ويأتي تبرّع ورثة سمير المزغني بمكتبته ليس فقط تكريما لذكراه، بل هو أيضا درس في الوفاء، وفي المسؤولية الثقافية والاجتماعية.
افتتحت عمادة المحامين بتونس يوم أمس الأربعاء 7 ماي بمقرها، مكتبة قانونية تتألف من 440 كتابا، تلقتهم العمادة هدية من قبل ورثة المحامي والناشط الحقوقي والسياسي الراحل، سمير المزغني.
ثقافة التبرّع بالمكتبات: بين الوفاء والتكريس
في لفتة وفاء واستذكار لمسيرة نضالية وإنسانية حافلة، تلقّت عمادة المحامين بتونس هدية ثمينة من ورثة المحامي والحقوقي الراحل سمير المزغني تتمثل في مكتبة قانونية تضم 440 كتابا من بين أهم المراجع التي جمعها طوال مسيرته العلمية والمهنية.
الهدية جاءت إحياءً للذكرى الثانية والعشرين لوفاة المزغني، الذي وُلد بصفاقس عام 1952، وتوفي يوم 27 أفريل 2003، وترك خلفه ليس فقط مسيرة مهنية متميزة، بل أيضًا إرثًا فكريًا يعكس شغفه بالقانون واهتمامه العميق بقضايا الحرية والعدالة.
المكتبة التي باتت اليوم تحت سقف عمادة المحامين، تضم كتبا ومجلات وقواميس قانونية نادرة، اقتناها المزغني أثناء دراسته في كلية الحقوق بتونس، ثم في جامعة بغداد حيث نال شهادة الماجستير في القانون والسياسة، وكذلك خلال سنوات عمله كمحام منذ 1984.
لم يكتف الورثة بتسليم الكتب، بل أرفقوا الهدية بملف توثيقي دقيق يضم جردًا مفصلًا بمحتويات المكتبة، ما يجعلها متاحة للاستفادة الفعلية من قبل الباحثين والمهنيين في المجال القانوني.
الراحل سمير المزغني لم يكن مجرد محامٍ، بل كان صوتا من أصوات الحقوق في تونس والعالم العربي، رجل مبادئ ومواقف، وها هو اليوم، بعد أكثر من عقدين على رحيله، يواصل الإسهام في بناء الوعي القانوني من خلال كتبه.
نموذج حيّ لنقل المعرفة عبر الأجيال
في زمن تتسارع فيه التحوّلات الرقمية وتُهدّد فيه العلاقة الحميمية بين الإنسان والكتاب الورقي، تأتي مبادرة عائلة المحامي والحقوقي الراحل سمير المزغني لتذكّرنا بقيمة الإرث المعرفي وبدور التبرّع بالمكتبات الخاصة في صون الذاكرة الفكرية للمجتمعات. ففي
طبعا تبرّع العائلات بمكتبات ذويهم الراحلين هو أكثر من مجرد التفريط في ممتلكات. هو فعل رمزي يحمل في طياته احتراما لذاكرة الفقيد، ورغبة في ضمان استمرار أثره الفكري. يقول أحد أبناء المزغني في تصريح رمزي بهذه المناسبة:
إنّ هذا النوع من المبادرات، الذي بدأ يشقّ طريقه في تونس، يكتسي أهمية بالغة، خاصة في ظل افتقار العديد من الهياكل المهنية والجامعية إلى مراجع متخصصة، وصعوبة النفاذ إلى بعض الكتب القيمة بسبب ارتفاع أسعارها أو نفاد طبعاتها.
واللافت في هذه الخطوة، أن ورثة المزغني لم يكتفوا بتسليم الكتب، بل أرفقوا ذلك بملف تفصيلي يوثّق محتويات المكتبة حسب العناوين والمؤلفين ودور النشر، ما يجعلها قابلة للفهرسة والبحث، ويضمن اندماجها السلس ضمن النظام المرجعي للعمادة. هذه الخطوة تعكس وعيًا بأهمية تنظيم المعرفة ونقلها بشكل فعّال، بعيدا عن الفوضى التي قد تحوّل تبرعات مشابهة إلى عبء لا يُستغل.
ويمكن لمثل هذه المبادرة أن تكون محفّزًا لعائلات أخرى، لأساتذة جامعيين، لقضاة متقاعدين، لمفكرين ومثقفين، للتفكير في مصير مكتباتهم بعد الرحيل.
فكم من مكتبة تُركت عرضة للإهمال، أوانتهت في صناديق مغلقة، أو بيعت دون إدراك لقيمتها الفكرية؟