بريطانيا و24 دولة تطالب بوقف فوري لحرب غزة بين القانون الدولي والواقع الوحشي.. هل سيُحاسَب الإحتلال على تجويع غزة؟

في لحظة توصف بأنها مفصلية في مواقف الغرب تجاه الحرب في غزة

أصدرت بريطانيا و24 دولة حليفة بيانا مشتركا غير مسبوق، طالبت فيه بإنهاء فوري وغير مشروط للحرب، محذّرة من استمرار معاناة المدنيين الفلسطينيين غير المسبوقة، ومن تداعيات "نموذج توزيع المساعدات الإسرائيلي" الذي اعتبرته خطرا على الاستقرار والكرامة الإنسانية في القطاع المحاصر.

ويعكس البيان الذي وقعته دول رئيسية من بينها فرنسا، إيطاليا، كندا، أستراليا، إسبانيا، اليابان، وألمانيا، انزياحا واضحا – وإن كان متأخرا – في لغة الخطاب الغربي، الذي هيمنت عليه خلال الأشهر الأولى من الحرب مواقف داعمة لإسرائيل ضمن مزاعم متعلقة بـ"حقها في الدفاع عن النفس". لكن تصاعد الكارثة الإنسانية في غزة، وتزايد الانتقادات الشعبية والبرلمانية للحكومات الغربية، دفع العديد من العواصم إلى مراجعة موقفها.
ما يلفت في البيان ليس فقط المطالبة بوقف الحرب، بل وصفه صراحة نموذج توزيع المساعدات الذي تشرف عليه إسرائيل – عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيا – بأنه "خطر" و"يُغذي انعدام الاستقرار" و"يحرم الفلسطينيين من الكرامة". ووفق مراقبين لا يحمل هذا الخطاب فقط ملامح نقد سياسي، بل يتضمن اتهاما ضمنيا لإسرائيل باستخدام المساعدات كأداة للهيمنة السياسية والعقاب الجماعي.

