المخرج المسرحي عماد المي: لا وجود لازمة في المسرح التونسي والتواصل بين الاجيال ضروري للاستمرار

يعمل بصمت، يبحث في الفلسفة والشعر لينجز اعمال مسرحية مسكونة بالنقد والسؤال،

عماد المي مخرج تونسي وباحث في مجاله، محب للمعرفة ومجدد في نصوصه وافكاره كلما قدم مشروع مسرحي رسخ في ذاكرة المسرح التونسي.

عماد المي باحث ومحبّ لفنه ومدافع عن افكاره التقدمية بالفن الرابع الطي يعتبره فيض من العواطف ونقلة مرعبة للقوى من الجسد الى الجسد فالمسرح فن لا بد أن يخترق الوجود والجسد ويعيد ترميمهما من أقصاهما إلى أقصاهما كما يقول ضيف حوارنا:

اخر اعمالكم "ثقوب سوداء"، ايّة ثقوب يعيشها المجتمع التونسي تناولها العمل؟

"ثقوب سوداء" مزيج بين نصين،الاول نص موجود سابقا لنور الدين الورغي والعمل مستلهم من "الحرب على البوسنة والهرسك" يتناول موضوع الحرب بشكل شعري، ويرتكز اساسا على اللهجة العامية والعميقة، ، وقع الاشتغال على النص دون ان يفقد روحه، حافظت على شاعرية النص ولغته وجزء كبير من افكاره، في نفس الوقت اشتغلنا معه على نص فلسفي لفتحي المسكيني المفكر التونسي يحكي على "ثقوب سوداء" في علاقة بمشاكل فكرية وفلسفية عبارة عن ثقوب سوداء، وقع الاعتماد على الفكر الفلسفي والنص الشاعري ليولد العمل، في الكتابة مع/الضد، مع هذه الافكار وضدها.
الفكرة المطروحة: هناك الكثير من المتاهات والثقوب التي تبتلع الجميع مهما كان مستواهم الفكري والمعرفي منها الحرب والحب والفقر المعرفي زعدم التفكير المنطقي، الاستغلال العديد من الافكار لها تاثيرها السلبي على الانسان تجعله يرتكب حماقات في حق الطبيعة والانسان والفكرة.

في كل اعمال عماد المي يحضر الشعر والفلسفة؟ كيف يتمّ التوليف بينهما مسرحيا؟

هو الوفاء لاصل المسرح، المسرح انطلق منذ القرن الخامس قبل الميلاد في علاقة وثيقة بالفلسفة بحكم ارسطو واضع كتاب فن الشعر كمرجع للمسرح ولتراجيديات الكبرى في وضع قواعدها وشروطها هو فيلسوف، يتحدث عن الكتابة المسرحية والشاعرية، لا يمكن للمسرحي ان يشتغل في المسرح وهو لا يولي اهمية كبرى للمسرح والفلسفة، الجماليات فلسفة، الايديولوجيا فلسفة، السيميولوجيا جميعها بنيت في نسق فلسفي، لا بد من استيعاب للفلسفة والشعر حتى نتمكن من تأسيس مسار حقيقي جاد وفعلي .
الفلسفة تساعدني لاجيب عن السؤال الابرز الذي اعيش به:كيف أفيد الناس من خلال المسرح؟ هذا الهدف الأساسي والمقولة العليا التي اتحرك داخلها، كيف أقدم مادة تحترم وعي المتفرج (جمهور متعدد) هناك العارف بالمسرح مسرح وازن يحترم وعي الانسان بكل تدرجاته، ويضيف له اشياء يمكن ان تغذي فكره وتنيره الى اسئلة فنية محددة.

تعود دائما الى الفلسفة: من قدوة عماد المي في هذا المجال الابداعي؟
أحب جدا فتحي المسكيني، فيلسوف تونسي مختلف، اقبل على كتاباته بكل شغف

كيف يتطور العمل من مسرحية او عرض الى مشروع؟

اتحرك بدوافع معقولة وتكون رهينة الان وهنا، الدافع الضروري للاشتغال على عمل ما كمشروع، لا يمكن ان يكون هدفي الاساسي انجاز عرض مسرحي، حينها كنت اشتغل سنويا على عمل جديد.
للزمن قيمته عندي هو المحرك الاساسي لانتاج العمل، حينما اشعر بالرغبة والدافع وارى ان من الواجب انجازه حينها أتحرك وانجزه، لذلك اشتغل بهدوء وربما المشروع يتطلب سنوات للكتابة (بناء وشطب) حتى يكتمل المشروع، شخصيا لا انطلق في مشروع لم يكتمل على الورق، وبمجرد الانطلاق ارافقه كطفل وليد في كل مراحله.
في اعمالكم تغيب كل مكونات الصورة من ديكور ومؤثرات وحدع جسد الممثل حمّال شيفرات العمل؟ اهو اختيار ام ضرورة؟

