وصرخات امهاتك، تنهك الروح حين تسمع انين الرضع وألم الشيوخ وعجز الأطفال عن الحياة، مؤلمة هي الحرب وقاس هو العجز، ومحمد عساف صوت غزاوي يشاهد منذ عامين ابادة يتعرض لها شعبه واهله في قطاع غزة، شعر بالعجز فصمت عن الغناء منذ 7اكتوبر 2023
لعامين وعساف يصارع وجع وطنه، الى ان قرر البلبل كسر دائرة الصمت والغناء من جديد لغزة ولاجل سكان غزة في مهرجان قرطاج الدولي وعلى ركحه الابي صدح صوته كرصاصة تخترق القلب وتنشد فقط الحرية فلسطين من "المي الى المي" كما غنى، أي فلسطين حرة من النهر الى البحر.
تسيج بالكوفية ورفع صوته لحرية فلسطين
الفن سلاحهم لايصال أصدق الصور عما يحدث، منذ النكبة والاغنية الفلسطينية رديف للحرية، لرفض الاحتلال ولتوريث ثقافة المقاومة بين الابناء، الأغنية التراثية واغنية المقاومة جزء من ذاكرة شعب رفض الاستسلام وظلت البارودة تيمة فنية يتغنى بها كل فلسطيني، ومحمد عساف سليل نضالات كتبت بالموسيقى، ورث حب البلاد واختار ان تكون حنجرته القوية سلاحه ليكون صوت كل فلسطين ويهتف لارادة شعب لا ينكسر، ويغني دائما لحرية بلده ويقدم نضالات ابناء وطنه كلما صعد على الركح بصوت غزاوي جريح وثائر.
وللجمهور نفث كلمات ثورية تجسدت في اغنية "لو رحل صوتي" لسميح شقير، اغنية وكانها تعويذة يرددها عساف وكل فلسطيني منذ 1947الى اللحظة،فلو رحل صوتي لن ترحل حناجركم، لو رحل جسدي لن ترحل ارادتكم، لو اختفى حضوري فلن تختفي الاصوات الثائرة للحرية، لفلسطين من النهر الى البحر، فنحن أصوات لا تباع في سوق الانهزامية، لفلسطين غنى ولغزة رفع الصوت عاليا واندفعت المعاني كما البارود يخط ملحمة موسيقية انتصارا لنضالات ارواح متمردة.
تسيج بالكوفية، رفع الصوت عاليا بالغناء، حاول سرقة ابتسامة ورسمها على محياه، حزنه بدا جليا وكانه يحمل كل عذابات شعبه، فغنى "علي الكوفية" و"يا حلالي" و"جينالك يا فلسطين" وشاركه الجمهور الوجع برفع العلمين التونسي والفلسطيني وترديد شعار "بالروح، بالدم نفديك فلسطين" و"غزة حرة" شعارات علق عنها الفنان وقال "عشتوا هذه رسالة حفلنا اليوم".
السينوغرافيا تماهت مع الجو العام للحفل، فمررت صور لبيت المقدس واخرى لخريطة فلسطين ومدنها، القدس ويافا وعكا وطول كرم وغزة، فلسطين موحدة وحرة صور أخرى للاطفال الشهداء واجسادهم ترتقي كما الطيور المهاجرة، ومن باب الصدفة أول العرض ومع تمرير صور الاطفال على الشاشة العملاقة مرت من سماء المسرح مجموعة من الطيور بيضاء اللون وكأن الطبيعة تعبر بدورها عن انتصارها لدموع الأطفال تحت الابادة.
على الركح كان صوته مثقل بالوجع والعتاب، لجمهوره غنى "يا دنيا علي اشهدي" ليقول ان فلسطين امه، "يا شعوب الثار لازم بالوجع تتوحدي، ويا عروبة تجددي" فهل ينصت العرب لهذه الصرخات؟.
