ويعد هذا التصعيد أكبر مواجهة عسكرية بين الدولتين النوويتين منذ عقدين وسط مخاوف من تطوره الى حرب شاملة في هذه المنطقة الحساسة والتي شهدت جولات حروب عديدة على المنطقة المتنازع عليها في كشمير . وابتدأ التصعيد على خلفية هجوم 22 افريل في كشمير ووجهت الهند أصابع الاتهام الى باكستان بالوقوف ورائه رغم نفي اسلام آباد . وتمثل هذه الحادثة بداية فتيل الأزمة التي أعادت تحريك جمر البركان في هذه المنطقة الملتهبة فقد تبادل الجيشان القصف المدفعي على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير بعد ضربات هندية على الأراضي الباكستانية ردا على اعتداء باهالغام الذي شنه مسلحون. وتسببت الصواريخ الهندية التي أصابت ست مدن في كشمير وبنجاب في باكستان بقتلى وجرحى وألحقت هذه الضربات أيضا أضرارا في سد نيلوم-جيلوم لتوليد الطاقة. وتتصاعد المخاوف باعتبار ان الدولتين تمتلكان ترسانة نووية، فالهند لديها 180 رأسا حربيا نوويا مقابل 170 رأسا لجارتها باكستان.
وسبق هذا التصعيد العسكري الهندي تهديد من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ذي الميول المتطرفة والذي ينتمي للحزب القومي الهندوسي، بأن بلاده «ستقطع مياه» الأنهار التي تنبع من أراضيها وتروي باكستان، رداً على الهجوم الذي وقع في الشطر الهندي من كشمير. وعلّقت الهند مشاركتها في معاهدة لتقاسم المياه أبرمت سنة 1960 مع باكستان، عقب الهجوم الذي يعدّ الأكثر حصدا لأرواح المدنيين منذ أكثر من 20 عاما في الشطر الهندي من هذه المنطقة ذات الغالبية المسلمة. قبل ساعات من إعلان مودي، اتّهمت باكستان الهند بتعديل تدفق نهر شيناب، أحد الأنهر الثلاثة التي وضعت تحت سيطرة إسلام آباد بموجب اتفاقية 1960. وإقليم البنجاب يقطنه نحو نصف سكان باكستان، البالغ عددهم 240 مليونا، وهو القلب النابض للقطاع الزراعي في البلاد. وينبع نهر شيناب من الهند لكن تم منح باكستان السيطرة عليه بموجب معاهدة مياه السند الموقعة في عام 1960 بين القوتين النوويتين.
جذور الأزمة ...ملف كشمير
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، عاد ملف كشمير ليحتل صدارة المشهد الإقليمي والدولي. هذا الإقليم الجبلي الذي ظل موضع نزاع دائم بين الهند وباكستان منذ لحظة تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، حين قرر الحاكم الهندوسي للإقليم، رغم الأغلبية المسلمة لسكانه، الانضمام إلى الهند، ما أشعل أولى الحروب بين الجارتين. ومنذ ذلك الحين، شهدت كشمير ثلاث حروب كبرى، وتبقى اليوم مقسمة بين شطر خاضع للهند وآخر لباكستان، في ظل خط مراقبة يفصل الجانبين ويشهد بشكل شبه دائم مناوشات دموية.
وتصاعد التوتر مؤخرا بعد أن ألغت الحكومة الهندية في عام 2019 الحكم الذاتي الخاص بالإقليم بموجب المادة 370 من الدستور، وهو القرار الذي أثار غضبا واسعا في باكستان، واعتبرته خرقا للاتفاقات الدولية ومحاولة لفرض واقع جديد بالقوة.
