حملة إسرائيلية مُمنهجة لتفريغ القطاع الاحتلال يعيد طرح مشروع التهجير الجماعي لكسر صمود غزة

في خضم حرب مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 19 شهرا، تصاعدت مؤخرا حملة ترويجية غير مسبوقة تستهدف

دفع سكان القطاع نحو الهجرة، عبر نشر "مسارات وهمية" للخروج، وتغليف ذلك بخطاب "إنساني زائف". وتصف الجهات المختصة في غزة هذه الحملة بأنها محاولة خبيثة وخطيرة لزعزعة صمود الفلسطينيين، واستغلال الأزمة الإنسانية في خدمة مشروع التهجير القسري.
يأتي ذلك فيما تقدمت الوساطة المصرية والقطرية بمقترح جديد لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة ، يتضمن هدنة طويلة الأمد مقابل اتفاق تبادلي لإطلاق سراح الأسرى والرهائن، وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، في محاولة لإعادة الزخم إلى مفاوضات متعثرة منذ أشهر.
مخطط التهجير القسري
خلال اليومين الماضيين، غزت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تُبرز ما قيل إنها "آليات قانونية" للهجرة من غزة عبر معابر خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، في مقدمتها كرم أبو سالم ومطار رامون. ورُبطت تلك الإجراءات بمكاتب محاماة إسرائيلية يُزعم أنها تُصدر الوثائق وتنسق مع سلطات الاحتلال لتسهيل خروج الفلسطينيين إلى وجهات أوروبية وآسيوية.
لكن سرعان ما كشفت الجهات الحكومية في غزة، أن تلك المعلومات جزء من مخطط نفسي وأمني تقوده أجهزة مخابرات الاحتلال، عبر رسائل نصية ومكالمات مزيفة تصل مباشرة إلى هواتف المواطنين، تدعوهم لمغادرة القطاع مقابل "تسهيلات قانونية وإنسانية"، في وقت يُحكم فيه الحصار قبضته على غزة وتُمنع المساعدات الإنسانية والجرحى من السفر للعلاج.
وأصدرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة بيانا رسميا، حذرت فيه من التعامل مع أي رسائل أو مكالمات مشبوهة، ووصفت الحملة بأنها أسلوب تضليل جديد يهدف إلى إسقاط الشباب الفلسطيني في شرك العمالة والتخابر. وقالت إن ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالنار والقصف، تحاول اليوم تمريره بالخداع والمكر.

وأكدت الوزارة أن الأجهزة الأمنية في القطاع ستتخذ إجراءات قانونية حازمة ضد أي مواطن يثبت تعاونه أو تجاوبه مع هذه الحملات. كما طالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء ما وصفته بـ"الجريمة المركبة"، المتمثلة في استخدام الحصار كوسيلة ضغط لفرض تهجير قسري على سكان غزة.
التهجير الناعم
ووفق مراقبين فإنّ هذا التطور يكشف أن الحملة الإسرائيلية ليست مجرد ترويج فردي للتهجير، بل امتداد لمشروع استراتيجي يستهدف إفراغ القطاع من سكانه تدريجيا، خاصة بعد الفشل العسكري في إخضاع المقاومة، وعدم القدرة على فرض نموذج إداري موالٍ بعد الحرب.
وقد سبق أن صرّح مسؤولون كبار في حكومة الاحتلال علنا عن نيتهم دفع سكان غزة للهجرة الطوعية، وإيجاد دول تستقبلهم، ما يعكس تطبيعا تدريجيا لفكرة التهجير كخيار قابل للتطبيق، في خرق سافر للقانون الدولي الإنساني.
وأصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تحذيرا رسميا مما أسماه "الدعاية السامة"، واعتبرها محاولة مدروسة لضرب الوعي الوطني والهوية الجماعية للفلسطينيين، محذرًا من الانجرار خلف الأوهام، أو تقديم البيانات لأي جهة غير رسمية.
