بالتعاون مع وزارة الخارجية التونسية وسفارة الصين في تونس. وبحضور ثلة من الدبلوماسيين وسفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى تونس وبمشاركة باحثين من تونس والصين والجزائر والمغرب والسنغال. وناقش الحاضرون في الندوة إنجازات التعاون الصيني الأفريقي من أجل دراسة مستقبل العلاقات الصينية الأفريقية.
واستعرض الخبراء الأسباب التي تفرض تعزيز التعاون الاستراتيجي بين افريقيا والصين لإنشاء نظام عالمي جديد يضمن التوازن العالمي، لمواجهة التحديات العالمية الصعبة ومنها تغير المناخ والسعي إلى ترسيخ التنمية المستدامة.
أكثر من 1.1 مليون فرصة عمل
وقال السفير الصيني في تونس وان لي أن الصداقة بين الصين وأفريقيا امتدت عبر الزمان والمكان. وأضاف أن الماضي شهد حدثا تاريخيا جديدا ميز العلاقات بين الصين وإفريقيا مع انعقاد قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) 2024. وقد أقام الرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة الدول الإفريقية البالغ عددها 53 دولة علاقات دبلوماسية وناقش الجانبان مع الصين، بما في ذلك تونس، مبادئ التعاون الصيني الأفريقي في العصر الجديد ووضعوا مخططًا لتنمية العلاقات الصينية الأفريقية في العصر الجديد . وألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة في حفل الافتتاح، اقترح فيها رفع العلاقات الثنائية بين الصين وجميع الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية معها إلى مستوى استراتيجي، وتعزيز العلاقات الصينية الصينية إلى مجتمع صين المستقبل المشترك - أفريقيا من كل العصور إلى العصر الجديد. وأكد أنه بدون تحديث الصين وأفريقيا، لن يكون هناك تحديث عالمي. وأضاف انه في السنوات الثلاث المقبلة، فإن الجانب الصيني على استعداد للعمل جنبًا إلى جنب مع الجانب الأفريقي لتعزيز إجراءات الشراكة العشرة بشأن التحديث. واشار الى أن الصين ملتزمة بشكل ثابت بدعم تحديث الجنوب العالمي.
وقال السفير الصيني أن بلاده تعد أكبر مستثمر في أفريقيا بين الدول النامية. وبنهاية عام 2023، تجاوز رصيد الاستثمار المباشر الصيني في أفريقيا 40 مليار دولار. وظلت الصين الشريك التجاري الأكثر أهمية لأفريقيا لمدة خمسة عشر عامًا متتالية، حيث وصلت التجارة بين الصين وأفريقيا إلى 282.1 مليار دولار في عام 2023. وتولي الصين أهمية لتشجيع استيراد المنتجات الزراعية الأفريقية عالية الجودة إلى الصين. وشهد حجم المنتجات الزراعية المستوردة من أفريقيا نموا إيجابيا لمدة 7 سنوات متتالية.
وأضاف أن التعاون الصيني الأفريقي في مجال البنية التحتية كان مثمرا للغاية. وعلى مدى السنوات الأربع والعشرين الماضية، قامت الشركات الصينية ببناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق، وما يقرب من ألف جسر، وما يقرب من مائة ميناء في أفريقيا. كما خلقت الشركات الصينية أكثر من 1.1 مليون فرصة عمل محلية خلال السنوات الثلاث الماضية.
كما قدمت الصين التدريب لأكثر من 220 ألف شخص مؤهل في مختلف القطاعات لصالح البلدان الأفريقية، مع الأخذ في الاعتبار احتياجاتها الحقيقية.
وأضاف :" تلعب الصين وأفريقيا دورا مركزيا في تعزيز عالم متعدد الأقطاب عادل ومنظم، وتتولى مهمة استراتيجية في عولمة اقتصادية شاملة ومفيدة عالميا.
العلاقات الصينية التونسية
وفيما يتعلق بالعلاقات بين الصين وتونس فقد بيّن السفير في مداخلته بأنها تعد عنصرا هاما في العلاقات الصينية الأفريقية. وأكد انه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس قبل 60 عاما، استمرت الثقة السياسية المتبادلة في التعمق، واستمر التعاون في مختلف المجالات في الازدهار.