ومما زاد من منسوب التوتر أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، المعروف بميوله القومية المتطرفة، صعّد من لهجته بعد الهجوم الأخير، متوعدا بقطع المياه عن باكستان عبر تجميد العمل بمعاهدة تقاسم مياه الأنهار المبرمة بين البلدين في عام 1960. وقد أعلنت نيودلهي تعليق مشاركتها في المعاهدة التي تضمن تدفق أنهار رئيسية مثل شيناب وجيلوم إلى الأراضي الباكستانية، ما اعتبرته إسلام آباد "إعلان حرب صامتة" يهدد الأمن المائي والغذائي لملايين السكان في إقليم البنجاب، الذي يمثل سلة الغذاء الباكستانية ويقطنه نحو نصف سكان البلاد.
مخاوف وسيناريوهات
بينما يتابع العالم بقلق متزايد تطورات التصعيد بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، تتزايد المخاوف من انزلاق الأزمة نحو مواجهة شاملة قد تكون لها تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والدولي. في ظل تصاعد التوترات العسكرية على الحدود، وتصاعد الخطاب السياسي والإعلامي، تطرح التساؤلات حول مآلات هذا التصعيد: هل نحن أمام حرب تقليدية محدودة، أم مواجهة نووية، أم تسوية دبلوماسية تحت الضغط الدولي؟
فالتوتر بين الهند وباكستان ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لصراع تاريخي، يتمحور في جوهره حول إقليم كشمير المتنازع عليه، والذي أشعل حروبا متعددة بين الجانبين منذ استقلالهما عام 1947 .
ووفق مراقبين يبقى أكثر السيناريوهات رعبا هو اللجوء إلى الأسلحة النووية. تملك الهند وباكستان ترسانتين نوويتين صغيرتين نسبيا، لكن استخدام أي سلاح نووي، حتى تكتيكي، سيؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية، وقد يحفّز تدخلا دوليا عاجلاً. رغم أن العقيدة النووية لكلتا الدولتين تقوم على الردع، إلا أن فشل منظومات الإنذار المبكر أو ضغط الرأي العام قد يدفع نحو قرارات متهورة في لحظات حرجة.
ويشير التاريخ إلى أن الأزمات الكبرى بين الهند وباكستان غالبا ما يتم احتواؤها عبر تدخل دولي – خاصة من الولايات المتحدة، الصين، وروسيا. مع تصاعد التوتر الحالي، بدأت أصوات العواصم الكبرى تطالب بوقف إطلاق النار، وتعرض الوساطة لتخفيف التصعيد.
تحذيرات دولية
وأطلقت عدة عواصم عالمية تحذيرات عاجلة من انزلاق المنطقة إلى مواجهة نووية. فقد دعت الولايات المتحدة الطرفين إلى "ضبط النفس" محذرة من "تصعيد غير محسوب قد تكون له عواقب كارثية". كما عبّرت الصين عن "قلق بالغ" وناشدت الجانبين اللجوء إلى الحوار والتهدئة، خاصة أن بكين تربطها علاقات إستراتيجية وثيقة بإسلام آباد. أما الأمم المتحدة فقد حثت على احترام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بكشمير، واعتبرت أن التصعيد "يشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين".
من جهتها، أدانت منظمة التعاون الإسلامي القصف الهندي الذي طال مناطق مأهولة في الشطر الباكستاني من كشمير، مؤكدة دعمها لحقوق السكان المسلمين في الإقليم وداعية إلى فتح تحقيق دولي في الانتهاكات الموثقة. كما ارتفعت أصوات مدنية في الهند وباكستان تدعو إلى تفادي الانجرار إلى حرب جديدة لا مصلحة فيها لأي من الطرفين، مطالبة بإعطاء أولوية للحوار والتنمية الإقليمية.
ومع أن شبح الحرب لا يزال حاضرا، فإن المجتمع الدولي يراقب بقلق ما إذا كان الطرفان سيختاران التراجع عن حافة الهاوية، أم أن دوامة الدماء ستتسع في واحدة من أخطر النقاط الساخنة في العالم.
وأكدت الحكومة البريطانية، أمس الأربعاء، أنها "مستعدة" للتدخل "لخفض التصعيد" بين الهند وباكستان، في حين أدى قصف متبادل بين الدولتين إلى مقتل 38 شخصاً على الأقل في أخطر مواجهة بين الجارتين منذ عقدين.