دلالات التوقيت
ولعلّ صدور البيان في 21 جويلية 2025، أي بعد مرور أكثر من 21 شهرا على بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، يطرح تساؤلات حول سبب التأخر الغربي في هذا الموقف، لكنه يعكس أيضا إدراكا متزايدا بأن الحرب لم تعد تحتمل استمرارا دون كلفة سياسية وأخلاقية دولية.
فالمجاعات تهدد أكثر من مليوني إنسان، ومرافق الحياة والبنية التحتية في غزة شُلت بالكامل، فيما تتصاعد المخاوف من تفشي أوبئة وأمراض معدية نتيجة تكدّس النازحين وسوء الصرف الصحي. ومع تواتر تقارير أممية تتحدث عن انهيار المنظومة الإنسانية والصحية في القطاع، لم يعد ممكنا تجاهل الكارثة، حتى من قبل أكثر الحلفاء التزاما بأمن إسرائيل.
ويسلّط البيان الضوء على "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي كيان تشرف عليه ''إسرائيل'' وبدعم من الولايات المتحدة، يفترض به تنسيق دخول المساعدات إلى غزة. لكن الواقع على الأرض يُظهر أن هذه المؤسسة تعمل ضمن أجندة سياسية وأمنية، إذ تُفرَض رقابة مشددة على نوعية وكميات المساعدات، وتُمنَع مواد حيوية تحت ذرائع أمنية. حتى المساعدات التي تدخل، غالبا ما تستخدم كورقة ضغط لإعادة ترتيب المشهد السياسي في غزة وفقا للرؤية الصهيونية.
ويُشكّل تحذير الدول الموقعة من هذا النموذج "الخطير" رفضا علنيا لاستخدام العمل الإنساني كأداة هيمنة، وقد يكون مدخلا لتدويل عملية توزيع المساعدات.ويبقى السؤال الأساسي: هل يكفي هذا البيان لتغيير مجريات الحرب؟ في الظاهر، هو ليس ملزما قانونيا، ولا يتضمن تهديدات بفرض عقوبات أو إعادة النظر في الدعم العسكري لإسرائيل. لكنه من الناحية السياسية والدبلوماسية، يُمثّل ضغطا متراكما يصعب تجاهله.
فالخطاب السياسي الإسرائيلي يعاني داخليا من أزمة قيادة وثقة، وخارجيا من عزلة متنامية، خصوصا بعد فتح عدة تحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب التي تشنها اسرائيل في غزة. وفي ظل هذه الضغوط، قد تدفع العزلة المتزايدة إسرائيل لإعادة النظر في خياراتها، أو على الأقل، القبول بصيغ تفاوضية جديدة تنهي الحرب.
وفق خبراء ورغم أهمية البيان، إلا أن الطريق إلى وقف حقيقي للحرب ما يزال شائكاً. فإسرائيل لم تُبد حتى الآن استعدادا للتراجع عن أهدافها العسكرية، بينما لا تزال الولايات المتحدة، رغم مشاركتها في دعم البيان، تحافظ على دعمها العسكري غير المشروط لتل أبيب.
لكن البيان يظلّ خطوة نوعية في مسار الضغط الدولي، وربما فاتحة لتحرك أوسع داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وفي ظل الانهيار الإنساني الكامل في غزة، فإن كل يوم تأخير في وقف الحرب هو كارثة اضافية، لن يكون بالإمكان تبريرها أو نسيانها في صفحات التاريخ.
الموت البطيء
مرة أخرى، تصفع الأرقام العارية ضمير العالم حيث تم يوم أمس تسجيل 15 حالة وفاة خلال 24 ساعة فقط في قطاع غزة، من بينهم 4 أطفال، بسبب المجاعة وسوء التغذية، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الصحة في غزة. ليرتفع بذلك عدد الضحايا نتيجة الجوع إلى 101 فلسطيني منذ أكتوبر 2023، بينهم 80 طفلا. مشهد إنساني بالغ القسوة، يكشف عن وجه آخر للحرب المستمرة منذ 22 شهرا – حرب ليست فقط بالقنابل، بل بالتجويع والخنق الممنهج.
الوفيات المعلنة ليست فقط أرقاماً مروّعة، بل تعبّر عن سياسة موت بطيء تستهدف الفئات الأضعف وهم الأطفال، المرضى، وكبار السن. فالمجاعة لم تعد تهديدا مستقبليا أو أزمة غذائية عابرة، بل أصبحت واقعا يوميا يحصد الأرواح في غزة، في ظل حصار مشدد وغياب أي منفذ إنساني آمن منذ إغلاق المعابر كليا في 2 مارس الماضي.
وبينما يعلن المجتمع الدولي التزامه بالقانون الإنساني الدولي، تعجز آليات الأمم المتحدة ومنظماتها عن إدخال الغذاء والدواء، أو حتى فتح ممرات إنسانية آمنة، في ظل تحكّم إسرائيلي كامل بالمعابر والمعونات، وتحويل "المساعدات" إلى سلاح سياسي تتحكم فيه المؤسسات المدعومة أمريكيا وإسرائيليا.
تقاطع الفشل السياسي مع الكارثة الإنسانية
وتتكشف الأبعاد الأعمق لهذه المجاعة في ظل العجز السياسي الكامل للمجتمع الدولي. فبعد أكثر من 20 شهرا على اندلاع الحرب، لم تفلح أي من المبادرات الأممية أو الإقليمية في وقف إطلاق النار، أو حتى الضغط الفعلي على إسرائيل لفتح ممرات إنسانية. وحتى بيانات التنديد – كآخر بيان صادر عن 25 دولة غربية، بينها بريطانيا وفرنسا – تظل دون أي آلية تنفيذية أو ضغط ملموس.
وتبدو الهوة بين الخطاب الإنساني والممارسة السياسية اليوم أكثر وضوحا. إذ تكتفي القوى الكبرى بالتعبير عن "القلق"، بينما تتهاوى أجساد الأطفال تحت وطأة الجوع، وتحصد المجاعة أرواح المرضى في بيوت لا تصلها لا إسعافات ولا غذاء.
وتُبرز الوفيات الجديدة التي سُجلت الثلاثاء، بينها رضيع وطفل ومريض سكري، كيف أصبح غياب الغذاء والدواء سببا مباشرا للوفاة، إلى جانب القصف والدمار. يبدو أن إسرائيل تدير الحصار بنظام دقيق، يسمح فقط بما يكفي من المواد لتفادي انهيار كامل، لكنه يضمن استنزافاً يومياً مدمراً للحياة في غزة. هذا النموذج يهدف – بحسب مراقبين – إلى تحطيم النسيج الاجتماعي للسكان، ودفعهم إلى الانهيار الكامل من الداخل.
ويرى مراقبون إن استمرار هذه الكارثة بصمت دولي يُعدّ بمثابة مشاركة غير مباشرة في الجريمة. فحين يصبح الغذاء ممنوعا، وحين يتحول الرضّع إلى شهداء مجاعة، لا تعد الحرب مجرد نزاع مسلح، بل تتحول إلى عملية قتل جماعي ممنهج – أمام أنظار عالم يدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية.
قرب الإعلان الرسمي عن حالة مجاعة

