فيما ترامب يختار الخليج كأولى محطاته...تهدئة إيرانية سعودية ؟ توازنات الطاقة وملفات الأمن وصراع النفوذ الدولي في قلب الشرق الأوسط

في تطور لافت على مستوى العلاقات الإقليمية أدى وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان زيارة رسمية إلى

العاصمة الإيرانية طهران وُصفت بأنها الأرفع منذ عقود، لتؤشر على انتقال العلاقات بين الرياض وطهران من مربع التهدئة إلى مربع المصالح المتبادلة، وسط تسارع في وتيرة الأحداث الإقليمية والدولية، أبرزها التفاهمات الإيرانية الأمريكية المنتظرة، وزيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنطقة.

الزيارة التي قاد فيها الأمير خالد بن سلمان وفدا سعوديا ضمّ مسؤولين أمنيين وعسكريين بارزين، تعد الأولى من نوعها منذ أكثر من أربعة عقود لوزير دفاع سعودي إلى طهران، وجاءت تتويجا لمسار التقارب الذي انطلق باتفاق بكين بوساطة صينية، وشهد زخماً متزايدًا في الأشهر الأخيرة. إلا أن السياق الزمني الذي جاءت فيه هذه الزيارة يُضفي عليها أهمية إضافية، إذ تزامنت مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، ومع عودة الحراك الأمريكي في المنطقة عبر زيارة مرتقبة لترامب، المرشح الأقوى للبيت الأبيض في 2024 ستقوده إلى السعودية وقطر والإمارات من 13 إلى 16 ماي المقبل.
وفي ظل توقعات بزيارة مرتقبة لدونالد ترامب للمنطقة، تشير زيارة الأمير خالد إلى أن السعودية تتجه نحو رسم مقاربة جديدة في سياستها الإقليمية، قوامها عدم الارتهان للولايات المتحدة، وتوسيع دائرة الشراكات الإقليمية. وتبدو هذه المقاربة جزءا من التحول الأعمق الذي تقوده المملكة ضمن "رؤية 2030"، حيث الأمن لم يعد حكرا على التفاهمات العسكرية، بل بات يُعاد تعريفه ضمن مفهوم أوسع يشمل التنمية والتعاون والتوازنات الإقليمية.
ووفق مراقبين مثل الوجود اللافت لسفير السعودية لدى اليمن ضمن الوفد المرافق لوزير الدفاع، يعكس بوضوح الأهمية الخاصة التي توليها الرياض للملف اليمني ضمن أجندة المحادثات مع طهران. فالسعودية، التي تسعى إلى تثبيت هدنة دائمة في اليمن بعد سنوات من الحرب المكلفة، تجد في طهران مفتاحا لإلزام الحوثيين بضمان أمن البحر الأحمر ومنع التصعيد، خصوصا في ظل التوترات البحرية المتفاقمة عقب تصاعد الهجمات الإسرائيلية على غزة والدعم الحوثي للمقاومة الفلسطينية.
وبينما لم يُعلن عن اتفاقات محددة، فإن المؤشرات تشي بأن الرياض تسعى لتفاهمات أوسع مع طهران تضمن خروجا آمنا من المستنقع اليمني، وتحد من التهديدات على أمنها البحري والحدودي. ويتقاطع هذا التوجه مع الطموح الإيراني في ترسيخ "نموذج للأمن الإقليمي" بعيدا عن النفوذ الأمريكي والإسرائيلي.
صفقة أم تفاهم استراتيجي؟
رغم نفي التوصل إلى معاهدة دفاع مشترك في الوقت الحالي، إلا أن الأجواء والتصريحات توحي بوجود تفاهمات إستراتيجية تزداد عمقا بين البلدين.إذ يعكس عرض طهران تقديم دعم تقني وتنموي للرياض، وإشارة المسؤولين الإيرانيين إلى "أمن جماعي" بديلا عن التبعية للخارج، تصورا لمعادلة جديدة في الإقليم.
كما أن هذه الزيارة، كما جاء في تعليقات نُشرت عبر قنوات رسمية وشبه رسمية إيرانية، تمثل رسالة مزدوجة لواشنطن وتل أبيب: مفادها أن الرياض تمضي في سياسة خارجية مستقلة، وأنها لن تكون جزءا من أي تحالف يستهدف إيران، خاصة في ظل فشل الرهان السعودي على الضمانات الأمنية الأمريكية.
زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران ليست فقط خطوة دبلوماسية لخفض التوتر، بل تعكس تحوّلًا نوعيًا في تصور السعودية لدورها الإقليمي. الملف اليمني كان في صدارة الأجندة، لا بوصفه عبئًا وحربًا فقط، بل مدخلًا لترتيب توازنات أمنية جديدة تشارك فيها إيران. أما عن احتمالات التسوية أو "الصفقة"، فربما لم تُعقد بعد، لكنها تُبنى بهدوء، ومفتاحها يكمن في التفاهمات الأمريكية الإيرانية المرتقبة، والتي لن تكون بعيدة عن دوائر القرار في الرياض.
إنها زيارة تُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وتحمل ملامح اصطفاف جديد... فهل نحن أمام تحوّل استراتيجي دائم، أم مجرد لحظة تهدئة مؤقتة قبل العاصفة؟ وفي هذا السياق أكد وزير الدفاع السعودي أن التعامل مع إيران يشكل حجر الأساس للتعاون الأمني في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يساهم في ازدهار بلدانها وتعزيز استقرارها.واعتبر أنّ الاحتلال والأطماع التوسعية لقادة الكيان الصهيوني تمثل خطراً على المنطقة بأسرها، داعيًا إلى تحرك موحد ومنسق من قبل العالم الإسلامي لمواجهتها. كما أشار إلى أن زيارته إلى طهران تهدف إلى توسيع العلاقات والتعاون الشامل بين البلدين، معربًا عن أمله في أن تمهد المباحثات الجارية لعلاقات أقوى بين الرياض وطهران.
وشدد على أن العلاقات بين البلدين شهدت تغيرات مهمة خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا حرص الجانبين على تعزيز التفاعلات الثنائية.ولفت إلى أن لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين كانت مثمرة وبنّاءة للغاية، مشددًا على أهمية الوحدة والتقارب في العالم الإسلامي.
وأبدى قلق السعودية من الإجراءات التوسعية للكيان الصهيوني، وأشار إلى أن الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية ولبنان كشفت عن الوجه الحقيقي للكيان.من جهته دعا الرئيس الإيراني إلى زيارة رسمية إلى السعودية، مؤكدًا استعداد بلاده لتوسيع التعاون في كافة المجالات، واصفًا إيران والسعودية بأنهما ركيزتان أساسيتان في معادلات المنطقة.وفي تصريحات القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي خلال لقائه وزير الدفاع السعودي ، اعتبر خامنئي أن العلاقات بين إيران والسعودية يمكن أن تعود بالنفع على البلدين، حيث يمكن لكل منهما أن يُكمل الآخر.
وشدد على ضرورة التغلب على دوافع الأعداء المعارضين لتوسيع العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن إيران مستعدة للمزيد من التعاون. وأكد استعداد بلاده لـ تقديم الدعم والمساعدة للسعودية في المجالات التي حققت فيها إيران تقدماً ملحوظاً.
واعتبر أن تعاون دول المنطقة أفضل من التبعية للقوى الأجنبية، في إشارة إلى أهمية الاستقلال الإقليمي. كما أضاف: "إذا كنتم ترون كما نرى أن العلاقة مفيدة للطرفين، فبإمكانها أن تتوطد"، في إشارة رمزية لاستمرار نهج الانفتاح.
وأكد الرئيس الإيراني على ضرورة ترسيخ الوحدة والتلاحم في العالم الإسلامي، معتبرًا ذلك شرطًا أساسيا لتحقيق السلام والأمن والتنمية الاقتصادية. وأبدى أسفه من استمرار الصراعات والفقر في دول "تجمعها قبلة وكتاب ودين واحد"، داعيًا إلى تجاوز هذا الواقع غير اللائق بالأمة الإسلامية. وشدد على استعداد إيران لتوسيع علاقاتها مع السعودية في كافة المجالات، مؤكدًا أن التعاون بين البلدين يمكن أن يسهم في حل العديد من مشاكل المنطقة بعيدًا عن التدخل الأجنبي.