وأكد البيان أن كل ما يُنشر حول الهجرة الجماعية "عارٍ عن الصحة"، ولا يعدو كونه أكاذيب ممنهجة تهدف إلى تجميل صورة الاحتلال، وترويج ما يسمى "الهجرة الآمنة" كبديل زائف للثبات والصمود، بينما الحقيقة أن كل من يتم خداعه بتلك المسارات قد يواجه الاعتقال أو التصفية أو الوقوع في براثن التخابر.
حرب نفسية
ويرى محللون أن ما تقوم به إسرائيل حاليا لا يقتصر على السلاح والنار، بل يشمل منظومة متكاملة من الأدوات النفسية والإعلامية والقانونية الزائفة. فالتهجير هنا لا يتم عبر القصف فقط، بل أيضًا عبر تدمير الثقة، ودفع الناس إلى رؤية الهروب كخلاص.
وتكشف هذه المحاولة عن فشل إسرائيل في إخضاع غزة عسكريا، فتحوّلت إلى أدوات "ناعمة" تستثمر في اليأس والمعاناة لتقسيم المجتمع الفلسطيني من الداخل، وشلّ إرادته.
في مواجهة هذا التصعيد الجديد، أكد المسؤولون في غزة أن حرية السفر حق مكفول لكل فلسطيني، لكن الهجرة المنظمة تحت إشراف الاحتلال هي خيانة مواربة للقضية ومخاطرة بالأمن الوطني.ووجهت الجهات الرسمية رسائل طمأنة للسكان، بأن "الحالات القليلة" التي خرجت من غزة تمت عبر ترتيبات واضحة وشرعية، في سياق علاج أو مرافقة مرضى، لا في إطار هجرة جماعية، واعتبرت الحديث عن مغادرة جماعية "تحريفا متعمدًا".

صيغة جديدة لوقف الحرب في غزة
في الأثناء طرحت الوساطة المصرية والقطرية مقترحا جديدا لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.وقال مسؤول فلسطيني كبير مطّلع على سير المفاوضات وفق وسائل إعلام إن المقترح، الذي ناقشته القاهرة والدوحة مع الجانبين، ينص على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، مقابل إفراج سلطات الاحتلال عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بينهم أصحاب أحكام عالية، إلى جانب انسحاب الجيش من كامل أراضي القطاع، وإعلان رسمي بإنهاء الحرب.
ووصل وفد رفيع من حركة حماس إلى القاهرة ، لإجراء مشاورات مع المسؤولين المصريين حول تفاصيل المبادرة، ومدى تطابقها مع الشروط الفلسطينية المعلنة لوقف إطلاق النار، وعلى رأسها الانسحاب الكامل ورفع الحصار وضمانات دولية لبدء الإعمار.
تأتي هذه المبادرة الجديدة في ظل تعثر طويل في المفاوضات غير المباشرة، التي شهدت انهيار الهدنة الأخيرة الشهر الماضي، بعدما استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، وسط تبادل اتهامات بين الجانبين بتحمّل مسؤولية فشل تثبيت وقف إطلاق النار.ومنذ أكتوبر الماضي، يواصل جيش الإحتلال الإسرائيلي حملته العسكرية الأوسع في تاريخ القطاع، ما خلّف أكثر من 50 ألف شهيد، معظمهم من المدنيين، ودمارا شاملا في البنية التحتية، ونزوحا يقدّر بنحو مليوني شخص، وفق تقارير أممية.
فرص وخلافات
ووفق مراقبين يُعدّ المقترح الحالي أكثر شمولا من الطروحات السابقة، حيث يتجاوز الطابع الإنساني المؤقت، ويضع أسسا لتسوية سياسية وأمنية موسعة.غير أن عدة عوامل ما تزال تعيق التقدم أهمها أنلم تُعلن إسرائيل موقفًا رسميًا من المبادرة، غير أن تصريحات سابقة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شددت على رفض أي اتفاق يُفضي إلى بقاء حماس في السلطة، أو يُمنح فيه "العدو" مكاسب سياسية مقابل إطلاق الرهائن.
من جانبها لم تصدر حركة حماس، موقفا نهائيا، لكنها سبق أن أكدت رفضها لأي صيغة تضعف المقاومة أو تفرض عليها شروطا تمس بالسيادة الوطنية.