كلما اردت انجاز عرض مسرحي الا وانتبهت لكل ما وجد عبر التاريخ، من المسرح الدرامي والارسطي الارسطي وبناء النص والاجزاء التي تكونه وصولا الى التجارب الكبرى التي حدثت في علاقة بالنص مثلا النصوص التي كتبت عند الاغريق، اليوناني التراجيديات الكبرى، النصوص الجادة لموليير وارسطوفان ثم بريشت وشكسبير ثم الاطلاع على التجارب الحديثة في العالم اليوم وما بعد الدرامي وهو نتيجة الفلسفة (كل ما ذهب اليه المسرح هو نتيجة للفلسفة وتاثيرها) وتطور الجماليات.

هذه المسائل مرفوقة بمسار بتطور بناء العرض المسرحي في علاقة بكل المكونات التي تشكل المسرح أساسها الممثل، هو الأساس لا يمكن الاستغناء عنه لذلك الاعتماد الكبير يجعل ما اقدمه يرتكز على الممثل ثم تاتي بعض العناصر الاخرى لابراز مجهود الممثل واظهاره بشكل متميز دون التشويش عليه.
لان كثرة الديكور والزينة تبدو لي انها تفسد الاداء وتفسد العرض، نحن في حاجة الى صور لكنني احبذ المسرح الذي يكون عموده الاساسي هو الممثل والممثل شريك في الفكرة.
من "الرهوط" الى "ثقوب سوداء" مسار مسرحي يمتزج فيه المسرحي والسياسي؟ هل تقدم مسرح سياسي او السياسة باتت موضوع مسرحي؟
المسرحي انسان مثقف بشكل حاد ويكون عارف بخفايا اغلب المجالات ان كانت سياسة او اجتماعية او اقتصادية، فالنص عادة يضم شخصيات مختلفة تنتمي لمجالات مختلفة، لا بد ان يكون مثقف وواع بالمعرفة، اهم عنصر للمسرحي ممثلا او مخرجا هو المعرفة، وعليه ان يفهم الفترة التي يتحرك فيها الاثر الفني.
شخصيا لا اترك عملي للصدفة، اسلح نفسي بما يجب ان يتوفر من معارف، اكون قاس مع نفسي قسوة شديدة الى اخر وقت اطالب بالمزيد حتى اصل الى نتيجة واطمع من عرض الى اخر لتطوير العمل.
المسالة الاخرى الوجود السياسي في الاثر الفني ضروري، الفني هو سياسي بامتياز لانه ينتهج في لحظته البسيطة الاولى سياسة معينة، جمالية وفكرية ويعالج مسائل سياسية، لا بد ان يعطي المبدع مواقفه وارائه تنطلق من الذاتي ثم يصبح شامل وكوني ويهم المجموعة.
مثلا "الرهوط" بنيت في فترة التساؤل عن المواطنة والديمقراطية، الانطلاق من مستوى ضيق محلي ثم تتحول الأفكار الى مقولات انسانية، كنا في حراك فيما يتعلق بالديمقراطيات الجديدة، لا بد من السؤال فكل القيم الانسانية متغيرة حسب الظروف، اذا اردنا ان تكون قيم عابرة للزمن يجب التفكير فيها جيدا، لذلك وقع تفكيك الاعلان العالمي لحقوق الانسان والتفاعل معه وصياغة اعلان اخر كما نرى نحن في ذلك الوطن، في "الرهوط" قلنا ان فكرة تقرير المصير مجرد اكذوبة فالدول القوية تفرض هذا الحق لنفسها اما الدول الضعيفة فعاجزة عن ذلك حرية التنقل كذلك، وندعو في نهاية الاعلان الذي صغناه لا بد من فتح كل الحدود امام جميع الناس للتقارب والتحابب.

في اطار الحديث عن "تمارين في المواطنة" الا زلت مصرا على مقولة: نعيش نعيش ويحيا الوطن؟
طبعا كفانا من ثقافة الموت، لا بد ان نعيش ليحيا الوطن، ليس بالمنطق الطبيعي فهناك أحياء لكنهم أموات، نعيش فعليا معناه ان نبدع، ان نشتغل، ان نكون اناس فعليا يحترمنا القانون وتحترمنا المؤسسات بشكل قانوني وحضاري حتى نشعر اننا احياء، اذا عشنا نحن وكنا منتجين حينها سيعيش الوطن سيخلق منتجين ومبدعين، اذا كنا في لحظة ترف فكري واقتصادي وثقفي سيكون المجتمع افضل وسيعيش الوطن .
الوطن صورة للناس التي يعيشون داخله، لا ان نطور من انفسنا حتى نخلق وطن قوي وحقيقي، لذلك يقول احد الممثلين " ان لم يكن قويا، كريما، رحيما فلا عشنا ولا عاش الوطن" اذا كنا منتجين ومبدعين سيكون وطننا قويا والعكس.
ماذا يمثل لك المسرح؟ مجرد عروض ام اسلوب حياة؟
صدقا هو اسلوب حياة، المسرح فن عظيم لولا المسرح لما كنت الآن هنا، هو اختيار جميل، رغم تعبه، اختيار ان أكون وفيا لأفكاري ولنفسي وكل مرة اروّض نفسي واتهذب لاصبح انسان حقيقي لاقدم ما ينفع الناس، اريد ان اكون منتج لفعل ابداعي، احذر أحيانا واستشرف حينا مما هو قادم، بالمسرح اتطوّر مهنيا وفكريا وترتفع درجات الوعي عندي.

