ومن أجل أن نتحرّر من قيود وهمية نظن أنها أقدار أقوى منا، تجاوزت سلسلة "نهار على عمّار" ظاهر الإضحاك لتحمل في باطنها فلسفة ورؤية وقيمة... لم تكن مجرد حكاية لبطل "سيزيفي" معاصر يصارع قدره ويحاول التخلص من لعنة ساعة يدوية جعلته يعيد يومياته ويكرر أحداث يومه، بل كانت سلسلة "نهار على عمّار" تحريضا على كسر أغلال الخمول والاستسلام والانهزام ...
بعيدا عن "مفرقعات" الإضحاك التي تحدث جعجعة ولا نرى ابتسامة، وفي قطع مع "فقعات" الهزل التي تتطاير في الهواء ثم تختفي كأنها لم تكن، فاجأت وأمتعت سلسلة "نهار على عمّار" جمهور الدراما الرمضانية. ولأنها حرصت على احترام الذائقة الفنية والجمالية، كان من المتوقع فوز سلسلة "نهار على عمّار"بجائزة الإذاعة الوطنية لأفضل سلسلة لرمضان 2024.
في الوقت الذي ملّ فيه المشاهد التونسي من الاستسهال والاستخفاف في أعمال تتدّعي فن الكوميديا، لم يكن الإضحاك مهما بالنسبة لصنّاع "نهار على عمار" بقدر ما كان الأهم هو عدم الضحك على ذقون الجمهور !
كان اللقاء الثلاثي ما بين المخرج زياد لتيم والسيناريست سليم بن إسماعيل والبطل سيف عمران كفيلا بتقديم عمل لا يلهث وراء التهريج واللعب بالألفاظ والتلاعب بالإيحاءات بقدر ما يسعى إلى التغيير وإيصال العبرة وترك الأثر...
لا تغري الملهاة "الرخيصة" المخرج زياد لتيم وهو الذي من مشروع إلى آخر انطلاقا من "الحجامة" مرورا بـ" البلاص" وصولا إلى "نهار على عمّار" يحمل موقفا ويؤمن بدور الدراما في إنارة دروب الشعوب. وفي الحلقة السابعة والأخيرة من سلسلة "نهار على عمّار" وصلت العبرة إلى المشاهدين ومفادها أن نحاول تغيير شكل يومياتنا حتى ننجو من روتين حياتنا وأن نفتش في أعماقنا عن ذواتنا دون أن نذهب بعيدا في البحث عنّا... هي ببساطة دعوة للتجربة والمغامرة.
من الواضح وباعتراف أصحاب العمل، اقتباس سلسلة "نهار على عمّار" من مرجعيات فنية مختلفة لكن الروح التونسية كانت حاضرة بقوة في مخاطبة جمهور خاص في إطار مكاني وزماني مخصوص.
ولعل من أجمل المفارقات المثيرة للسخرية في "نهار على عمّار" هو مشهد اللوحة الضوئية العملاقة التي تشّع بعبارة "الحياة حلوة" باللغة الإنڤليزية في أكثر اللحظات التي يواجه فيها البطل أزمة وشدّة. وكما غنّى فريد الأطرش "الحياة حلوة بس نفهمها"، فإنّ سلسلة "نهار على عمّار" تركت لنا رسالة توصينا بأن نشعل شمعة بدل أن نلعن الظلام !