وتسعى كل من مصر وقطر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، إلى الوصول إلى صيغة تُنهي الحرب وتمنع انهيارا إنسانيا شاملا أو تصعيدا إقليميا. وتؤكد مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل للقبول بتهدئة، دون أن تتخلى عن مطلب "تفكيك بنى المقاومة المسلحة" في غزة.
في هذا السياق، يقول محللون إن أي صيغة لا تنطلق من إرادة وطنية فلسطينية جامعة، وتتجاهل متطلبات المقاومة وشروطها، مهددة بالفشل، حتى وإن حظيت بدعم دولي.
في مشهد تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والعسكرية والإنسانية، تبقى المبادرة المصرية-القطرية الجديدة نافذة محتملة للخروج من نفق الحرب الطويل. لكنها نافذة محفوفة بالألغام، ما لم تبنى على أسس توافقية وطنية، تحترم تضحيات الغزيين، وتضمن عدم تحويل "الهدنة" إلى بوابة لإعادة إنتاج الحصار أو الوصاية.وفي انتظار نتائج زيارة وفد حماس إلى القاهرة، تتعلق آمال أهالي غزة بإمكانية أن تكون هذه المبادرة بداية لمرحلة جديدة... لا تنتهي بوقف القصف فقط، بل تبدأ بكسر الحصار، واستعادة الكرامة الوطنية.
2.7 مليار دولار تكلفة استئناف وتوسيع الحرب
من جهة أخرى قدر جيش الإحتلال الإسرائيلي تكلفة استئناف وتوسيع الحرب على قطاع غزة منذ 18 مارس الماضي بـ10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار أمريكي).
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية،أمس الثلاثاء: “تجدد الحرب في غزة قبل أكثر من شهر بعد وقف إطلاق النار، والنية الآن لتوسيع الحرب من خلال مناورة برية واسعة النطاق متجددة، يكلف الكثير من الأموال”.وأوضحت أن “الجيش الإسرائيلي يتحدث بالفعل عن الحاجة إلى زيادة كبيرة في الميزانية بنحو 10 مليارات شيكل”.وأضافت: “في الأيام الأخيرة، قامت المؤسسة الأمنية بحساب التكلفة الإضافية لإطالة أمد الحرب وتوسيعها، إلى درجة احتلال نحو 40 بالمائة من قطاع غزة في الأسابيع المقبلة، من أجل تعزيز أمن البلدات (المستوطنات) المحيطة بغزة ومنع تجدد واستمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل”.
وأشارت إلى أن هذه الحاجة إلى الزيادة في الميزانية “تم التعبير عنها بالفعل في الأيام الأخيرة من قبل كبار المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك وزير الدفاع يسرائيل كاتس”.وقالت الصحيفة إن “كبار المسؤولين بوزارة المالية اندهشوا من المبلغ الذي سيطلبه الجيش الإسرائيلي كإضافة للميزانية والذي يصل إلى نحو 10 مليارات شيكل”.
ونقلت عن مسؤول كبير بوزارة المالية، لم تسمه: “من غير المعقول أن يكون من الممكن تخصيص 10 مليارات شيكل أخرى لميزانية الدفاع المتضخمة”.ولفتت الصحيفة إلى أنه “ليس بالإمكان زيادة الضرائب على المواطنين من أجل تغطية هذه التكاليف”.
وقالت: “في الوقت الحاضر، ليس هناك شك يذكر في أن أي زيادات ضريبية إضافية سيتم رفضها بشكل قاطع، والحل المفضل في حالة زيادة إضافية حتمية في ميزانية الدفاع، سيكون خفضا كبيرا آخر في ميزانيات الوزارات الحكومية وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة بمقدار عُشر أو عُشرين”.ومطلع العام الجاري، قالت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية، إن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.وأفادت الصحيفة بأن تقديرات “بنك إسرائيل” تقضي بأن تكلفة الحرب على قطاع غزة، بلغت حتى الآن نحو 250 مليار شيكل.وأوضحت أن المبلغ يشمل “التكاليف الأمنية المباشرة، والنفقات المدنية الكبيرة والخسائر في الإيرادات، وليس كل شيء”.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115