مطالبين بإنهاء الحصار الإنساني فورا، ووقف استخدام المساعدات كوسيلة ابتزاز سياسي، في وقت يشهد فيه القطاع أسوأ كارثة إنسانية في تاريخه المعاصر. وطالب البيان الثلاثي، الذي صدر في وقت يزداد فيه الضغط الدولي على حكومة بنيامين نتنياهو، إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة "دون تأخير أو عوائق"، استنادًا إلى المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، مؤكدين أنّ "تلبية حاجات المدنيين ليست خيارا بل واجب قانوني وأخلاقي".
وتأتي هذه الدعوة في ظل تقارير أممية وتحذيرات متكررة من وقوع مجاعة جماعية في شمال القطاع، وتدهور صحي كارثي في الجنوب، حيث تمنع إسرائيل دخول شاحنات الغذاء والدواء والوقود منذ أسابيع، رغم المناشدات الدولية.
وفي خطوة نادرة، وجه الوزراء الأوروبيون الثلاثة انتقادات مباشرة لوزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بسبب تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها المساعدات الإنسانية "أداة ضغط ضد حماس"، مؤكدين أن هذه السياسة "غير مقبولة إطلاقًا"، وتحول المساعدات الإنسانية من أداة إنقاذ إلى ورقة مساومة سياسية.
وجاءت هذه التصريحات لتكشف عن خلاف عميق بين تل أبيب وعدد من الحلفاء التقليديين في الغرب، الذين باتوا يرون أن سياسة خنق غزة تضعهم في مأزق أخلاقي ودبلوماسي متزايد أمام شعوبهم والمنظمات الحقوقية الدولية.
رفض تغيير الطابع الديموغرافي لغزة
وأعرب البيان الأوروبي كذلك عن رفض واضح لأي محاولات إسرائيلية لإعادة رسم الواقع السكاني والجغرافي في غزة، محذرين من "تقليص مساحة الأراضي الفلسطينية" أو فرض "أي تغيير ديموغرافي قسري"، في إشارة إلى المخاوف المتصاعدة من تهجير جماعي للفلسطينيين جنوبًا أو إلى سيناء، وهو ما يعتبر انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
ولم يخفي البيان غضب الأوروبيين أيضا من استهداف ''إسرائيل'' للمنشآت الصحية والعاملين في المجال الإنساني، حيث شددوا على ضرورة التزام الجيش الإسرائيلي بحماية المدنيين والمنشآت الحيوية، بعد تكرار الهجمات على طواقم الإغاثة، والتي كان أبرزها الهجوم على قافلة منظمة "وورلد سنترال كيتشن"، الذي أثار موجة استنكار دولي واسع.
تحولات في الخطاب الغربي؟
ووفق مراقبين يحمل هذا البيان مؤشرات على تزايد التباعد بين بعض الدول الأوروبية وإسرائيل، خصوصا مع التوجه الإسرائيلي للتصعيد العسكري ورفض كل المبادرات السياسية لوقف إطلاق النار أو تنفيذ اتفاقات تبادل الأسرى. كما يعكس تنامي الضغوط الشعبية والحقوقية داخل أوروبا لمحاسبة إسرائيل على جرائمها، بما في ذلك الدعوات إلى مراجعة الدعم العسكري والسياسي المقدم لتل أبيب.
هذا ويرى البعض أن بيان وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ليس مجرد تعبير عن "قلق"، بل تحذير صريح بأن استمرار النهج الإسرائيلي في استخدام التجويع كسلاح حرب، واستهداف المدنيين والمستشفيات، يهدد بانهيار ما تبقى من الغطاء الدولي لحكومة نتنياهو. وفي ظل تفاقم المأساة الإنسانية، تزداد الأسئلة عن مدى استعداد المجتمع الدولي للانتقال من التصريحات إلى الإجراءات الفعلية... قبل فوات الأوان.
تخبط صهيوني
في خطاب يعكس مزيدا من التعنت والتخبط، أعلن رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تمسكه بمواصلة الحرب المفتوحة على قطاع غزة، مؤكدا أن حكومته "لن تتراجع حتى لو اضطرت إسرائيل إلى الوقوف وحدها". جاءت تصريحاته خلال كلمته في مراسم "إحياء ذكرى الهولوكوست" في القدس المحتلة، وسط تصاعد الضغوط الدولية والدعوات لوقف إطلاق النار.
واستغل نتنياهو المناسبة ليبرر حرب الإبادة جماعية التي يشنها ضد الفلسطينيين في غزة منذ ما19 شهرا، وقد خلفت حتى الآن أكثر من 168 ألف ضحية فلسطينية بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء.