تنتشر مقولة "الصراع بين الأجيال" هل تعنيك هذه الجملة؟

مسالة الصراع لا تعنيني ولا اريد الدخول فيها، ارى ان كل جيل قام بواجبه حسب المسموح والمعارف والزمن، كل جيل اجتهد وقدم ما يجب تقديمه ولولا اجيال سابقة لما وجد الجيل الحالي، اؤمن بالاستمرارية وأؤمن ان جميعنا يمكنه الاشتغال رغم الاختلاف في وجهات النظر وهذا امر طبيعي لان لكل فرد زاوية نظر معينة تختلف عن الاخرين.
مسرحيا لولا وجود مسرحيين منذ بدايات المسرح في تونس لما كنت موجودا، الاستمرارية وفق تجارب لأناس سابقين، لولا المنصف السويسي وعلي بن عياد وتوفيق الجبالي وفاضل الجعايبي وعز الدين قنون ورجاء بن عمار وجليلة بكار لما كنا موجودين اليوم، اذا قلنا العكس سنكون مجحفين في حقهم، الزمن كان ظالما لأغلبهم ولم نحتفي بهم حقا يبدو ان على الفنان النظر بشكل اخر ويثمّن تجربة الاخر حتى يستمر لانها حركة طبيعية.
حتى نبني مجتمع واع لابد النظر الى السابقين نظرة اكبار واجلال، هم كبارنا ومبدعينا لا بد ان نستفيد منهم فكريا وجماليا، يكفي من الحجود القاتل لان الفنان انسان هش في مشاعره وابسط الاشياء تفرحه. اين محمد ادريس وعبد القادر انسحبا من المشهد نظرا للحجود والكلمات الجارحة، يجب ان نحب ونحترم بعضنا ونستفيد من تجارب الجميع، يجب ان نستمر لتستمر هذه الارض حية.

هل المسرح التونسي في ازمة؟
يبدو ان نقول المسرح في تونس في أزمة مبالغ فيها، رغم كل لظروف الانتاجية المتفاوتة هناك تجارب محترمة جدا من حيث النص والجمالية والعرض، فقط لا بد من الاشتغال على مشروع ثقافي وطني يثمن هذه المشاريع الجماعية والارتقاء بها لتكون أكثر ظهور وتاثير، لا بد من وضع التعبيرات المسرحية في سياق اقتصادي وثقافي بإمكانه ان يجعله مواكبا للعصر.
كلمة ازمة مبالغ فيها جدا، دائما هناك اناس يفكرون، هناك اناس يبدعون في كل عصر، حتى الحربين العالميتين أفرزت إبداعات غيرت في المسارات الفكرية، لا اؤمن بالازمة وجد الانسان لتظليل الازمات طالما توجد عقول تفكر فهي قادرة على تجاوز الازمات، في صورة تثمين المجهودات يمكن التطور وخلق ثروة فكرية واقتصادية.

تحوض تجربة التكوين في المسرح الجامعي؟ ما الذي تضيفه هذه التجربة المازجة بين الهواية والاحتراف؟

أتعلم منهم كثيرا، اتغذى من التكوين، يجعلني دائما في مرحلة التطوير من النفس والتجدد، أتعامل مع اناس يريدون اكتشاف هذا المجال، اعطيهم مكتسبات، ومن اسئلتهم كثيرا ما اعود الى البحث، كل عام هناك 40 او 50طالب من اختصاصات مختلفة منهم من يغير مساره ويدرس الفنون ومنهم من يواصلها في مجال الهواية ومنهم من يصبح متفرج فاهم وواع بهذا الفن، لو كل مسرحي يقوم بهذه التجربة ربما نخلق جمهور كبير ونصنع حركة مسرحية اخرى موازية للمسرح لمحترف لان المسرح لمحترف يتغذى من الهواية بمصادرها الثلاث المدرسي ولجامعي ودور الثقافة والجمعيات.

الحب اهو تيمة انسانية ام فنية في اعمال عماد المي؟

الحب ضرورة حياتية، لا يمكن ان تستمر البشرية دون حب والحب لا يجب ان نذكر به انفسنا لان الحب هو الحياة.

 

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115