تكتب النوتات سير فنانين ومبدعين احبوا الموسيقى واختاروها مطية للحلم والدفاع عن الموسيقى التونسية والتجديد فيها، بآلاتهم الساحرة تكتب الياذة جديدة للحب، ويشرّعون للسفر دون ترجمة او جواز سفر فالموسيقى هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون ويمنح أجنحة للعقل، تساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة" كما يقول افلاطون.
فوحدها الموسيقى ستكون سيدة الروح والمكان، الايقاعات والآلات ستكون فكرك وروحك ودليلك لتتشبّث بمعاني الامل وتكتشف اغوار ذاتك وقدرتك على الخيال وانت منصت لكل الجمال المندفع مرة واحدة من كل الات الموسيقية يصحبها ذاك التناص المبهر بين العازف والته في عرض "ظلال الاطلس" لعطيل معاوي وهي رحلة كتبها كل من عبد العزيز الشريف وخليل جمعة وبشير نفاتي ومحمد حاتم هميلة ومحمد علي العش ومحمد بن صالحة وحاتم اللجمي.
لنرحل الى عوالم الخيال عبر الموسيقى
الموسيقى تريح الروح والوجدان، الموسيقى تدفع للحلم وتجبرنا على معانقة الفرحة، الموسيقى صدى لكل شيء جميل، الموسيقى عشقة والعشق يتطلب الكثير من الصبر هكذا يعرّف عطيل معاوي الموسيقى وانعكاساتها على روحه، في مسرح الجهات كان سيد المكان، استقبله الجمهور بالزغاريد كتعبيرة تونسية صادقة عن الفرحة، كما "ابولو" وقف شامخا الى يساره معشوقته الكمنجة يغازلها همسا فتتغنج وفي غنجها اجمل النوتات والمقطوعات، فجاءت "لقاء الأطلس" تعبيرة عن لقاء الشغف بالجدية.
لجمهوره قدم رحلة موسيقية وجغرافية، انطلقت من ارضه وطنه تونس واتسع مداها فعانق سحر الاندلس وموشحاتها وتجوّل في جبال الاطلس وبعض سحر المغرب الكبير وتردداته الموسيقية الافريقية ثم حوّلت البوصلة الى اليونان وبحارها، فظلال الاطلس رحلة حقيقية وصادقة عنوانها الموسيقى وصدق عازف اختار ان تكون كمنجته سيدة الرحلة وقائدة دفّتها فحضر الدلال والرقة والإبداع الصادق، جولة بين الهنك التونسي والنفحات المتوسطية هذه التوليفة الانسانية هي امتداد لتاريخ هذه الارض والثقافات العديدة التي اثرّت فيها موسيقيا، وكانت الموسيقى عبارة عن لهجة تونسية معاصرة كما يراها الفنان حسب تعبير عطيل معاوي.
في المسيرة الابداعية الكمنجة رفيقته، معشوقته المميزة يستنطق روحها لتقدم اجمل الألحان، علاقة عطيل معاوي بكمنجته كانت مميزة عنها ولدت افكار ومشاريع موسيقية تغري بالاستماع، هو تلميذ حافظ مقني وهشام العماري ورشيد قوبعة تتلمذ عنهم حبّ الكمنجة، وورث عنهم الرغبة في استنطاق الجمال منها، لتتحول الته بين يديه صلصالا يشكله كما يشاء.
"ظلال الاطلس" فضاء لاستكشاف جوانب المتعددة والمختلفة لنغمات منطقة البحر الابيض المتوسط ورحلة موسيقية مستوحاة من الثقافات المتنوعة على ايقاع مزيج بين التأثيرات التقليدية التونسية والاصوات المعاصرة، نسيج من الاصوات وسط اجواء عاطفية تستنطق تفاصيل الاطلس وتستكشف الالحان الدقيقة والايقاعات المعقدة والتناغمات لمتدرجة وتخلق تجربة موسيقية تتجاوز الحدود الثقافية وتتواصل مع الجمهور بطريقة عاطفية عميقة.
