دعت سبع دول أوروبية، على رأسها إسبانيا، ''إسرائيل'' إلى وقف فوري لهجومها العسكري على قطاع غزة، في تحرك أوروبي نادر يتسم بالوضوح والحزم، وذلك في بيان مشترك صدر عقب اجتماع "لحظة غزة" الذي استضافته مدريد. وجاء الخطاب الأوروبي هذه المرة مباشرا وصارما تحت عنوان "لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية". ووقّعت على البيان كل من إسبانيا، وإيرلندا، وايسلندا، ومالطا، والنرويج، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، ما يعكس تحركا جماعيا ضمن التكتل الأوروبي نحو تبني موقف أكثر استقلالية تجاه سياسات "إسرائيل" في غزة.وأشار البيان إلى أن أكثر من 50 ألف شخص قُتلوا في الحرب المستمرة، معظمهم من النساء والأطفال، وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة تطال مئات الآلاف من سكان القطاع، حيث أُعلن عن وجود أكثر من 71 ألف حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال، في ظل حصار خانق يعرقل وصول المساعدات.وحذرت الدول الموقعة من أن "الوقت ينفد"، داعية إسرائيل إلى "التراجع فوراً عن هذه السياسة، ورفع الحصار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية من دون عوائق".
من جهته حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من تزايد خطر المجاعة بقطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، قائلا إن مليوني شخص يتضورون جوعا، بينما يُحتجز 116 ألف طن من الغذاء على الحدود.
جاء ذلك في كلمة، أمس الاثنين، في انطلاق أعمال الدورة الـ78 لجمعية الصحة العالمية التي تعد أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة الصحة العالمية، في مدينة جنيف السويسرية.
وفي افتتاح الاجتماع بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، تم انتخاب وزير الصحة الفلبيني تيودورو خافيير هيربوسا رئيساً للجمعية.وفي كلمته الافتتاحية، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية غيبريسوس، إن المنظمة نجحت في منع مرض شلل الأطفال من الانتشار، من خلال حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة الفلسطيني.
وأضاف: "مرّ شهران على الحصار الإسرائيلي الأخير على غزة، ويعاني مليونا شخص من الجوع، بينما يُحتجز 116 ألف طن من الغذاء على الحدود ويمنع الحصار المستمرّ عمدا وصول المساعدات الإنسانية بما فيها الغذاء، ويتزايد خطر المجاعة في غزة".وتابع: "يتسبب تصاعد القتال وأوامر الإخلاء ومنع المساعدات من دخول القطاع في سقوط العديد من الضحايا وسط نظام صحيّ منهار أصلًا".
"إسرائيل" تحت ضغط دولي متزايد
ويتزامن هذا البيان مع مؤشرات متزايدة على تنامي التوتر بين تل أبيب وبعض العواصم الأوروبية، التي باتت ترى في استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.
ووفقا لتقارير إسبانية، فإن حكومة بيدرو سانشيز تعمل حاليا على تقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي والسماح الفوري بدخول المساعدات. وتحدثت الصحف المحلية عن توجه داخل الاتحاد الأوروبي لبحث تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، في تصويت مقرر يوم 26 ماي الجاري في مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي.
ويعكس تحرك الدول السبع تحوّلا ملحوظا في الخطاب الأوروبي، الذي غالبا ما اتُّهم بازدواجية المعايير، لا سيما في مقارنته بمواقفه الحازمة تجاه الأزمة الأوكرانية، في مقابل تردده المزمن في اتخاذ مواقف واضحة من الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تبدو مدريد، ومعها دبلن وأوسلو، مصممة على تكريس "سياسة خارجية متماسكة"، حسبما وصفها سانشيز، تربط بين القانون الدولي وحقوق الإنسان كمعيار موحد في جميع الأزمات، سواء في كييف أو غزة.