وقال وزير التجارة البريطاني جوناثان رينولدز وفق بي بي سي، "نحن مستعدون وقادرون على القيام بأي شيء يتعلق بالحوار وخفض التصعيد".
بدورها، قالت وزارة الخارجية الروسية أمس ، إنها تشعر بقلق بالغ إزاء الصدام العسكري بين الهند وباكستان، مضيفة أنها تدعو البلدين إلى ضبط النفس.وقالت روسيا، التي تربطها علاقات طيبة بكل من الهند وباكستان، في بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية إنها تندد بكافة أشكال "الإرهاب".
في تصريحات صحفية، أعرب وزير الإعلام الباكستاني، عطاء الله تارار، عن استنكار باكستان للضربات الهندية، قائلاً: "لقد تجاوزوا حدودنا." وأكد أن باكستان سترد بشكل متبادل على الهجوم الهندي، كما كرر ما ذكره المتحدث العسكري حول الضربات الانتقامية.
وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أمله في أن يتوقف القتال بين الهند وباكستان "سريعاً جداً"، في تعليق على التوترات المتصاعدة بين الجارتين النوويتين في جنوب آسيا.وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي "إنه لأمر مؤسف. كما تعلمون، لقد كانوا يتقاتلون لعقود وقرون عديدة. في الواقع، إذا ما فكّرتم في الأمر حقاً، آمل فحسب أن يتوقف هذا الأمر سريعاً جداً".
هذا وأبلغ مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بالضربات التي شنّتها بلاده ضدّ جارتها باكستان، بعد حصولها، وفق ما أعلنت السفارة الهندية في واشنطن.وقالت السفارة في بيان إن "أفعال الهند كانت مركّزة ودقيقة"، مضيفة أن روبيو الذي يشغل حالياً منصب القائم بأعمال مستشار الأمن القومي الأمريكي، أُطلع على "الإجراءات المتخذة".
في السياق، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش ، أن "العالم لا يمكنه تحمّل مواجهة عسكرية" بين الهند وباكستان.وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان إن غوتيريش يبدي "قلقه البالغ" إزاء التصعيد الراهن و"يدعو كلا البلدين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس العسكري".
تقارير استخباراتية
هذا وتذرعت الهند بأن هجماتها الصاروخية على باكستان جاءت عقب تلقيها معلومات استخباراتية إلى احتمال وقوع هجمات أخرى ضد البلاد.
وذكر سكرتير وزارة الخارجية الهندية فيكرام ميسري في تصريح صحفي، أمس الأربعاء، أن المعلومات الاستخباراتية تظهر أن هناك هجمات جديدة وشيكة على الهند.وقال: "لذلك كان لا بد من الردع والمنع (هجمات 6 ماي)"، مشيرًا إلى أن الهند استخدمت "حقها بالرد بالمثل ومنع وردع مثل هذه الهجمات من خارج الحدود".ولفت إلى أنهم هدفوا إلى "تشتيت البنية التحتية الإرهابية"، مبينًا أن المسألة التي ركزوا عليها تتمثل في "تحييد الإرهابيين المحتمل إرسالهم إلى الهند".
واعتبر ميسري أن التحقيقات المتعلقة بالهجوم على منطقة باهالغام بإقليم جامو وكشمير (شمال) الخاضع للإدارة الهندية في 22 افريل الماضي، أظهرت احتمال "ارتباط" المهاجمين بباكستان.بدورها، ذكرت صحيفة "الهند اليوم"، أن رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي أجّل زياراته المخططة إلى كل من النرويج وكرواتيا وهولندا عقب الهجمات.وأعلن الجيش الهندي ، إطلاق عملية عسكرية ضد "أهداف" في باكستان ومنطقة آزاد كشمير الخاضعة لسيطرتها.