من جانبها قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة، إن قطاع غزة بات على أعتاب إعلان رسمي لحالة المجاعة بحلول شهر سبتمبر المقبل.ودعا وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، امس الثلاثاء، السلطات الإسرائيلية إلى السماح للصحافة الأجنبية بالوصول إلى قطاع غزة، وسط تصاعد التحذيرات من مجاعة تلوح في الأفق بعد أكثر من 21 شهراً من الحرب المستمرة.
وفي مقابلة أجراها من شرق أوكرانيا وفق إذاعة "فرانس إنتر"، قال بارو: "أطالب بالسماح للصحافة الحرة والمستقلة بالوصول إلى غزة لتوثيق ما يحدث فيها".وفي سياق متصل، دعا الوزير الفرنسي إلى وقف فوري للعمليات العسكرية في القطاع، وذلك في أعقاب اتساع نطاق الهجمات الإسرائيلية ليشمل مدينة دير البلح وسط غزة. وقال بارو: "لم يعد هناك أي مبرر للعمليات العسكرية الجارية في غزة"، مضيفاً أن هذا الهجوم من شأنه "مفاقمة الوضع الإنساني الكارثي ودفع السكان نحو موجات نزوح قسري جديدة".
من جانبها، قالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إنها أبلغت نظيرها الإسرائيلي بأن على الجيش الإسرائيلي "التوقف عن قتل مدنيين عند نقاط توزيع مساعدات في غزة".
وكتبت كالاس على إكس أن "قتل مدنيين يطلبون مساعدات في غزة أمر لا يمكن الدفاع عنه. تحدثت مجددا مع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لتأكيد تفاهمنا بشأن تدفق المساعدات وأوضحتُ أن على الجيش الإسرائيلي التوقف عن قتل الناس في نقاط التوزيع".
بدوره، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، امس الثلاثاء، إن الصمت الدولي تجاه ما يجري في قطاع غزة يجعل من يلتزمون به "شركاء لإسرائيل" في ما وصفها بـ "الجرائم المرتكبة"، مؤكداً أن بلاده تواصل جهودها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وفي كلمة ألقاها، شدد أردوغان على أن "السكوت على ما يحدث في غزة لن يلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحده، بل كل من يلتزم الصمت"، معتبراً أن الضمير الإنساني "يجب أن يتحرك الآن"، وأن استمرار الصمت "لم يعد مقبولاً".
وفي السياق نفسه، قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة، إن قطاع غزة بات على أعتاب إعلان رسمي لحالة المجاعة بحلول شهر سبتمبر المقبل، إذا استمرت العراقيل أمام دخول المساعدات الإنسانية.
وأضاف مدير الطوارئ في البرنامج، روس سميث، أن البرنامج لم يتمكن منذ منتصف ماي من إدخال أكثر من 10% من الاحتياجات الغذائية الأساسية إلى القطاع. ولفت إلى أن المساعدات المكدّسة خارج غزة تكفي لإطعام السكان مدة شهرين على الأقل، شريطة توفّر ظروف تشغيلية آمنة.من جهتها، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال في غزة بلغ "مستويات كارثية"، مع غياب مقوّمات الحياة الأساسية، وتوقف أغلب المرافق الصحية عن العمل.وفي تحذير محلي، أكدت شبكة المنظمات الأهلية في غزة أن الساعات المقبلة ستكون "حرجة للغاية" على حياة المدنيين، وخاصة الأطفال، في ظل غياب أي مساعدات غذائية طارئة، مشيرة إلى أن مؤشرات الانهيار الإنساني باتت ماثلة بقوة.

"القسام" تعلن استهداف ناقلة جند
ميدانيا أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"،أمس الثلاثاء، استهداف ناقلة جند إسرائيلية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
وقالت "القسام"، في بيان، إن مقاتليها استهدفوا "ناقلة جند صهيونية بقذيفة الياسين 105، قرب مفترق أبو هولي جنوب شرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة".ويأتي هذا الاستهداف في سياق رد الفصائل الفلسطينية على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر 2023، وتشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
والأحد، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، للمرة الأولى إنذارات إخلاء إلى الفلسطينيين في المنطقة الجنوبية الغربية لدير البلح تمهيدا لتوسيع نطاق حرب الإبادة عبر تنفيذ عملية برية في المنطقة.وفي وقت سابق امس الثلاثاء، أفاد شهود عيان باندلاع اشتباكات وصفوها بالعنيفة بين مقاومي الفصائل الفلسطينية وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة جنوب دير البلح. ولم تشر كتائب "القسام"، إلى وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.
فيما سبق أن أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء، مقتل ضابط احتياط في معركة بجنوب قطاع غزة، ليكون ثاني عسكري يُقتل خلال 24 ساعة.ومساء الاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل عسكري وإصابة ضابط من لواء غولاني في جنوب قطاع غزة.وتفرض إسرائيل رقابة مشددة على نشر خسائرها في قطاع غزة، وتتكتم على الحصيلة الحقيقية لقتلاها وجرحاها، ما يرشح الأعداد المعلنة للارتفاع.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115