ولكن بقيت هذه الفنانة الاستثنائية حيّة في قلب رفيق الدرب والحياة منصف الصايم. لم يتردد هذا الفنان المسرحي لحظة تتويجه بجائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي في إطار أيام قرطاج المسرحية عن إهداء هذه الجائزة إلى روح رجاء بن عمار، كما لم ينجح في إخفاء دموعه وشدّة تأثره في لحظة ممزوجة بالأمل والألم... ورجاء بن عمّار غائبة !
انطلقت جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي في منح جوائزها في سنة 2018. وهي جائزة تمنح تقديرا وتثمينا لشخصية عربية أو مؤسسة أو هيئة ثقافية أو فنية أو إدارية حققت حضورا وتميزا في ارتقاء الذائقة الجمالية وفتح فضاءات جديدة لديمومة الحراك المسرحي العربي.
منصف الصايم يستذكر الملهمة والحبيبة...
هو رجل المسرح والفنان التشكيلي الذي لم يغب ولو لدورة واحدة عن أيام قرطاج المسرحية، فاختار أرض تونس ليمنح منها جائزته التي تحمل اسمه. إنّه المخرج العراقي صلاح القصب الملقب برائد مسرح الصورة في الوطن العربي، وصاحب عشرات الكتب والحائز على جوائز وأوسمة عديدة.
وقد انتظم يوم الجمعة الفارط بالعاصمة موكب تسليم جائزة الدكتور صلاح القصب في دورة جديدة، وتم إسناد الجائزة هذا العام لكل من المسرحي التونسي منصف الصايم والمسرحية العراقية عواطف نعيم تقديرا لمسيرتهما الطويلة.
وقد سبق لعدد من التونسيين أن توجوا بهذه الجائزة منهم الفنانة منى نورالدين وكل من حاتم دربال وعبد الحليم المسعودي ومحمد العوني .
في لحظة استلامه الجائزة، بدا طيف رجاء بن عمار وكأنّه يرافق منصف الصايم ويشد على يده هامسا له: كن قويا وتجلّد ! إلا أنّ الدموع خانت منصف الصايم وهو يهدي التتويج إلى روح رجاء بن عمّار قائلا : " إلى روح صديقي وحبيبتي وملهمتي ورفيقة دربي وزوجتي رجاء بن عمار أهدي الجائزة وهي التي لم تغب عني في كل الأعمال المسرحية التي أنجزتها... تقريبا في حوالي 28 مسرحية كنّا معا... ولم نفترق" !
وكان منصف الصايم قد قدّم في سنة 2021 عرضا تكريميا لروح رجاء بن عمّار بعنوان "آخر فرصة... للأمل" بمرافقة الفنان والكوريغرافي عماد جمعة وثلة من الراقصين وهم هشام شبلي وهدى الرياحي وملاك زوايدي ومروان الروين ومريم صياح ومحمد ضياء الغربي. وقد احتفى العرض بالمسيرة الفنية لمسرح فو وبالخصوص بالعمل الفني "الأمل" الذي قدم لأول مرة سنة 1986 في خطوة فنية استذكارية أعادت إحياء روح الفنانة المسرحية الراحلة رجاء بن عمار على الركح.
"مسرح فو"... ما بعد رحيل رجاء بن عمّار !
رحلت رجاء بن عمار في شهر أفريل 2017، ولم تكن الراحلة مجرد اسم عابر في سماء الفن الرابع بل هي المرأة التي اقترن اسمها بالتأسيس والمشروع والتجديد وهي الفنانة التي آمنت بالمسرح كخيار جمالي وفني وكأداة نضال اجتماعية وسياسية...وهي التي كانت تردد دائما أن "الغضب المبني على رفض التهميش والإقصاء والمطالبة بالعدالة هو أساس تجربتها، لذلك اختارت العمل في مهنة لا تجيد سواها..."
بدأت رجاء بن عمّار مشوارها الفني في أواخر ستينيات القرن الماضي انطلاقا من المسرح المدرسي والجامعي ... ونالت لقب واحدة من أهم المجددات في المسرح التونسي، وبرزت كصاحبة مشروع تجديد وتجريب مستمر منذ تأسيسها "مسرح فو" صحبة رفيق دربها وشريك فنّها منصف الصايم عام 1980 قبل أن يستقرا بهما الحلم والمقام بفضاء "مدار قرطاج" في منتصف التسعينات .
ولم يهنأ الثنائي منصف الصايم ورجاء بن عمّار بامتلاك "فضاء مدار" كحاضنة لإرهاصاتهم المسرحية والفنيّة حيث كانت قصة الكفاح والنضال مع النظام... وقد تم غلق الفضاء بضغط من سلطات "بن علي" من سنة 2002 إلى سنة 2009. وبعد الثورة لم تنته المعاناة وتواصلت المعركة بسبب الخلاف مع بلدية قرطاج التي طالبت بتسديد ديون كراء هذا الفضاء .. وأمام شراسة رجاء بن عمار في الدفاع عن حلم عمرها المهدد بالغلق، تدخل وزير الثقافة وقتها مراد الصقلي وقرر أن تتحمّل الوزارة تسديد ديون رجاء بن عمار ومنصف الصائم لبلدية قرطاج حتى لا يندثر "مسرح فو" ولا يُرمى بالإبداع على قارعة الطريق.
وما بعد رحيل رجاء بن عمّار ، يبدو منصف الصايم وكأنه يحاول المسك بتلابيب الحياة والإبداع عبثا في غياب ملهمته وشريكته . كما يبدو "مسرح فو" وكأنه أضاع بوصلة الاتجاه الصحيح.... لكنه يقاوم من أجل ذكرى رجاء بن عمار ومن أجل ذاكرة المكان !
مسرحيات خالدة للثنائي منصف الصايم ورجاء بن عمّار
نحت الثنائي الفني والمسرحي منصف الصايم ورجاء بن عمّار مسيرة صاخبة بالفنون وبالأمل وبالحنون ضمن "مسرح فو" فكانت الثمرة مسرحيات خالدة، منها: «الأمل » (1986) - «ساكن في حيّ السيدة» (1989) -«بيّاع الهوى» (1995) - «فاوست» (1997)- «وراء السكة» (2001) - «هوى وطني»(2005) -«فايسبوك» (2012)- «طبّة» (2015)... وكانت آخر أعمال رجاء بن عمّار من إنتاج المسرح الوطني بعنوان «نافذة على ...» التي افتتحت مهرجان الحمامات الدولي 2016.