وقال الجيش الهندي إنه استهدف 9 مواقع وصفها بـ"الهياكل الإرهابية"، فيما أعلنت إدارة إسلام آباد استهداف 6 مواقع مدنية، أدت إلى مقتل 38 شخصا، وإصابة مئات آخرين.كما أعلن الجيش الباكستاني إسقاطه 5 مقاتلات هندية خلال الهجوم، في حين نفت إدارة نيودلهي هذا الأمر.
وقال مسؤولون هنود إن منفذي الهجوم "جاؤوا من باكستان"، فيما اتهمت إسلام آباد الجانب الهندي بممارسة حملة تضليل ضدها.وقررت الهند تعليق العمل بـ"معاهدة مياه نهر السند" لتقسيم المياه، في أعقاب الهجوم، وطالبت دبلوماسيين باكستانيين في نيودلهي بمغادرة البلاد خلال أسبوع.من جانبها، نفت باكستان اتهامات الهند وقيدت عدد الموظفين الدبلوماسيين الهنود في إسلام آباد، وأعلنت أنها ستعتبر أي تدخل في الأنهار خارج معاهدة مياه نهر السند "عملا حربيا"، وعلقت كل التجارة مع الهند وأغلقت مجالها الجوي أمامها.
من جانبها، دعت لجنة الأمن القومي الباكستانية بعد اجتماع طارئ “المجتمع الدولي إلى إدراك خطورة أفعال الهند غير القانونية وغير المبررة، ومحاسبتها على انتهاكاتها الصارخة للأعراف والقوانين الدولية”.
وقالت باكستان الأربعاء إنها استدعت القائم بالأعمال الهندي في إسلام آباد “للاحتجاج على القصف الذي يشكل انتهاكا صارخا لسيادة باكستان”.
وقالت الناطقة باسم الجيش الهندي اللفتنانت كولونيل فيوميكا سينغ إن الضربات، “استهدفت تسعة معسكرات إرهابية ودمرتها” موضحة أن الأهداف “اختيرت لتجنب أي أضرار للمنشآت المدنية ووقوع خسائر بشرية”.وألحقت هذه الضربات أيضا أضرارا في سد نيلوم-جيلوم لتوليد الطاقة في باكستان، بحسب شودري.واندلعت المعارك خلال الليل وتواصلت صباحا حول البلدة التي استُهدفت بوابل من القذائف، على ما أفادت وكالة فرانس براس.
ونقلت وكالة “براس تراست أوف إنديا” للانباء عن فاروق أحد سكان بونش قوله “استيقظنا على القصف .. سمعت انفجارات … وخشيت من انهيار السقف علينا”.وفي وقت سابق من الليل، هزت انفجارات عنيفة أيضا محيط مدينة سريناغار الرئيسية في الشطر الهندي من كشمير.
وصباحا، أفاد مصدر أمني هندي وكالة فرانس برس بتحطم ثلاث طائرات مطاردة لسلاح الجيش الهندي لأسباب لم توضّح على الفور.ولم يكشف المصدر عن مصير الطيارين، في حين لا يمكن للصحافيين التوجه إلى بعض المناطق المستهدفة بالقصف.
ورصدت وكالة فرانس في حقل في وويان قرب سريناغار حطام طائرة قال مصدر أمني هندي لوكالة فرانس برس إنها من طراز ميراج 2000 تابعة لسلاح الجو الهندي.وأكد وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف وفق وكالة فرانس براس أن باكستان أسقطت “خمس طائرات معادية” من دون مزيد من التفاصيل.واتهمت الهند باكستان بالضلوع في هجوم باهالغام لكن إسلام آباد سارعت إلى نفي أي دور لها فيه.
وتفيد الاستخبارات الهندية أن أحد المواقع التي استهدفها الجيش الهندي خلال الليل وهو مسجد سبهان في باهاوالبور في بنجاب الباكستانية، على ارتباط بجماعات قريبة من حركة عسكر طيبة الإسلامية.وتتهم الهند هذه الجماعة التي يشتبه بأنها تقف وراء الهجمات التي أودت بحياة 166 شخصا في بومباي في 2008 بشن هجوم 22 افريل.