وفي شهر ماي الماضي، قام الرئيس التونسي بزيارة دولة تاريخية إلى الصين. التقى خلالها بالرئيس الصيني شي جين بينغ ، وأعلنا عن إقامة شراكة استراتيجية بين الصين وتونس، والتي تشكل خطة جديدة لتطوير العلاقات بين البلدين. وشدّد على ان التعاون الثنائي أمام نقطة انطلاق تاريخية جديدة للتعاون الثنائي. وقال ان بلاده مستعدة للعمل مع تونس لتنفيذ إنجازات قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي وأيضا لتعزيز تنمية الشراكة الاستراتيجية وتوسيع وتعميق التعاون العملي بين البلدين.
تعاون استراتيجي
من جهته أكد كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد بن عايد ، أن هذا اللقاء سيسمح بتبادل مثمر حول التعاون بين البلدين. وأشار إلى أن هيكل التعاون الصيني الأفريقي بأكمله يعتمد على مبدأ التضامن، مؤكدا على أن هذا المنتدى يجسد بالفعل عملية ديناميكية ومتعددة الأوجه تشرك البلدين في عملية التنمية الموحدة.وأضاف :" فإن الدعم المالي والفني من حلفائنا ضروري لتعزيز استقرار قارتنا في مواجهة الأزمات التي تؤثر بشكل متزايد على هذا العالم.
وشدّد في هذا السياق على أن سدّ النقص الاقتصادي والاجتماعي يتطلب إعادة التفكير في الديون في أفريقيا، حيث أنفقت البلدان الأفريقية موارد على الديون أكثر مما أنفقت على التعليم أو حتى الصحة. وأكد بالقول :"أن نموذجنا للتعاون الصيني الأفريقي يهدف إلى أن يكون نموذجا للتضامن والاستقرار والتكامل والتعاون بين الجميع".
وأضاف أن تونس وضعت شراكتها مع الصين على مستوى استراتيجي، معلنا عن أنه سيتم قريبا التوقيع على مذكرة تفاهم تتعلق بمشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان بين الطرفين.
واعتبر أن تونس في وضع جيد لتكون لاعبا رئيسيا بين الصين والقارة الأفريقية بسبب موقعها الاستراتيجي وإمكاناتها.
وقال بن عايد إن الحكومة الحالية ملتزمة تماما بتطوير المشاريع في إفريقيا مع الشريك الصيني، مؤكدا أن تونس منخرطة أيضا في العديد من برامج التعاون الصيني الإفريقي على المستوى القاري.
المدير العام للأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس رياض الدريدي صرح لـ" المغرب " ، أن "أهمية الندوة تكمن في تزامنها مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس والصين". وقال ان الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس تُعتبر إحدى ثمرات التعاون الناجح بين تونس والصين. وقال ان هذا التعاون يهدف الى تحقيق المصلحة المشتركة والمستقبل المستدام.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذه الندوة هو ، أين تكمن تونس في قلب كل هذه التغيرات والديناميكيات العالمية الجديدة ؟ سؤال حاول عديد الخبراء والمسؤولون في تونس الإجابة عنه في مداخلاتهم ومن بينهم أنيس الجزيري رئيس مجلس الأعمال الأفريقي (TABC) الذي قدم تصورات حول كيفية استفادة بلادنا من تطوير العلاقات مع الصين وافريقيا . وقال أن حجم التجارة بين الصين والقارة الإفريقية بلغ 152 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي وقد يصل إلى 300 مليار دولار نهاية العام. وأكد أن الصين تعتبر الشريك الأول للقارة الأفريقية من حيث الأرقام التجارية.
ووفقا له، فإن أهم شيء بالنسبة لتونس اليوم هو جذب الصين كمستثمر استراتيجي في إطار استراتيجية ثلاثية بين تونس والصين وإفريقيا. وللقيام بذلك، يجب على السلطات التونسية أن تقدم للصين مشاريع هيكلية كبرى من شأنها أن تسمح لتونس بأن تكون منصة حقيقية وبابًا مفتوحًا لإفريقيا.وفق قوله.
وأوصى "من بين هذه المشاريع، تلك المرتبطة بطريق الحرير حيث يجب على تونس أن تضع نفسها، لا سيما من خلال البنية التحتية للطرق لفتح مسارات للسوق النيجرية وبقية القارة". وشدّد على ضرورة تطوير المشاريع المرتبطة بالنقل البحري، ومن هنا أهمية تعزيز مشروع ميناء النفيضة للمياه العميقة الذي سيعزز الولوج إلى السوق الإفريقية.