خلفية سياسية
وتزامنت الدعوة الأوروبية مع استمرار الهجوم الإسرائيلي الذي تصفه منظمات أممية بـ"الأكثر دموية في القرن الحالي"، حيث يُسجّل عشرات الشهداء يوميا. ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهامات داخلية وخارجية بتوظيف الحرب لإبقاء ائتلافه اليميني المتطرف متماسكا، خاصة مع ضغوط متزايدة من زعيم حزب "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير.
وتضاف التحذيرات الأوروبية إلى العزلة المتزايدة التي بدأت تفرض نفسها على حكومة نتنياهو، والتي تواجه كذلك دعاوى جنائية محتملة أمام المحكمة الجنائية الدولية.رغم أن البيان الأوروبي لا يُترجم حتى الآن إلى إجراءات ملزمة، إلا أن دلالته السياسية والرمزية كبيرة. فهو يشير إلى تآكل الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل، وعودة مبدأ "المساءلة" إلى الطاولة، حتى من شركاء تقليديين.
وقد يكون التصويت المرتقب على اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل" مؤشرا على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي مستعدا للذهاب أبعد من البيانات، واستخدام أدواته الدبلوماسية والاقتصادية لممارسة ضغط فعلي.
ويرى مراقبون أنّ التحرّك الأوروبي ليس فقط دعوة للاحتلال، بل هو أيضا رسالة إلى بقية المجتمع الدولي، الذي بات مطالبا بالتحرّك قبل أن تتحول المأساة في غزة إلى وصمة تاريخية لا تُمحى. كما أن هذه الرسالة تعكس إدراكا أوروبيا متناميا بأنّ الصمت لم يعد خيارا، وأن "الحياد في وجه المجازر هو تواطؤ بصمت".
مبادرة أمريكية جديدة
في لحظة تبدو فيها غزة على شفا تصعيد جديد، وبينما تزداد الضغوط الإنسانية والسياسية، برز على الطاولة مقترح أمريكي جديد يقدمه المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في محاولة لإعادة إحياء المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، وصولا إلى اتفاق يشمل إطلاق سراح الرهائن ووقفا محتملا لإطلاق النار.
بحسب وسائل إعلام، يقضي المقترح الأمريكي بإطلاق سراح نحو 10 رهائن إسرائيليين، بالإضافة إلى تسليم جثث نحو 15 آخرين من الذين تأكّدت وفاتهم، مقابل وقف لإطلاق النار يمتدّ من 45 إلى 60 يوما، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.
لكن ما يميز هذه المبادرة عن سابقاتها هو إدراج صيغة جديدة تشير إلى أن هذا الوقف المؤقت لإطلاق النار قد يشكل بداية لمسار أوسع يفضي إلى إنهاء الحرب بشكل دائم.
تهدف هذه الصيغة، وفق مصادر مطلعة، إلى طمأنة حماس بأن إسرائيل، وتحديدا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لن تكون قادرة على استئناف القتال بشكل أحادي خلال فترة الهدنة، كما حدث في اتفاقات سابقة انهارت سريعا.
رغم وجود وفدين تفاوضيين لإسرائيل وحماس في الدوحة، إلا أن المحادثات بشأن المقترح الجديد تجري في قنوات غير رسمية يقودها رجل الأعمال الأمريكي من أصل فلسطيني بشارة بحبح. هذه القنوات – التي أثبتت فعاليتها مؤخرا في إطلاق سراح الرهينة عيدان ألكسندر – باتت المحرك الفعلي للاتصالات الحالية، بحسب ما أوردته وسائل إعلام وتقارير في الغرض.
تحفّظ إسرائيلي وتمسك فلسطيني
بحسب مصادر ، فإن نتنياهو أبدى موافقة "مبدئية مشروطة" على المقترح، مع إبداء تحفظات تتعلق بمستوى الضمانات المقدمة وبتوقيت الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. هذا الموقف يعكس تخبطا بين الضغوط الدولية، خصوصا من واشنطن، والاعتبارات السياسية والأمنية الداخلية.
