في معرض تونس الدولي للكتاب في دورته 39 والتي لملمت أوراقها، مؤخرا، كانت الصفوف طويلة وعريضة من أجل الظفر بتوقيع الكاتب السعودي أسامة المسلم، وطبعا كان الشباب هو السواد الأعظم من الجمهور. وفي الوقت الذي تصطف فيه طوابير من القرّاء لاقتناء إصداراته، لا يخفي كثير من النقاد امتعاضهم ممّا يعتبرونه «انحدارا للذائقة» أو «أدب بلا عُمق». ومع ذلك، يواصل المسلم الكتابة، ببرود المطمئن إلى جمهوره، وثقة من يعرف أنه يكتب بلغته الخاصة، لا بلون السائد ولا برضا الحرس القديم.
أحدثت رواياته الكثيرة العدد، ومنها "خوف" و"صخب الخرافة" و"وهج البنفسج" و"لج"... حالة من الإقبال النهم على القراءة بين فئة من الشباب الذين لم يكن يُعرف عنهم الشغف بالكتب. هي روايات تندرج ضمن الفانتازيا والغموض، بأجواء مظلمة وأحداث تتقاطع فيها الأساطير والميثولوجيا مع نبض الحياة اليومية. هذا النوع من الأدب، الذي طالما وُصف بأنه «مستورد»، ربما أقبل عليه القارئ العربي وخاصة الشباب لما وجده مكتوبا بلهجته، بلسانٍ يعرف تقاليده ومخاوفه وأوهامه.
إلا أنّ هذا النجاح لم يمر مرور الكرام. فالنقد الأدبي التقليدي – أو ما يسميه البعض "النقد النخبوي" – لم يرحب بأسامة المسلم بالحرارة ذاتها. بل جاءت التعليقات مشوبة بالسخرية أحيانا، وبالتحفظ غالبا. يتم تصنيف أسامة المسلم بأنه يكتب «لإرضاء السوق»، وأن رواياته «منتج ثقافي خفيف» يُقدّم بأسلوب مبالغ في الزخرفة اللفظية، ويفتقر إلى البنية الأدبية العميقة أو التجريب الأسلوبي.
لكن، في مقابل هذا النقد، ثمة جمهور كبير يدافع عن المسلم بشراسة وبشغف. يتحدث هؤلاء القرّاء عن كاتب أعادهم إلى القراءة، وعن روايات يجدون فيها أنفسهم ومخاوفهم وأسئلتهم الوجودية بطريقة غير مباشرة.
ما يُثير الانتباه أكثر، هو أن أسامة المسلم قلّما يدخل في مهاترات أو يرد على النقاد. هو لا يطرح نفسه مفكرا أو منظّرا، بل يكتفي بأن يكون راوٍ يكتب، وهذا بحد ذاته موقف أدبي قد يبدو خادعا في بساطته. وربما كان ذلك ما يجعل النقاد أكثر حيرة وارتباكا، إذ يصعب تهميش كاتب تُباع له الروايات بالآلاف، ويصعب أيضا تقبّله في نادي "الأدب الجاد".
ما بين هذا التوتر الدائم بين الشعبية والنقد، بين المتعة والعمق، وبين الزائل والدائم... قد يكون الزمن وحده كفيل بالحسم: هل سيبقى أسامة المسلم مجرد اسم لامع في فترة محددة، أم سيتواصل صدى اسمه مستقبلا ليكون أكثر من مجرد ظاهرة؟