سلام لغزة وطن وفكرة وسردية للحرية
سلام لغزة، لشعب عظيم سلام، سلام لأجساد تصارع الدبابات وهي عارية الا من إرادة الحياة، سلام لاطفال يكبرون قبل الولادة، سلام لنسوة يرضعن ابنائهن العزة والشموخ قبل الحليب، سلام لاب يلملم شظايا جسد شهيده الوليد، سلام لرجال يصنعون من العجز قوة، سلام الأحلام لا تموت وارض لن تستسلم، سلام لغزة الابية، سلام لمن يعاندون التجويع والتهجير والتقتيل وكل ألوان عذابات الحرب والابادة، سلام ارسله ابن غزة محمد عساف الى بلده من ركح قرطاج وبصوت تخنقه العبرات ورأس مرفوعة رغم الحزن غنى "سلام لغزة" التي كتبها الشاعر سامح المدهون ولحنها وائل اليازجي، وكل من ساهم في الأغنية هم ابناء غزة كما قال عساف:
لنا اللهُ عند أنينِ الجراح
وفقدِ الشهيدِ بساحِ الكِفاح
لنا اللهُ في كلِ وقتٍ وحين
فمن عتمةِ الليلِ يأتي الصباح
سلامٌ لطفلٍ يتيمٍ بكى
لمعتقلٍ صامدٍ ما اشتكى
لجدٍ رأى نكبةً ثانية
دروسَ الثباتِ بعزمٍ حكى
لكل بلاده من النهر الى البحر غنى، وللجمهور توجه برسالة أول الحفل وقال "الله يمسيكم بلخير، حقيقة عندي كثير من الكلام أريد قوله في هذا الظرف الذي تمر به فلسطين الحبيبة ونحن هنا في تونس الغالية والعظيمة، تونس طالما احتضنت فلسطين وقضاياها، كل المحبة لكم، تحية الى فلسطين أم البدايات وام النهايات، الى غزة العزة التي تتعرض للابادة امام هذا الصمت الرهيب، تحية لصرخات اطفالك، لنساء غزة لشيوخها جئتكم اليوم وعلى كاهلي الكثير والم يعتصرتي، نحن موجودين من قرطاج حتى نسمع اصواتنا، لنغني لاهل غزة، رغم الألم غزة تستحق منا الكثير، من قرطاج نرفع اصواتنا للعالم ونقول فلسطين حرة ابية.
من اجل غزة نكون على قدر المسؤولية احتراما لوجع غزة" وبالفعل احترم الفنان وجيعة ابناء بلده وكان صادقا في الاداء، كما صرح عساف ان عائدات الحفل وأجره سيكون هدية منه لقطاع غزة.
عساف قدم سهرة ملتزمة احترم فيها وجع ابناء بلده، اقتصر على اغان ذات طابع ثوري وكلمات كما الرصاص، قدم أغانيه التي يحفظها الجمهور، بالإضافة إلى أخرى محفورة في الذاكرة الجماعية فغنى "منتصب القامة" لمارسيل خليفة و"عندك بحرية" لوديع الصافي و"لو رحل صوتي" لسميح شقير، و"بلاد العرب اوطاني" وتعويذة الفلسطينين ونشيدهم الموحد "موطني".
النساء حارسات الذاكرة، هن الشامخات الصامدات، فلسطين انثى، وغزة العزة انثى، والنساء هناك يقاومن الابادة ولازلن متمسكات بالحرية اليهن اهدى اغنية "يا بنات بلادنا" من كلمات ياسر حمد وألحان محمد المدلل، اليهن يقول "يا زاد عنادنا، يا مد عروقنا وغنوة حصادنا
جَفرَات بثُوب الحُرّية
مطرَّز حَنُّون و طُرَّاح
و الكُوفية فلسطينية
شَالِنها عَالكِتف وشاح
إلهِن تِندق التحية
كُل ما رَف الطير جناح
ومن قرطاج أرسل عساف تحيته لكل الصامدات، الصابرات عن الحرب ومانحات الحياة وسط ظلمة الموت وشبح الدمار.
غنى محمد عساف لوطنه فلسطين، رفع الصوت عاليا لامه غزة المحاصرة، تحدث عن الابادة والحرب والصمت الرهيب، عساف نادى الضمائر علها تستفيق، واستنهض الهمم علها تجيب وتنقذ شعبا تحت الابادة، محمد عساف كسر الصمت بعد عامين وعاد ليغني للحرية، فهل ستفهم الانظمة الرسالة وتكسر صمتها المريب امام وجع شعب يباد يوميا ومنذ عامين؟.