تجربة مميزة تماهت فيها الى الكمنجة العاشقة مع نغمات الاكورديون المبهجة فكانت الجولة موشاة بألوان الغجر، التناص بين الكمان عطيل معاوي واكورديون حاتم بلحاج كانه رحلة حب ورقص الى عوالم الغجر، حضرت ايقاعتهم والوانهم واستنطق العازفين الفرحة عبر الموسيقى، اما التماهي بين الكمان والناي فكانه كتابة جديدة للقاءات الحب الصادقة، وفي السحر بين الكمان والالات الايقاعية بحث في الهوية التونسية والنبش اعمق في الذاكرة، اما جمالية غزل الكمنجة ورقة القيثارة التي ابدع خليل جمعة في عزفها فهي رحة اخرى الى اليونان وتردداتها، جولة بين ارباب الموسيقى وانصات لاصوات الالهة الدائم في محراب الحب والصلاة، ليكون ظلال الاطلس ليس مجرد عرض موسيقي بل كتاب مفتوح يعيد سردية المكان ويستحضر قصص الماضي ويكسر كل الحواجز بين الدول، رحلة حقيقية تشرف عليها الة الكمنجة، التي ستتماهى مع كمان ابولو سيد الشمس والقيثارة وكذلك كان عطيل معاوي وكامل الفريق، شمس اضاءة الاطلس بنور الموسيقى.
بين الايقاعات والناي تناص حقيقي هو انعكاس للحلم
فنان محترف، تطورت تجربته في عالم الايقاعات، فالإيقاع اصل الموسيقى، الايقاعات هي لحظة الصوت الانساني الاول، الصرخة الاولى وأول صوت تصدره اقدام الطفل في لحظة المشي، الايقاعات باختلاف آلاتها تتماهى مع كل لحظة أولى: للعشق، للشغف وللتجربة والدكتور محمد حاتم هميلة اختار الايقاعات عن وعي وطوّر في قدراته ومهاراته وأتقن العزف على جميع الالات الايقاعية حسب العرض من الطبلة والدربوكة الى الدرامز والات ايقاعية من شتى الثقافات والموسيقات، من شمال افريقيا الى اقصى اسيا، هميلة فنان متمكن من مهاراته ومتجدد، كلما لعب انتشى اولا وتلك الابتسامة الحالمة وكأنه فوق السحاب يمررها الى الجمهور، فصدقه اثناء العزف هو صكّ النجاح ووثيقة تبرز قدرة الموسيقى على احياء الروح من وسط وجعها، حاتم هميلة من اهمّ عازفي الايقاع في تونس، فنان متجدد ومتلوّن، هو احد اضلع النجاح في ظلال الاطلس.
هميلة وايقاعاته انسجم مع عازفي الايقاعات الاخرى بشير النفاتي الة الباتري ومحمد علي العش ثلاثتهم شكّل ثقل الايقاع وجمالياته، ايقاعاتهم صوت للحياة والتجدد، موسيقاهم صدى لاختلاف الثقافات الموسيقية في شمال الاطلس، فهم تتبعوا سير السابقين وانصتوا لنبضات قلب الانسان وحوّلوها الى نوتات موسيقية مبهرة ابدعوا في ايصالها الى جمهور عرض "ظلال الاطلس".
فلنحلم قليلا، لنهرب من ضوضاء الخارج ونستمتع بهذا العالم الجميل، دع عنك الالم والتردد وانخرط في مسار فني وايقاعي جد هادئ ومميز، لندخل جميعنا الى محراب مقدس للحب والشغف والحياة، فالحياة تستحق المغامرة ومن روحه قدم العازف الكثير لتكون موسيقاه بذاك الصدق، ك ان تسال ايّ وجع يخباه لتكون ايقاعاته بهذا السحر؟ ولك ان تسال ايّ تلقائية هذه ليكون بهذا الابداع، ايقاعات الناسي صوت الحنين والذاكرة، وبين الناي ومحمد بن صالحة علاقة تماهي كانّ شفاه العازف وأصابعه صوت تلك الالة وتعبيرة عن حكاياتها، الة الناي من ركائز عمل "ظلال الاطلس" وظلّ حقيقي للضياء الموجود في العمل، الاطلس الممتد بجباله وحكاياته وسير من سكنوه تتبعهم محمد بن صالة بنغمات نايه الملتحم مع روحه.
ايقاعات الناي وخلفها فنان متمكن من افكاره ومعانيه كانت بمثابة الرحلة الصادقة للخيال، والانسجام بين ايقاعات هميلة ونوتات بن صالحة وذاك التفاهم المميز على الركح خلق سردية للحب وللامل ودعوة صريحة للتحرر من ضوضاء الخارج والانصات فقط لصوت الروح الداخلي والتماهي مع صوت الطبيعة وحكاياتها، فالناي والايقاعات تشبه جولة حقيقية في احضان الطبيعة موسيقاهم تنسي سامعها المكان والزمان وتدفعه للتأمل في ذاكرته والرحيل مع صوت عصفورة او رقصة اوراق الشجر وتدبّر حركة الرياح او الماء فإيقاعاتهم حياة.