التراث غير المادي وكتابة التاريخ: بمساءلة التراث علميا يمكن اعادة كتابة التاريخ

يعتبر التراث غير المادي مادة اساسية لاعادة كتابة التاريخ

لانه جزء من هوية التونسيين والبحث فيه وفي خصوصيات كل منطقة يمكن عبره استقراء ملامح تلك الفترة واعادة كتابة التاريخ، فالشهادات الشفوية ودفاتر العدول والاغاني والاهازيج جميعها وثائق حفظتها الاجيال ويعتبرها المؤرخين مادة لاعادة التدوين ودور الباحث مهم جدا للتعريف باهمية هذا التاريخ وكتابته لتجاوز النظرة الفلكلورية للتراث دور المؤرخ يصبح مهما لمساءلة التراث بالاعتماد على مقاربات متعددة لكتابة تاريخ حقيقي لان التراث غير المادي يعرّي ما سكتت عنه الوثائق المكتوبة في العديد من الاحيان، كما تحدثت فاطمة جراد منسقة اليوم الدراسي العلمي الذي نظمه المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر جامعة منوبة.

"التراث غير المادي وكتابة التاريخ" هو عنوان اليوم الذي اثثه مجموعة من المختصين على غرار اسمهان بن بركة الباحثة بالقصر السعيد وصالح فالحي الباحث بالمعهد الوطني للتراث وعوطف منصور الاستاذة بجامعة منوبة ومحمد الجزيراوي باحث بالمعهد الوطني بللتراث وسلمى الجلالصي صحفية وباحثة وفاطمة جراد منسقة اللقاء والباحثة بالمعهد العالي لتارخ تونس المعاصر واشرف على الجلسات العلمية كل من الاساتذة خالد عبيد وعلي آيت ميهوب.

تسجيل التراث غير المادي في اليونسكيو يعزز الوعي باهميته
اكدت الاستاذة اسمهان بن بركة الباحثة في القصر السعيد على المجهودات التي يقوم بها الباحثين التونسيين في عمليات الجرد والتسجيل في مداخلتها المعنونة "التراث الثقافي غير المادي بتونس بين المحلي والكوني: الجرد والتسجيلات" واشارت ان تونس مصادقة على اتفاقية 2003 المتعلقة بالتراث منذ العام 2006 لكن الباحثين يشتغلون على التراث غير المادي قبل الاتفاقية باعوام، واكدت الجرد ضمّ 85عنصر ثقافي اولها فخار سجنان، ويوجد على موقع المعهد تسجيل لـ68 عنصر تراثي مسجل والاخرين قيد التسجيل واكدت ان التسجيل شمل اغلب مجالات التراث غير المادي.واضافت اسمهان بن بركة ان تونس مسجلة على القائمة التمثيلية لليونسكو واشارت الى اهمية هذا التسجيل خدمة لممارسي تلك الحرفة فتراث سجنان منذ تسجيله في اليونسكو اصبح هناك معرفة ووعي اكثر بقيمة هذا العنصر.
واشارت بن بركة ان التسجيلات تشمل الممارسات الاجتماعية والحرف اليدوية والالعاب الشعبية وكلّ ما يمثل جزء من هوية المجموعة، وبالنسبة للملفات الموضوعة على قائمة التسجيل اشارت لى "طوائف غبنتن" وهو يمثل تونس فقط وهناك ملفات مشتركة على غرار "السعفيات" وتشرف عليها دولة الامارات، و"العود" وتشرف على الملف دولة العراق والبناء بالطين "توزر" انموذجا ملف مشترك مع المملكة المغربية وآخر الملفات "الكحل وصناعته" وتم تقديمه عام 2024 وتشرف عليه الجمهورية العربية السورية واشارت الباحثة ان الملفات المشتركة تحظى باهتمام اكبر من قبل اليونيسكو.

التراث حيّ ومتواصل في الزمان دائما

التراث غير المادي تراث حيّ يمارس بصفة متواصلة وبفضل الممارسة يتطور ويتوارث جيلا بعد اخر ، فالتراث غير المادي حيّ ومتحوّل كما قال الباحث صالح فالحي الباحث بالمعهد لوطني للتراث وقدم مداخلة التراث غير المادي وكتابة التاريخ هل من مقاربات"؟" وأشار الباحث في مداخلته الى ضرورة ايجاد سبل حقيقية لحماية هذا التراث ليكون جزء من كتابة التاريخ فالتراث ليس مجرد فلكلور بل هو احساس صادق باستمرارية هذا الموروث ومن الحلول متحف للتراث لان المتحف اغلمؤسسة التربوية الوحيدة التي يزورها الجميع "المتحف هو مؤسسة دائمة غير هادفة للربح تعمل في خدمة المجتمع وتقوم بالبحث وحفظ وتفسير وعرض التراث المادي وغير المادي".
واختار الباحث الحديث عن "الشاشية" التونسية التي عمل عليها لأعوام بحثية طويلة وقدم للحضور مجموعة من الوثائق النادرة حول كيفية صناعتها والعلامة لخاصة بكل شوّشي واشار في مداخلته ان سوق الشاشية محافظ على جماليته لكن المهارات بدات تتراجع، ودعى صالح فالحي الى الصون العاجل لهذا الارث، فتسجيل الشاشية في قائمات التراث العالمي لن ينفع اصحابها لكن الصون العاجل لهذه الحرفة سيشجع استمراريتها فصون التراث يعني حماية الذاكرة واعادة كتابة التاريخ من جديد.
في السياق ذاته تحدثت عواطف منصور على التراث كمفهوم متجدد والتراث كوثيقة قادرة على كتابة تاريخ جديد، واكدت الباحثة والفنانة المختصة في النسيج والخزف ان التراث غير المادي فعل متواصل في الزمان وععلى الباحثين مزيد العمل لتمرير هذه المعارف الى الاجيال وتاكيد على اهميتها لكتابة التاريخ ، واشارت الباحثة والفنانة الممارسة للنسيج ان هذا المبحث فني وفلسفي فالنسيج جزء من الهوية والنساء كتبن تاريخهنّ على القطعة المنسوجة وباستنطاق الرمز واللون يمكن معرفية الظرفية التاريخية.
ودعت الباحثة عواطف منصور الى ضرورة اخضاع التراث غير المادي للمساءلة العلمية واخضاع التدوين للمراجعات العلمية فالتراث مهم جدا في كتابة التاريخ مع حترام المراجعة والمساءلة العلمية.