وزعم نتنياهو إن إسرائيل تتعرض لتهديدات بفرض حظر تسليحي من أطراف دولية – لم يسمها – في حال واصلت عمليتها العسكرية في رفح، إلا أنه أكد أن بلاده "لن تقبل الإملاءات" وستستمر في ما أسماه "الدفاع عن النفس"، في إشارة إلى العمليات التي تشهد تصعيدا داميًا في جنوب غزة، رغم الإدانات الدولية.
وشدد على أن تل أبيب لن تتراجع عن استهداف حركة حماس، مضيفا: "إذا اضطررنا للوقوف وحدنا فسنفعل"، في خطاب يكشف حجم التوتر في العلاقات مع الحليف الأمريكي بعد خطوات فعلية اتخذتها إدارة بايدن لتقييد بعض الإمدادات العسكرية.
ولم يخلو خطاب نتنياهو من التصعيد ضد إيران، إذ كرر مزاعمه بأن طهران تهدد "مصير البشرية" إذا حصلت على سلاح نووي، محذرا من أن خسارة إسرائيل لهذا الصراع ستؤثر لاحقًا على الغرب. وتأتي التصريحات بالتزامن مع مفاوضات أمريكية إيرانية غير مباشرة احتضنتها مسقط وروما، في محاولة لإحياء المسار النووي وسط توتر إقليمي حاد، يهدد بتوسيع دائرة الحرب.
خلافات داخلية
وفي مشهد يعكس هشاشة الوضع الداخلي، تطرق رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى حالة الاستقطاب والانقسام المتفاقم، ملوحا بـ"عدم غفران التاريخ" لمن يحاولون "تفكيك الدولة من الداخل". ويُنظر إلى هذه التصريحات كإشارة إلى الخلافات المتصاعدة بين المعارضة والائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، والتي تفجرت مؤخرا على خلفية إقالة رئيس الشاباك، إضافة إلى الاحتجاجات الشعبية على سياسات حكومة الإحتلال.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تعطلت فيه المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى، الذي بدأ سريانه في جانفي الماضي، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، قبل أن يتنصل نتنياهو من استكماله منتصف مارس، استجابة لضغوط اليمين المتطرف.
وبات من الواضح أن استمرار نتنياهو في هذا النهج يعمق عزلة إسرائيل الدولية، ويزيد من الضغوط القانونية التي تواجهه، إذ إنه مطلوب من قبل محاكم دولية بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كما تُظهر ردود الفعل المتسارعة من عواصم غربية أن صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد، رغم استمرار الدعم العسكري الأمريكي.
لم يكن خطاب نتنياهو في ذكرى "الهولوكوست" سوى إعلان تمسك بمسار دموي، يراه خصومه الداخليين والدوليين مجازفة تضع "إسرائيل" في مواجهة مفتوحة ليس فقط مع الفلسطينيين، بل مع الإنسانية جمعاء. وهو خطاب لا يخفي فقط مأزق الحكومة داخليا، بل يكشف عمق الانفصال بين الخطاب السياسي الرسمي الإسرائيلي وبين واقع المجازر في غزة، حيث يموت الأبرياء باسم "الردع".
رفض تهجير الفلسطينيين
هذا ودعا المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة مواقفها المنحازة لإسرائيل، مؤكدا رفضه تهجير الفلسطينيين من أرضهم المحتلة "تحت أي مسمى أو ظرف".
جاء ذلك في قرار صدر عن اجتماع الدورة 163 لوزراء الخارجية العرب، بمقر الجامعة في القاهرة الأربعاء، برئاسة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" الخميس.
ويأتي هذا الاجتماع تمهيدا لانعقاد القمة العربية المقررة بالعاصمة العراقية بغداد في 17 ماي المقبل.كما يأتي قبل زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط بين 13 و16 ماي، يزور خلالها السعودية وقطر والإمارات، حسب البيت الأبيض قبل يومين.
ودعا وزراء الخارجية العرب في قرارهم "الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة مواقفها المنحازة لإسرائيل".
كما دعا الوزراء واشنطن إلى "العمل بجد وإخلاص مع الأطراف المعنية لتنفيذ حلّ الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) على خطوط الرابع من جوان 1967".وأكدوا ضرورة "تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره في دولته المستقلة ذات سيادة قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا".وحثوا واشنطن على "الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها، ووقف أعمالها الأحادية التي تُدمّر حل الدولتين".
