سوريا ومخاوف من مخاطر التفكيك والانقسام . وتطرح العديد من التساؤلات حول نوايا الحكومة السورية في التعامل مع الأكراد، الذين يسيطرون على مناطق واسعة من شمال البلاد، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. فهل اقتربت ساعة الصفر لمعركة جديدة عنوانها هو "الصراع الكردي" في هذا البلد الذي عاش طويلا على وقع الاقتتال الداخلي بدعم خارجي .

منذ بداية النزاع السوري في عام 2011، شهدت البلاد تدخلا من أطراف متعددة، ما أدى إلى تشكل تحالفات وتحالفات مضادة على الأرض. واحدة من أبرز هذه التحالفات كانت بين القوات الكردية، ممثلة في وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والقوات الأمريكية، التي قدمت دعما كبيرا للأكراد في الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. لكن مع مرور الوقت، بدأت الحكومة السورية تنظر إلى هذه القوى الكردية على أنها تهديد لوحدة سوريا، خاصة مع مطالبات بعض الأكراد بالحكم الذاتي أو حتى الاستقلال في بعض الحالات.
وتأتي تصريحات وزير الدفاع السوري في وقت حساس للغاية. فبينما تسعى الإدارة السورية الجديدة لاستعادة سيطرتها الكاملة على الأراضي السورية بعد إسقاط نظام الأسد، تبقى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد بمثابة نقطة خلافية بين الحكومة السورية والقوى الكردية، إضافة إلى الضغوط الدولية التي قد تمارس لدعم مطالب الأكراد.
رسالة إستراتيجية
عندما يتحدث وزير الدفاع السوري عن احتمال استخدام القوة، فإنه لا يقتصر فقط على تهديد عسكري مباشر، بل هو أيضا رسالة إستراتيجية متعددة الأبعاد. في المقام الأول، تهدف الحكومة السورية من خلال هذه التصريحات إلى التأكيد على سيادتها الكاملة على جميع الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق الكردية التي تعتبرها جزءا من الجغرافيا الوطنية.
هذه التصريحات وفق مراقبين يمكن أن تكون أيضا بمثابة تحذير للقوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، التي تدعم الوحدات الكردية في إطار الحرب على ''داعش'' الإرهابي. وأوجد الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا نوعا من التعقيد في العلاقات بين دمشق وواشنطن، حيث ترى الحكومة السورية أنّ هذا الدعم يتعارض مع جهودها لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية.
إضافة إلى ذلك، قد تكون هذه التصريحات تهدف إلى تعزيز موقف الحكومة أمام الشعب السوري والجيش، الذين قد يتساءلون عن قدرة الحكومة على استعادة المناطق التي تسيطر عليها القوى الخارجية أو التي تديرها كيانات شبه مستقلة.
تصعيد مُتوقع
إذا أخذنا التصريحات في سياقها العسكري، فإنّ استخدام القوة ضدّ الأكراد في شمال شرق سوريا ليس أمرا سهلا. فالأكراد، المدعومون من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، يمتلكون قوة عسكرية منظمة وقادرة على الدفاع عن الأراضي التي يسيطرون عليها. على الرغم من أن الحكومة السورية الجديدة قد بدأت في استعادة السيطرة على معظم أراضي البلاد خلال السنوات الماضية، فإن الشمال الشرقي يظلّ منطقة ملتهبة، حيث تنتشر القوات الأمريكية والتركية، بالإضافة إلى القوات الكردية التي تقاوم أي محاولة لفرض السيطرة عليها بالقوة.

ويرى متابعون أنّ أي تصعيد عسكري من جانب الحكومة السورية ضدّ الأكراد قد يؤدي إلى تصادم مع القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، وهو ما قد يفضي إلى تدخلات دولية إضافية ويزيد من تعقيد المشهد العسكري في سوريا. كما أن أي هجوم على الأكراد من قبل الجيش السوري قد يثير موجة من الانتقادات الدولية، بما في ذلك من حلفاء دمشق التقليديين مثل روسيا وإيران.
من الناحية السياسية، قد تؤدي هذه التصريحات إلى مزيد من التقارب بين الأكراد وقوى دولية قد تكون أكثر استعدادا لتقديم الدعم لهم ضد الحكومة السورية. وفي هذا السياق، قد تصبح المنطقة الشماليّة الشرقية من سوريا ساحة صراع مفتوحة بين القوى المحلية والدولية، مما يعقّد الجهود الساعية للتوصل إلى حل سياسي شامل للنزاع السوري.
