تصنع معجزات بسيطة لتستطيع المواصلة، تنتفض على الواقع وترغب في تحدي المنظومة المجتمعية والقانونية لكنها تخسر في الكثير من المرات هكذا كانت "شمس" المرأة والأنثى والمسرحية التي قدمت ضمن فعاليات المسابقة الرسمية في ايام قرطج المسرحية ومثّلت المملكة المغربية.
"شمس" للمخرج امين بودريقة وتمثيل حسنة طمطاوي وهاجر الشركي وزينب علجي واسماعيل لعلوي واضاءة ياسين الحور وفيديو المهدي احمد وموسيقى زهير عتبان وغناء يسرا بدوي وسؤال المسرحية المحوري متى يجؤرّم الاغتصاب الزوجي علنا ومتى يحترم المجتمع اكتئاب لمراة بعد الولادة؟
مسرحة وجع النساء على الركح
شمس سيدة مغربية بسيطة، لها احلامها الصغرى في الحياة، تحاول ان تعيش فقط لكن المجتمع الذكوري والعقليات المجتمعية والعادات تكبّل هذه الاحلام وتضع شمس الحالمة في "الكوزينة" وتحصر وجودها في الولادة والرضاعة، شمس فكرة ثائرة ترفض ان تغرب تحاول اثبات وجودها فتحرق مشاعرها تماما كما الفراشة التي تثير الدهشة ثم تحترق بنيران الشمس الساطعة.
صوت امواج البحر يكون انطلاقة العرض، هدير الموج وشدة اضطرابه يبعث في النفس الحيرة، من وسط الجمهور تبدأ القصة، يشتعل الضوء تدريجيا ليضيء المكان ويكشف الديكور المكون من كرسي احمر اللون، طاولة فوقها بعض الشاي اقصى اليمين وبينهما منزل بشباك كبير وباب مصغّر، الديكور الثابت سيكون وسيلة لقراءة العرض ومعرفة العلاقات بين الشخصيات.
تتغير الموسيقى ومعها تظهر شخصية من بين الجمهور بلباسها الاسود الفضفاض، تصعد كما الملكات الى الركح، تجلس على ذاك الكرسي الاحمر ممسكة بيدها مروحة حمراء اللون وتبدأ في سرد الحكاية، فالمرأة الحكواتية معها تنطلق القصة ليتراوح العمل بين الحوار المباشر والحكاية وينهما تدور الاحداث والصراعات وكلما سكتت الحكواتية تتحرك الشخصيات وأثناء حديثها يصبحون كما الاصنام مجرد ديكور.
"شمس" اسم المسرحية واسم الشخصية التي تدور حولها الحكاية وهي صانعة القصة ايضا، شمس تعيش في احدى مدن الشمال المغربي تعمل كغيرها من الفتيات في "معمل السردين" تتعّرف على زميلها عزيز، يقبّلها، فيتزوجان ومن هناك تنطلق المأساة، بعد تلك القبلة ستخرج شمس من جنتها لتهبط الى ارض المسؤولية والخوف والعلاقات الزوجية المتشابكة.
ستعيش الصراعات الكثيرة، ستصدم بالعقلية الذكورية التي تجبرها على الولادة والامومة، قُبلة عزيز لشمس تشبه كثيرا قضمة التفاح بين ادم وحواء وكما عوقبت حواء بخروجها من الجنة والتيه في الارض والم "الحيض" تماما ستعيش شمس في العصر الراهن نفس المأساة ستخرج من جنة الهدوء الى جحيم الامومة في مجتمعات ذكورية وقوانين لا تحمي النساء وعبّر المخرج عن هذا المشهد بلباس اسود وبلالين اكثر سواد تلبسها الشخصية وبضعة كلمت تحيل الى مفهومي الجنة والجحيم، والانثى والتفاحة الرمز الخالد للخطيئة والحب والفرحة والوجع.
بالاضاءة يفصل المخرج بين مشاهد العمل والموسيقى ستكون وسيلته ليوصل دواخل الشخصيات الى جمهور المسرحية، الموسيقى بعضها مسجل واخر يغنى اثناء لعب الممثل بصوت يسرا بدوي، في عمله "شمس" تتكرر كثيرا جملة "شمس اليوم رفضت الغروب" وحولها ستبنى كامل احداث المسرحية، فللشمس اكثر من رمزية، اولها اسم الشخصية وثانيها حرارة ستحرق الجميع نفسيا وثالثها احالة الى طول نهارات الصيف وثقلها على الانسان في مكان تحيط به المياه المالحة، وربعها حالة التعب التي ستعيشها كل شخصية تماما كصياد ينتظر غروب الشمس ليستريح من تعب العمل وملوحة اليوم وقسوتها، فالشمس ستكون الدال والمدلول في سينوغرافيا المسرحية.