الاغنية والادب الشعبي مصدر لاعادة قراءة التاريخ

التراث غير المادي جزء من هوية التونسيين وسيلة يعتمدها الباحثين لقراءة التاريخ واستقراء الوقائع وإعادة كتابة التاريخ المعاصر، التراث غير المادي وثيقة حيّة تساعد مؤرخ اليوم على معرفة احدث لم تسجّل وانما تم تناقلها شفاهيا في الادب الشعبي او الاغاني، وفي هذا السياق قدمت مداخلات تناولت قيمة الاغنية والامثال الشعبية والادب الشعبي في كتابة التاريخ ونقل احداث لم يذكرها التاريخ الرسمي.
واشار الباحث بالمعهد الوطني للتراث محمد الجزيراوي في مداخلته "الادب الشعبي وثيقة لكتابة التاريخ" ان الادب الشعبي وثيقة مهمة لكتابة التاريخ لكن على الباحث العمل على المقارنة لمعرفة صدق الرواية المتناقلة ومدى ملائمتها لمكان الحدث او سيرورته التاريخية فالادب الشعبي يسجل مظهر الحياة اليومية والانشطة السياسية والاقتصادية والاحداث والوقائع ، وعاد بالحضور الى روايات شعبية واغان كانت وسيلة لمعرفة بعض الاحداث التاريخية على غرار كتابات امحمد المرزوقي وقصيدة "عبد الرحمان الكافي" كانت وسيلة ليعرف المؤرخ صفات تلك الفترة الزمنية.
ونوه الباحث ان من اجل كتابة جزء من تاريخ الجنوب التونسي بين 1856 و1919 استفاد المؤرخ من الاشعار والاغاني الشعبية (عمايرية /حفناوي) وكان كتاب "الجنوب التونسي خلال الفترة 1856/1919، قراءة في التاريخ الاجتماعي من خلال الادب الشعبي" وهناك اغان عبرت عن شتات سكان وسلات واخرى عن ثورة ابناء نفزاوة.
تعتبر الاغنية التراثية وثيقة حية تتناولها الاجيال ومن خلالها يقرئ الباحث مميزات تلك الحقبة ويمكن للمؤرخ ان يكتب التاريخ كما قالت الباحثة سلمى الجلاصي في مداخلتها "اغاني النساء التراثية في جهة سوسة: التاريخ الاجتماعي وفق مقاربة جندرية" والبحث في الاغاني تواصل لسبعة اعوام جمّعت فيه الباحثة الاغاني التراثية وفككت رموزها والبحث عن الاغاني التوثيقية الهدف منه حفر في ذاكرة المهمشين بصفة عامة والمهمشات بصفة خاصة.
وأكدت سلمى الجلاصي في مداخلتها ان يمكن معرفة سمات الفترة التاريخية وقراءة التاريخ الاجتماعي عبر الاغنية، فحضرة سوسة مثلا تضم بين كلماتها اسم " مركب الجربوعي" وعائلة الجربوعي من العائلات التجارية في سوسة وفي اغاني الهدهدة تقول الام لوليدها "يكبر قد الطيب الجلولي" وهو سياسي تونسي وصل الى رتبة وزير، كما تقول اغنية اخرى "ليام ما دامتش حتى لغومة" وهو قائد محلي ثائر في سوسة، فالأغنية هنا تنقل اسماء وتوثّقها.
من خلال الاغاني يمكن قراءة الواقع الاجتماعي وبالبحث في الكلمات نستخرج مواصفات المراة والرجل ولكن في قراءة جندرية اكدت الجلاصي ان اغاني النساء تنقص من قيمة المراة وتتعارض مع قيم حقوق الانسان وطرحت سؤال؟ ماذا نفعل مع هذه الاغاني هل نحافظ عليها ام نتركها في الادراج؟.
تختلف البيئة وباختلافها يتأثر الانسان وتتغير معه الصور الشعرية وهو ما اكدته الباحثة فاطمة جراد في مداخلتها عن "اغاني النساء مصدرا لكتابة تاريخهنّ: الجنوب الشرقي نموذجا" وتحدثت الباحثة عن اغاني النساء كوسيلة لكسر جدار الصمت وتعبيرة المراة عن واقعها ورصدت مجموعة من الانماط في بحثها على غرار اغاني الرحى والبرّاش (الهدهدة) والختان والحصاد وورد الماء والاعراس ولكل نمط صوره الشعرية لخاصة به، فالنساء لجئن للاغنية للبوح والتعبير عن واقعهنّ وبتتبع الكلمات ومعانيها وتنزيلها في ظرفيتها التاريخية يمكن للمؤرخ اعادة كتابة التاريخ.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115