تهديد أم مناورة سياسية؟
ووفق مراقبين تعدّ تصريحات وزير الدفاع السوري بشأن "استخدام القوة" ضد الأكراد قد تكون أكثر من مجرد تهديد عسكري مباشر. إذ يمكن تفسيرها أيضا كجزء من سياسة الضغط على الأكراد والقوى الدولية التي تدعمهم، في محاولة لفرض سيطرة الحكومة السورية الجديدة على جميع أراضي البلاد. لكن في الوقت نفسه، تبقى هذه التصريحات محفوفة بالمخاطر، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، خاصة مع التداخل الكبير للقوى الإقليمية والدولية في هذا النزاع.
لكن شقا آخر يرى أنه من غير المتوقع أن يتم تنفيذ هذه التصريحات بشكل فوري، لكن من المؤكد أن المواقف العسكرية والسياسية ستظل في حالة تأهب في ظل هذه التوترات المستمرة. وقد يتضح في الأسابيع والأشهر المقبلة ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد مناورة سياسية من الحكومة السورية أم أنها بداية لتصعيد عسكري حقيقي في الشمال الشرقي من سوريا.
موقف تركيا
ويرى محللون أنه لا يمكن الحديث عن الأكراد في شمال سوريا دون الإشارة إلى الموقف التركي المعقد. إذ تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية جزءًا من حزب العمال الكردستاني ، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية. ومنذ سنوات، تشن تركيا عمليات عسكرية متعددة في شمال سوريا لمحاربة هذه الجماعات الكردية التي ترى أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
هذه العمليات العسكرية التركية في مناطق مثل عفرين وشرق الفرات تنسجم مع سياسة أنقرة الرافضة لأي محاولة لتشكيل كيان كردي مستقل أو شبه مستقل في شمال سوريا. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن التصريحات السورية حول استخدام القوة ضد الأكراد كجزء من توافق غير معلن بين دمشق وأنقرة بشأن قضايا الأمن القومي. تركيا، التي تدعم بعض المجموعات المسلحة المعارضة في سوريا، تراقب عن كثب تطورات الوضع الكردي، ولا تستبعد التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة لضمان عدم تمكين الأكراد من تشكيل حكم ذاتي في هذه المناطق.من جانبها، قد تجد الحكومة السورية في موقف تركيا فرصة لتحقيق مصالح مشتركة ضد الأكراد في الشمال السوري.
محاولة لامتصاص غضب الأكراد
من جانبه أشاد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بأكراد بلاده باعتبارهم يضيفون "جمالا وتألقا" للشعب السوري، متعهدا ببناء دولة تسودها المساواة والعدالة.وكتب الشيباني على منصة "إكس" باللغتين العربية والكردية أن الأكراد في سوريا يضيفون "جمالا وتألقا لتنوع الشعب السوري".
وأضاف أن "المجتمع الكردي في سوريا تعرض للظلم على يد نظام الأسد.. سنعمل سويا على بناء بلد يشعر فيه الجميع بالمساواة والعدالة".ويأتي كلام الشيباني في ظل حالة من التوتر تسود العلاقات بين القادة الأكراد في سوريا والادارة الانتقالية في البلاد بزعامة أحمد الشرع.

وخلال زيارة لأنقرة الأسبوع الماضي، أكد الشيباني رفض الإدارة الجديدة في دمشق لأي "تهديد" يستهدف تركيا من أراضيها، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.
وتدور مواجهات في شمال سوريا بين فصائل مسلحة تدعمها تركيا والقوات الكردية السورية، ومن بينها وحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وتصنفها "إرهابية".وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا وشرقها.
وتخضع هذه المناطق للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد في بداية النزاع في سوريا عام 2011 بعد انسحاب القوات الحكومية من جزء كبير منها.وفي تصريحات صحافية أدلى بها مؤخرا، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إن المطلب الأساسي للقوات هو الإدارة اللامركزية، وهو ما قد يمثل تحديا للإدارة السورية الجديدة التي تتطلع إلى إعادة كل مناطق البلاد إلى سلطة الحكومة بعد الإطاحة ببشار الأسد الشهر الماضي.
وأشار عبدي إلى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تعتزم حل نفسها وأنها منفتحة على ربط نفسها بوزارة الدفاع والعمل وفق قواعدها، ولكن "ككتلة عسكرية".ورفض وزير الدفاع السوري الجديد مرهف أبو قصرة هذا التوجه وقال إن مقترح أن تظل قوات سوريا الديمقراطية كتلة واحدة "لا يستقيم".
