ينفض عن الرخام قوته وجبروته ويبعث فيه من روحه ليكون اجمل وابهى، اما الخشب فسيد الحكاية يجعله لينا كما الورق وينحت عليه حروفياته ويكتب افكاره برائحة الطبيعة والقوة، هو النحات العاشق لفنه والمتحدي لصلابة الحجارة محمد سحنون، الفنان الباحث عن التجديد والقادر على المزج بين جمالية الخط العربي ومتانة الرخام، فالنحت هوايته وحرفته وبعث الحياة في الرخام وكتابة اجمل القصائد الشعرية لعبته المفضلة.
محمد سحنون قصيدة متفردة، حروفيات مغامرة وتشكيل للصخر بجدية ومهارات عالية، محمد سحنون نحات يبدع في تقديم اجمل الاعمال النحتية، يشاكس الذاكرة ويبحر في خبايا المكان، يستنطق القصائد الغزلية ومنها يصنع ترياقه الخاص به، فهو يبعث الروح في الحجارة والرخام ويتجلى من علياء عرشه لينفث من روحه الكثير من الحب والامل في منحوتات تبدو مجرد حجارة صماء ولكن بمجرد الاقتراب منها وملامستها سيتردد اليك صدى اغنيات قديمة تنبعث من "قيثارة" الحب تلك وربما ستجد نفسك تنصت الى "حكاية" عجيبة او تركب "موج" لتبحث عن تجليات الحب في روحك.
النحت هو البداية، ثاني الفنون واكثرها صعوبة، فالنحت محور الحضارة وعبر المنحوتات عرفنا مميزات الحضارات القديمة وخصوصياتها، عبر النحت تكون الرحلة الى التاريخ اجمل والنحت بوابة الماضي والمعرفة والجمال، ومحمد سحنون فنان تشكيلي ونحات اختار اصعب الفنون لتصبح لينة بين يديه، تلك الحجارة الصماء ترقص وتصبح كما نوتة غجرية متفردة او رقصة افريقية متمردة يتقن النحات المسك بتفاصيلها وينكب لساعات وايام طويلة ليقدم منحوتة بجمالية عالية وحساسية مفرطة تتماهى مع حسّ الفنان ورهافة روحه وافكاره.
يمزج بين الخط العربي والنحت، يبدع في ملامسة الحرف ومعانقة تجليات الرخام والخشب، ينصت لصوته الداخلي ويحول قبس النور في داخله الى منحوتات اخذت شكل مربعات في معرضه الاخير بدار الثقافة البشير بن سلامة قصور الساف المهدية، 20عمل توزع على جدران الرواق، هي جزء من روح الفنان وافكارها نحتها على الخشب واعطاها اشكالا مربعة واسماء مميزة.
فيضيء "قمر" دروب الحياة ويصنع "مزاج" سحر المكان وتكتب "الحكاية" اجمل تعابير الحب ويتبجّح "الطوس" بالوان مميزة وأفكار متفردة ويزهر "الربيع" بأجمل الوانه فينتشي لها الزائر ويترك الفنان "اثر" للابداع، فكلما مرّر سحنون انامله على الخشب ازهر باجمل المنحوتات وابهى الافكار لان الفن اداة وسلاح سحري في يد الانسانية للبقاء وهذا الفن اعتمده محمد سحنون سبيله للخلود.
للخط سحره، للكلمة وقعها ورونقها وللقصيد تموقعه في اذن المتلقي فكيف اذا اجتمع الخط بالنحت حينها تصبح المتعة البصرية مضاعفة وتتشكل علامات للفرجة يعمل محمد سحنون على ترسيخها في تجربته التشكيلية والفنية منذ اعوام طويلة، الخط العربي وقصائد الغزل تصبح كما "لؤلؤة" تلمع بتيمة الحب والود وفي تشابكها مع الخشب او الرخام تتحول الى "نوران" يشعّ بأجمل عبارات الجمال.
فتجربة "الفنان محمد سحنون قد تحققت في لغة حروفية خاصة مبنية على التحول في الخامة والتحول من الخامة إلى النحت، فتضحى أيقونية دالة على مرامي كثيرة من التعابير عن الهواجس والانفعالات، بل إنها تحدد مجموعة من العلائق بين مكونات مختلفة من الخامات المتنوعة التي يتأسس عليها الفضاء الحروفي ليشكل قيمة فنية في المشهد الحضاري التونسي والعربي، وفي الوعي الفني باعتباره أسمى قيمة ترسم أنبل الأهداف" كما كتب عنها المغربي محمد البندوري لجريدة القدس العربي.
محمد سحنون نحات حالم، يجدد في اليالته وافكاره، يمزج بين الحروفيات وفن النحت ليخوض تجارب جمالية وبصرية جد مميزة، يرحل بمحبي النحت الى عوالم جمالية مبهرة، يطوّع الرخام لينصت لحديث الحرف ويستنطق الحروف لتتماهى مع قسوة الحجارة ورائحة الخشب، فنان له تجربة ثرية في النحت وله مساره الخاص في مشاكسة الخط العربي وتطويره جماليا ودلاليا.
محمد سحنون تجربة ابداعية لا تعرف النهاية، يبعث الحياة في الحجارة ويجعل من الحرف قصيدجة راقصة تنثر معاني الحب والتجدد على المهتمين بكل تجربة فنية مميزة تنتصر للانسانية وتدافع عن الهوية.