من جهته قدم الباحث الصيني Ding YIFAN من مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الأعمال الصيني مداخلة تحت عنوان :" التعاون الصيني الافريقي
في اطار النشأة الشاملة لبلدان الجنوب " وأكد خلالها الصين أنشأت مناطق صناعية في عديد الدول الافريقية وأصبحت اكبر شريك لهذه الدول.
وقال ان الدول الافريقية تريد ان تلتزم بتعاون في سياق مبادرة الحزام والطريق.
أية آفاق ؟
حول واقع التّعـاون الإفريـقــي الصّـــيني وآفـــاقه قدم الباحث التونسي سامي بن جنات مداخلة تطرق فيها الى ماضي العلاقات الصّينيّة الإفريقيّة والتي بدأت مع وصول الرحّالة ابن بطوطة، وهو أشهر رحّالة في العالم العربي الى ميناء تشوانتشو في الصين عام 1345. كما قاد المستكشف الصيني Zheng Heسبع رحلات إلى الشرق الأوسط وشرق إفريقيا في القرن الخامس عشر ممّا جعل الصين وقتها أعظم قوّة بحرية في العالم.
وقال في العصر الحديث جاءت مبادرة "الحزام والطريق" الصينية (BRI) سنة(2013)، لتقرّب الحدود وتختصر المسافات.فقد مثّلت هذه المبادرة محطّة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية الإفريقية. واقترح عدة توصيات اهمها جعل افريقيا تتحكم في تفكيرها الستراتيجي أكبر
والاستفادة من منتدى التعاون الصيني الإفريقي ومن مبادرة الطريق والحزام ومبادرات التنمية العالمية والأمن العالمي والحضارة العالميّة لتحفيز تحوّل الاقتصادات الإفريقية في مناخ من الشفافيّة وثقافة المساءلة. وسيكون من المهم، في ضوء التطور الكبير الذي تحقّقه الصين في المجالات ذات القيمة المضافة العالية، التأكيد على حرص إفريقيا التي تتوفر على طاقات بشرية من مستوى مرموق على أن ترتقي بالتعاون مع الجانب الصيني في هذه المجالات وبصفة خاصة في المجال الرقمي في إطار ما يسمى "بطريق الحرير الرقمية" (Digital Silk Road) والمجال البيئي في إطار طريق الحرير الخضراء (Green SilkRoad).
المنظور العالمي للصين
ومن الجزائر قدم أستاذ العلاقات الدولية وباحث في الشؤون الآسيوية والصينية - جامعة عنابة – الجزائر عبد القادر دندن مداخلة حلل خلالها مشكلة قدرة الرؤية العالمية الجديدة للصين على تطوير وتعميق التعاون والعلاقات مع أفريقيا. وقال ان السؤال الرئيسي الذي يتعين طرحه هو السياق والسوابق المرتبطة بنشوء وتطور النظرة العالمية الجديدة للصين. وقال منذ عام 2013، بدأ تغيير كبير في السياسة الخارجية للصين مع وصول الرئيس شي إلى السلطة، لأن عهد هذا الرئيس يمثل نهاية عصر التردد الاستراتيجي واعتبار الصين دولة نامية، و بداية إعلانها كقوة عالمية تستحق مكانة أفضل في النظام الدولي. ويهدف شي إلى بناء دولة اشتراكية قوية وحديثة ذات خصائص صينية. وذهب إلى أبعد من ذلك بإعلانه عن طموحه لبناء «نهضة الأمة الصينية العظيمة»، التي تمثل أفق «الحلم الصيني» لعام 2049، العام المئوي لتأسيس الجمهورية، من خلال توحيد البلاد من خلال ضم تايوان. ووضع الصين على قمة القيادة الاقتصادية والعسكرية العالمية.
ومن السنغال قدم حميدو سامبا كاسي ىوزير سابق مداخلة شدد خلالها على أهمية تعزيز التفكير من أجل فهم أفضل للتغيرات في مجتمعاتنا وصياغة توصيات لتعزيز الحوار والمحادثة على نطاق عالمي.
وأورد رسالة رد من الرئيس شي جين بينغ إلى الباحثين الأفارقة: نقلتها وكالة شينخوا، يدعوهم فيها إلى تقديم "دعم فكري مهم لبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك والدفاع عن مصالح عموم أفريقيا". الجنوب العالمي" وشدد على أهمية قرار الصين بالبدء في إنشاء حوالي عشرين مركزًا بحثيًا حول العلاقة بينها وبين القارة (الإصدار الأخير من فوكاك) . وقال انه من الأهمية بمكان تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام والجامعات ومعاهد البحوث الصينية الأفريقية.