غارات جوية تركية
على الصعيد الميداني، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات تركية نفذت سبع غارات جوية على قريتين في المنطقة المحيطة بعين العرب (كوباني) شرق حلب، وسط اشتباكات مستمرة بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والقوات التي يقودها الأكراد.
وأوضح المرصد الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، أن الغارات الجوية تزامنت مع "قصف مدفعي تركي" قال إنه استهدف سد تشرين الاستراتيجي، الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة منبج.وأضاف أن الهجمات التي شنها الجيش الوطني السوري بالقرب من السد في نفس اليوم أدت إلى اندلاع المزيد من الاشتباكات بين مقاتلي الجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وأفاد المرصد بمقتل أربعة من مقاتلي الجيش الوطني وثلاثة من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في القتال.وكانت قناة اليوم الموالية للأكراد قد أصدرت بيانا من الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا المدعومة من قوات سوريا الديمقراطية، دعت فيه المنظمات الإنسانية الدولية إلى "وضع حد" للهجمات على السد.
وفي الوقت نفسه، أفاد موقع "عنب بلدي" الإخباري السوري ومقره تركيا، بأن قصف قوات سوريا الديمقراطية أدى إلى مقتل طفلين وإصابة سبعة مدنيين آخرين في قرية تل عرش بالقرب من السد.وقادت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الحملة العسكرية التي طردت تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية من آخر مناطق كان يسيطر عليها في سوريا في عام 2019.
ومع ذلك، فإن أنقرة التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع هيئة تحرير الشام، تتهم المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، وحدات حماية الشعب، بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا."
فرصة غير مسبوقة

من جهة أخرى قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضت خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد "مفتاح" للاستقرار في البلاد.
وأكد الشيباني في محادثة مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن رفع العقوبات الاقتصادية هو "مفتاح استقرار سوريا"، مضيفاً أن العقوبات فرضت لصالح السوريين، لكنها الآن "ضد الشعب السوري".
وأصر شيباني على أن سوريا لن تشكل "تهديداً لأي دولة في العالم"، وأن البلاد ستفتح اقتصادها أمام الاستثمارات الأجنبية مع التركيز على خمسة قطاعات وهي: الطاقة، والاتصالات، والطرق والمطارات، والتعليم والصحة.وقالت رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس إنها تأمل التوصّل إلى اتفاق سياسي بشأن تخفيف العقوبات على سوريا في اجتماع لوزراء أوروبيين الأسبوع المقبل.
وقالت كالاس في مقابلة وفق "رويترز": "نحن مستعدون لإتباع نهج تدريجي، ولمناقشة الموقف البديل كذلك".وأضافت: "إذا رأينا أن التطورات تسير في الاتجاه الخاطئ، فإننا على استعداد أيضاً لإعادة فرض العقوبات".ودعت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هذا الشهر الاتحاد إلى تعليق العقوبات على سوريا مؤقتاً في مجالات مثل النقل والطاقة والبنوك.
وتشمل العقوبات الحالية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي حظراً على واردات النفط السوري وتجميد أي أصول للبنك المركزي السوري في أوروبا.ومن المقرر أن يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الوضع في سوريا خلال اجتماع في بروكسل يوم 27 جانفي.
موسكو تبحث مستقبل قواعدها العسكرية
على صعيد آخر أفادت وكالة "تاس" الروسية، بأن موسكو تجري محادثات مع السلطات السورية الجديدة بشأن مستقبل قواعدها العسكرية.وأشارت الوكالة إلى أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق حول هذا الملف، وسط استمرار المحادثات.
وكانت "تاس" أوردت في ديسمبر الماضي -نقلا عن مصدر دبلوماسي- أن روسيا تسعى للحفاظ على الوضع القانوني لقواعدها في حميميم وطرطوس في سوريا.وأضافت أن المباحثات مع السلطات السورية الجديدة تركز على ضمان عدم اعتبار الأعمال العسكرية وتغيير النظام سببا لفسخ الاتفاقيات الطويلة الأجل بشأن تلك القواعد.كما ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريحات سابقة، أن بلاده لم تتلق أي طلبات من دمشق بشأن مراجعة الاتفاقيات حول القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
وأسست موسكو قواعد عسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، من ضمنها قاعدتا حميميم وطرطوس اللتان تعدان ركيزتين أساسيتين للوجود العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
وأثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا تساؤلات كبيرة عن مستقبل القواعد العسكرية الروسية، لا سيما أن النظام كان حليفا رئيسيا لموسكو.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115