إعادة إعمار غزة
ودعا الوزراء العرب جميع الدول إلى "تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية الإسلامية التي اعتمدتها القمة العربية بتاريخ 4 مارس 2025، ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في 7 مارس 2025 بجدة".
ولفتوا إلى أن هذه الخطة خاصة بـ"التعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، في إطار مسار سياسي يؤدي إلى تجسيد استقلال دولة فلسطين، ويضمن تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه والتصدي لمحاولات تهجيره".ووفق الخطة، تستغرق عملية إعادة إعمار غزة خمس سنوات، وتتكلف نحو 53 مليار دولار.
لكن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة، وتمسكتا بمخطط ترامب لتهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
ورحب الوزراء بـ"عقد مؤتمر دولي في القاهرة في أقرب وقت، للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، بالتعاون والتنسيق مع دولة فلسطين والأمم المتحدة".
ودعوا المجتمع الدولي إلى "المشاركة فيه للتسريع في تأهيل قطاع غزة وإعادة إعماره بعد الدمار الذي تسبب به العدوان الإسرائيلي".
وشددوا على ضرورة "العمل على إنشاء صندوق ائتماني يتولى تلقي التعهدات المالية من كافة الدول ومؤسسات التمويل المانحة، بغرض تنفيذ مشروعات التعافي وإعادة الإعمار".
حلّ الدولتين
وأعرب الوزراء عن "دعم جهود عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتحقيق حل الدولتين وتجسيد استقلال دولة فلسطين، وفقا للمرجعيات الدولية، برئاسة مشتركة من السعودية وفرنسا في جوان المقبل بمقر الأمم المتحدة".
وأكدوا "الرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه أو داخلها، وتحت أي مسمى أو ظرف أو مبرر أو دعاوى، باعتبار ذلك جزءا من جريمة الإبادة الجماعية وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي".
ودعوا مجلس الأمن الدولي إلى "اتخاذ قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يضمن امتثال إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لقرارات المجلس".
والقرارات، وفق الوزراء، هي "ذات الصلة بالوقف الفوري لإطلاق النار والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".
وكذلك القرارات الخاصة بـ"تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية وفتاواها، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه"، وفق القرار العربي.
وأصدرت المحكمة في 28 مارس و26 جانفي 2024، مجموعتين من التدابير المؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا في قضية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.ومن بين هذه التدابير ضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها دون عوائق، فضلا عن الإمدادات والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة.
لكن إسرائيل تواصل تجاهل تلك التدابير، إذ تغلق كافة معابر غزة؛ ما أدخل القطاع في مرحلة المجاعة جراء منع إدخال المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.كما أصدرت المحكمة في 29 جويلية 2024 رأيا استشاريا أكدت فيه أن استمرار وجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة "غير قانوني"وفق الأناضول.وشدت على أن المنظمات الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني.
مجزرة جديدة بجباليا واقتحامات للأقصى
ميدانيا أفادت مصادر طبية للجزيرة مصادر طبية وفق ''الجزيرة" باستشهاد 30 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر امس، 18 منهم بمدينة غزة وشمالي القطاع، يأتي ذلك مع إعلان مصادر طبية أن القطاع دخل المرحلة الخامسة من سوء التغذية.
كما ارتفع عدد الشهداء إلى 10 وأصيب عدد آخر بجروح إثر قصف إسرائيلي على مركز للشرطة بسوق جباليا البلد شمالي قطاع غزة.وقال الدفاع المدني بغزة إن طواقمه غير قادرة على الوصول إلى أشخاص محاصرين تحت أنقاض منازلهم المقصوفة في حي التفاح، ودعا الصليب الأحمر لتكثيف عملية التنسيق مع الاحتلال لتمكين طواقمه من الوصول إلى المكان.
إنسانيا، قال مدير مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا إن أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية وصعوبة مُتابعتهم طبيا بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال. في الوقت ذاته، تجتاح حرائق ضخمة عدة مناطق في إسرائيل، بينما تعجز طواقم الدفاع المدني عن السيطرة عليها.
وفي الضفة الغربية، قالت اللجنة الإعلامية في طولكرم إن قوات الاحتلال دمرت أكثر من 2800 منزل في مخيمَي طولكرم ونور شمس. وفي اليمن، واصلت المقاتلات الأميركية غاراتها على مختلف المدن، وتحدثت وسائل إعلام تابعة لأنصار الله الحوثيين عن وقوع غارات أميركية جديدة على صنعاء ومحافظة صعدة بعد منتصف الليل.