الاغتصاب والاكتئاب واقع العديد من النساء يسكت عنه المجتمع
تعيش المراة في المجتمعات العربية العديد من العقد النفسية وهي موضوع مسرحية "شمس" حاول المخرج ان يسلط الضوء على هذه العقد والوجيعة النفسية للنساء من خلال الموسيقى والاضاءة وكذلك النص الحواري بين الشخصيات، اغلب الاشارات ستكون تلميحا في دعوة للمتلقي ليعمل العقل ويبحث اكثر عن معنى الرموز المضمنة بين الكلمات، ينطلق العرض في البداية رتيبا، العشر دقائق الاولى تكون مقلقة لكن مع تقدم الاحداث وتصاعدها يجد المتفرج نفسه جزء من الوجع النفسي الذي ستعيشه الشخصيات النسائية ونكتشف كمتفرجين ن الرتابة مقصودة فكل النساء تعشن حالات من الخمول ورغيبة في الجلوس طويلا في مكان ما فقط للانصات للذات ورفض كل فوضى لخارج وضوضاء الناس، كل النساء يتشاركن بعض الالم والكثير من الخوف والحب وهو ما عمل مخرج العمل على ابرازه عبر مشاهد متقطّعة مزج فيها تقنيات مسرحية مختلفة.
شمس وعزيز هما ادام وحواء، والأنثى والذكر في كل المجتمعات العربية تقريبا، فما ستعيشه شمس من الم نفسي تتشاركه اغلب النساء، على الركح تكون بداية العلاقة جميلة وعادية، تعارف فقبلة فحب ثم زواج بعدها مأساة، سردية طبيعية لمعاناة نفسية تعيشها النساء، فكم من امراة اغتصبها زوجها على فراش الزوجية بتعلة انه يريد ان يكون ابا "انجبت ثلاثة اولاد في المرات الثلاث التي اختارها عزيز، كنت استلقي على الفراش، اغمض عينيّ ،يرتمي بجسده، يكمل مهمته كأي حيوان، تنتهي لمهمة، ينام وأحبل" هكذا تلخص الشخصية حياتها وقصتها وتحاول ان تنقل وجعها النفسي عبر صرخات تصنع على الوجه.
صرخات تشبه هدير الموج وإحباط كبير يرسم على حركات الشخصية، فالاحباط والانهيار نتيجة حتمية لاغتصاب لا يعترف به القانون عادة في المغرب مثلا "يشير القانون الجنائي في المادة 486 إلى الاغتصاب على أنه "إجبار رجل على مواقعة امرأة دون موافقتها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات" لكن " قانون محاربة العنف ضد النساء وقانون العقوبات لا يذكران صراحة الاغتصاب الزوجي ولا يوفران صراحة الحماية القانونية من الاغتصاب الزوجي" نفس هذه القوانين مجودة في تونس لان قانون القضاء على لعنف ضد المراة للعام 2017 يحميها من العنف الجنسي لكنه لا يذكر الاغتصاب الزوجي صراحة، اما بقية الدول العربية فلا يوجد قانون يحمي النساء سرا او صراحة.
بالاضافة الى الاغتصاب الزوجي ستعاني "شمس" اكتئاب ما بعد الولادة، ستذبيل تلك الوردة المقبلة على الحياة ولن يرحمها المجتمع ومعتقداته، ويعتبر اكتئاب ما بعد الولادة مرض نفسي اعترفت به منظومة الصحة العالمية وكتب في شانه الكثير من المقالات العلمية، وتوضّح الدكتورة ستوبي، "إن أحد الجوانب المهمة في اكتئاب ما بعد الولادة هو أنه ليس مجرد شعور بالحزن،فالشعور بقلق شديد يمثل سمة شائعة أيضاً في اكتئاب ما بعد الولادة" لكن اغلب المجتمعات العربية لا تعترف بوجوده وأثره وهو ما سيضع شمس في خانة "الام الفاشلة، الزوجة المهملة" في نظر الاخت والزوج والمجموعة.
"شمس" مسرحية تضع العقد النفسية التي تعانيها المرأة على خشبة المسرح، سؤال متكرر عن حقوق النساء في مجتمعاتنا العربية والى اي مدى يحميهنّ القانون والاهم متى تحترمهنّ لمنظومة المجتمعية والعادات، فالمسرحية صرخة ضد كل اشكال التمييز الذي تعاني منه النساء.