في المقابل، تصر حركة حماس على موقفها الثابت لا اتفاق إلا بوقف شامل ودائم للحرب وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. وفي رد حازم، نفى القيادي في الحركة سامي أبو زهري ما أشيع حول موافقة الحركة على صفقة تشمل هدنة لمدة شهرين مقابل الإفراج عن رهائن، واصفا تلك الأنباء بأنها "مزيفة" وتستهدف الضغط الإعلامي والسياسي على الحركة.
وأشار أبو زهري إلى أن تسليم ألكسندر كان بمثابة "بادرة حسن نية" من جانب حماس، لكن الولايات المتحدة لم تتجاوب إيجابياً مع هذه الخطوة، ما زاد من تعقيد المسار التفاوضي.
ضغوط متزايدة
إلى جانب التحرك الدبلوماسي، يواجه البيت الأبيض – الذي يسعى لتجنب انفجار إنساني في غزة – ضغوطا داخلية وخارجية. إدارة ترامب، التي تنفي تقارير عن خطط لترحيل سكان غزة إلى ليبيا، تحاول وقف أي عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق جديدة، مقابل تسهيلات إنسانية وإطلاق سراح رهائن إضافيين.
ويبدو أن واشنطن تراهن على الوقت والإرهاق السياسي للطرفين، في محاولة لجعلهما يقبلان باتفاق مؤقت قد يُهيئ الأرضية لتفاهم طويل الأمد.
في ظل تعقيدات سياسية وعسكرية متزايدة، لا يزال مقترح ويتكوف يراوح مكانه بين التفاؤل الحذر والعوائق الجوهرية. فبينما تسعى الولايات المتحدة لتثبيت وقف إطلاق نار قد يتحول إلى نهاية محتملة للحرب، ترفض حماس أي "حلول وسط مؤقتة"، وتخشى إسرائيل من تكرار سيناريوهات سابقة .ويبقى السؤال: هل تنجح الصياغة الجديدة في تحويل هدنة مؤقتة إلى فرصة حقيقية للسلام، أم أن الحسابات الميدانية والرهانات السياسية ستعيد العجلة إلى نقطة الصفر؟
''إسرائيل'' دمرت 92 بالمائة من منازل غزة
هذا وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تدمير أو تضرر 92 بالمائة من منازل غزة، في وقت تواجه فيه العائلات "دمارا لا يصدق" جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.
وأكدت الوكالة في منشور عبر حسابها الرسمي على منصة إكس،أمس الاثنين، ضرورة رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
يأتي ذلك فيما تواصل ''إسرائيل'' ارتكاب جرائم يومية "مروعة" تتعمد خلالها إسقاط "عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين"، في مشهد وصفه مكتب الإعلام الحكومي بغزة بـ"الدموي الذي يؤكد على إصرار الاحتلال على تنفيذ سياسة التطير العرقي والإبادة".وقالت الأونروا إن العائلات الفلسطينية في غزة تواجه "دمارا لا يصدق" ويجب رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع.
أوضحت أن 92 بالمائة من منازل الفلسطينيين في غزة تضررت أو دُمرت كليا أو جزئيا، ونزح عدد لا يُحصى من الناس عدة مرات في ظروف نقص في المأوى وفق الأناضول.
وأواخر افريل الماضي، حذر مدير الاتصال لدى الأونروا جوناثان فاولر من فظاعة الوضع في غزة، مبرزا في مقابلة مع الأناضول حقيقة نفاد المواد الغذائية بالقطاع على خلفية غلق إسرائيل كافة المعابر، مستخدمة الغذاء سلاحا في حرب الإبادة المتواصلة.وتواصل إسرائيل، منذ 2 مارس الماضي، إغلاق 3 معابر رئيسية (كرم أبو سالم، وإيرز، وزيكيم) أمام دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية والوقود، ما فاقم خطر المجاعة في القطاع.