دار الثقافة ابن خلدون المغاربية: معرض "عليسة في بلاد العجائب" لأكرم خوجة استحضار لحكايات الماضي باسلوب تشكيلي حديث

يمتزج الواقع مع الخيال لصناعة اساطير تتحول مع الزمن الى واقع،

يصنع الانسان في خياله شخصيات بطولية تمنحه قيم الشجاعة ويلبسها الكثير من صفات البطولة ومع تغير الزمن تصبح هذه الشخصيات مادة فنية دسمة، والفنان اكرم خوجة من الباحثين عن جمالية مختلفة تلتقط ريشته دوما التاريخ والاسطورة ويضفي عليهما طابعه الفني الخاص به.

وفي هذا الاطار يتنزل معرض "عليسة في بلاد العجائب" لاكرم خوجة بدار الثقافة ابن خلدون المغاربية، هو رحلة بين اللون والحركة ابدع خوجة في تشكيلها جماليا ويتواصل المعرض الى غاية 20جانفي 2024.

التشكيل استعادة للاسطورة بالوان متجددة

الفن التشكيلي اعادة لحكايات منسية ومحاولة لإحياء الاساطير وبطولات السابقين عبر التلاعب بمساحة اللون والفكرة ويعتبر التاريخ من اكثر الهواجس الفنية التي يشتغل عليها الفنان محمد اكرم خوجة، فهو العاشق لتاريخ وطنه وتاريخ مدينته المهدية ومن المحليس تنطلق افكاره لرسم مواضيع تتحول الى طابع وطني وانساني، خوجة يرسم التاريخ وينفض عن الشخصيات غبار النسيان بطريقته الخاصة، فهو المتيّم بالالوان واللاعب الماهر بمساحة لونية تبهر الناظر ألى لوحاته وتشده الى شخصياتها جد المميزة.

يحضر اللون الازرق في كل اللوحات المعروضة في معرض "عليسة في بلاد العجائب" فالازرق هو امتداد للبحر ولكتلة لونية جميلة يتقن اكرم خوجة التعامل معها، زرقة البحر والامل تتوزع على كل الاعمال تقريبا، من الازرق الممتد يستوحي الرسام شخوصه الخيالية ويحول اساطيره الى مادة تشكيلية تسرّ العين وتحفّز العقل لطرح الاسئلة عن قيمة الفن التشكيلي ودوره في الحفاظ على تاريخ الذاكرة الجماعية، وفي المهدية يعتبر اكرم خوجة من التشكيليين المدافعين عن هوية المدينة وذاكرتها بالرسم وكذلك برواق جد جميل للفن التشكيلي.
"عليسة في بلاد العجائب" اسم تقريري اختاره الرسام لمعرضه، ومن العنوان يحمل الرسام جمهور المعرض الى رحلة يمتزج فيها الواقعي بالخيال، في المعرض يكون "تانيت" او "عشتار" او "الخصوبة" هو الحقيقة الثابتة الابرز، يليها قرطاج بمعابدها ومسرحها ومدرجاتها، ثم تكون الجولة في عوالم الاساطير وصولا الى حقيقة تونس اليوم.
"عليسة" سيدة الفكرة والمكان، عليسة الاسطورية التي بنت قرطاج وقال عنها المؤرخون "مجرد اسطورة صنعتها الذاكرة الجماعية، لان في الاسطورة حرارة والخيال يصنع دفئا مختلفا" هكذا ولدت عليسة في خيال الكثيرين لتصبح عنوانا للشجاعة والجرأة وتكون مادة دسمة لخيال لشعراء وإبداعاتهم التشكيلية والفنية، عليسة الجميلة، ستحييها ريشة فنان محب للتاريخ والألوان.
"عليسة" الفكرة والأنثى والوطن، عليسة امرأة جميلة تتفنن ريشة اكرم خوجة في نحت ملامحها، يرسمها بلون برتقالي مبهج وفوق رأسها تتفتح ورود الحب والعطاء، يرسمها شامخة بشعر طويل وابتسامة مبهجة لتكون اسقاطا على قوة المراة التونسية وعراقتها واختلافها، "عليسة سيظل اسمها محفورا دائما في الذاكرة الجماعية، لا ينفصل عن قرطاج، أعظم مدينة في العصور القديمة..إن عدم توفر معلومات كافية عنها، وعدم وجود تمثيل لها على شكل تمثال أو لوحة، يثير الخيال أكثر إلى درجة أن المرء يتساءل عما إذا كانت موجودة بالفعل، أو إذا كانت مؤسسة قرطاج أم كل شيء آخر. أسطورة تعيش حتى يومنا هذا" كما يقول الرسام عن معرضه.

بين الواقعية والخيال ترقص ريشة الفنان
عليسة ستتجول في بلاد العجائب كما يراها الفنان، سيمنحها طاقة اخرى ومساحات حياتية متعددة، يخرجها من بوتقة التاريخ والاسطورة ويجعلها شخصية تشكيلية تتجول في عوالم مختلفة، ستكون كما "اليس" التي احبها الاطفال مغامرة تتجول بين الشخصيات والحكايات ثم تعيد قصّها للاطفال، وبالالوان سيحاكي الرسام هذه القصص وكذلك الشخصيات الكرتونية والعجائبية.
فللسمك سيقان طويلة وتتحول الزعانف لى أيد في بعض اللوحات، سمك بالوان مختلفة احمر واخضر واصفر وارجواني وخليط من العجائبية يبدع خوجة في تقديمها، يحضر القط والفأر، الفيل الذي ارتبط في ذاكرة التونسيين بشخصية القائد حنبعل سيكون وسيلة تنقل عليسة الانثى والى جوارها تحمل السيرورة التاريخية لتونس من الفترة البونيقية وقرطاج الأم الى الدمار الذي لحقها من الرومان وصولا الى فترات تاريخية حديثة وجميعها عبّر عنها برسومات للمباني والقباب فالعمارة جزء من الذاكرة ووسيلة لمعرفة كل حقبة تاريخية ومن العمارة وجمالياتها التقط خوجة بعض التفاصيل الجمالية للوحاته التشكيلية.
"عليسة في بلاد العجائب" جولة بين التاريخ والحاضر، مزيج من الخيال والواقعية يتقن اكرم خوجة التجوال بينها، فبريشته يحمل زوار المعرض تارة الى تاريخ قرطاج القديمة فيضعه امام عظمة نساء قرطاج وسحر العمارة، من مينائها القديم الى معابدها وطورا يعود به الى الحاضر فتتشكل ملامح النساء مثيرة ومختلفة كذلك الالوان تصبح اكثر قتامة في بعض الاعمال وكانّ بالرسام يدعوا متأمل العمل للانتباه لواقع البلاد وعدم الاكتفاء بعظمة التاريخ.
يصنع اكرم خوجة من الوانه ترياقا للنجاح والجمال، يحب مدينته المهدية التي حولها الى اعمال تشكيلية اختلفت مادتها وتقنياتها، لكن الرسالة واحدة الدفاع عن المكان بالرسم، ثم اخذت الاعمال منحى جمالي وتشكيلي اخر وبات الرسم مساحة للانفتاح على تاريخ تونس ومن "فواطم" الى "عليسة" كانت رحلة اكرم خوجة مستلهما من تاريخه مادة للرسم يتفنن في تلوينها.

 

 

المشاركة في هذا المقال

تعليق1

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115