وكانت وكالة أنباء تسنيم قد نقلت عن المرشد الإيراني عقب اللقاء قوله إن "هناك أعداء لا يتمنون توافر فرص توسيع للعلاقات الثنائية بين طهران والرياض".
وشدد حداد على أن استقبال المرشد الإيراني لوزير الدفاع السعودي واستلام الرسالة يؤكد "النية الجادة" بأن العلاقات تذهب إلى مراحل مهمة، مستدلا بالزيارات والاتصالات الرفيعة بين مسؤولي البلدين.وفي نوفمبر 2024، أجرى رئيس الأركان السعودي فيّاض الرويلي، زيارة إلى طهران بدعوة من نظيره الإيراني وبحثا "فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة".

رسائل إقليمية
هذا وتكتسب الجولة الشرق أوسطية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المقررة بين 13 و16 ماي، أهمية استثنائية بالنظر إلى توقيتها الحساس وتوزيع محطاتها، التي تشمل السعودية وقطر والإمارات. وتُعد هذه الزيارة الثانية خارج الولايات المتحدة خلال ولايته الثانية، بعد رحلته المزمعة إلى روما لحضور جنازة بابا الفاتيكان الراحل.
ويأتي إعلان الزيارة رسميا على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بعد أسابيع من التلميحات من ترامب نفسه، ما يعكس حرص الإدارة الأمريكية على ضبط الإيقاع الإعلامي والدبلوماسي للحدث. وتأتي الجولة وسط تصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، خصوصا مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، والتهديدات المتبادلة في مضيق هرمز واليمن، وتعثر المفاوضات النووية مع إيران.
ووفق مراقبين تحمل زيارة ترامب للسعودية بعدا رمزيا واستراتيجيا، خاصة في ظل احتضان المملكة لمحادثات روسية أوكرانية تهدف إلى وقف إطلاق النار، ما يمنح الرياض دورا متناميا في الوساطة الدولية. كما أن زيارة ترامب قد تُفسر كتأكيد أمريكي على دعم السعودية كلاعب إقليمي فاعل.
ويشير مراقبون إلى أنّ اختيار قطر والإمارات كمحطات مرافقة في الجولة إلى استمرار الرهان الأمريكي على دول الخليج كمحاور إقليمية في ملفات الطاقة والأمن والتكنولوجيا الدفاعية.
وتعكس زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط في هذا التوقيت ، رسالة تجمع بين الرمزية السياسية والإستراتيجية. فاختيار الخليج كأولى جولات ترامب الدولية في ولايته الثانية يُعد مؤشرا على استمرار تمحور السياسة الخارجية الأمريكية حول توازنات الطاقة، وملفات الأمن الإقليمي، وصراع النفوذ الدولي في قلب الشرق الأوسط.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115