وهي لقاء يُدعى فيه المؤلفون و المؤلفات والفنانون والفنانات لتقديم أعمالهم في شكل قصير ومؤثر لا يتجاوز كل عرض 15دقيقة مما يضع التركيز على الابداع والتاثير.
قصيرة ولذيذة مجموعة من المسرحيات القصيرة مرتبطة بقيد زمني يدفع المشاركين للوصول الى الجوهر مع تقديم مجموعة متنوعة من الاساليب والعوالم في امسية واحدة كما جاء في تعريف اللقاء الفني، المسرحي والانساني.
الجسد يكتب سردية الوطن
يكتب الجسد سرديته الخاصة، يحاول الانعتاق من كل قيوده ويتحرر تماما من القانون والممنوع ويصرخ بصوت لا حدود له "ان انصتوا لأوجاعهم، انصتوا لنضالاتهم، انصتوا لانسانيتكم المفقودة واستفيقوا من سبات بلاهتكم وأنانيتكم فبينما انتم جلوسا تشاهدون الهواتف هناك شعب يباد" هكذا صرخ الجسد بثقله في عرض "بعيد عن العين" اداء امال العيوني.
العرض كوريغرافي يعتمد اساسا على لغة الجسد وينقل سردية المقاومة الفلسطينية منذ 1948الى اليوم، بجسدها وصوت حكايات العجائز الفلسطينية نحتت امال العويني مسارا اخر للحكاية وجعلت المتفرج يعيد تساؤلاته عن الحق في العودة والحياة؟ بجسدها انتصرت العويني لانسانية الانسان وتشظت كما تتشظى الاجساد في تلك الارض بفعل حرب عنيفة لم تتوقف منذ سنوات.
"بعيد عن العين" قراءة اخرى لعلاقة الانسان بوطنه، تجريب بالجسد لنقل جراحات الانسان وتعويذة فنية تعيد كتابة التاريخ ومدى انصهار الفنان في الدفاع عن القضايا الكونية وانخراطه في مسار فني ملتزم يدافع عن حق الفلسطينيين ويوصل اصواتهم بلغة الفن وإقرار ان هناك خيوط تربطك بوطنك كحبلي سرّي ممتد، لا ادري اهي ذكريات ام ماء ام هواء ام ربّما انتماء؟".
في السؤال عن معنى الانسان ووجوده؟
هل للحياة معنى؟ هل لليومي الذي نعيشه بفراغ معنى؟ هل ينصت الانسان لدواخله ويتساءل عمّا انجز؟ ام انه مستسلم للوقت يمرّ والعمر يمضي دون وعي؟ هكذا يتساءل اسامة الماكني في عرض "بلا معنى" الذي قدمته الممثلة دينا وسلاتي، سؤال الوعي هو المطروح في العمل فجسد الممثلة سيعيش مراحل عمرية عديدة من الشباب الى الشيخوخة، الشخصية تعيش على هامش الحياة، تقضي الدقائق ثم الساعات ثم السنوات والعقود امام التلفاز ولا تنهض إلا بعد التقدم بالعمر، حينها تصدم بسؤال: ما الذي انجزته؟ هل قدمت شيئا؟ على الركح كانت الممثلة وكانها تنظظر شيئا ما؟ ربما غودو النجاح او الاختلاف او الامل؟ لكنه لا ياتي ولا تغير مسارها.
"بلا معنى" عمل مسرحي فلسفي وجودي ينقد ميل الانسان للاستكانة ويحثّه على النهوض، يدعوه للعمل ولافتكاك الحقوق عوض انتظارها، يدعو لضرورة الوعي وعدم الاستسلام للانتظار الذي يأكل الروح والجسد، في العمل رسائل تحذيرية كثيرة لمن يقضي السنوات امام شاشات التلفاز او وسائل التواصل فيقاد كما القطيع دون وعي بما يفعل حتى ينسلخ من انسانيته وتسرق منه كل أحلامه فالممثلة في احدى النصوص تقول بما معناه "قضيت السنوات الكثيرة هنا، ونسيت ان احيا".
المسرح ينصت للجميع
الطبيعة والتغيرات المناخية من المواضيع الحارقة في المسرح التونسي في السنوات الاخيرة، وفي هذا الاطار تنزّل عرض "امنا الطبيعة" لمريم الصياح والعمل كان في شكل فيديو، تتجول فيه الشخصية من فضاء الى اخر وكلما تغيرت الامكنة ازادت نسبة التلوث والمشاهد المزعجة للخراب، للبناءات الشاهقة التي احتلت مكانة الاشجار والسماء التي باتت رمادية بفعل التلوّث، في العمل دعوة صريحة لاحترام الطبيعة امام تغوّل رأسمالية الانسان ووحش المصانع، فالتلوث قاتل للطبيعة والانسان معا، والانسان في العمل مجرم وضحية في الوقت ذاته.
الجندرة من المواضيع المطروحة في العروض المقدمة، والهوية الجنسانية تم تناولها مسرحيا في "خوخة" الذي يطرح فكرة الاختلاف ومدى قبول المجتمع للمختلفين او المتحوّلين، هل يقبلهم الناس؟ هل تضمن كرامتهم وهل يمارسون حياتهم وحرياتهم بصفة طبيعية؟ هكذا تتساءل الاجساد الثائرة على الخشبة، اجساد تكشف حيوانية البشر في تعامله مع المختلف.
التمثيل فعل مقاومة
مجنون كعادته على الخشبة، له اسلوبه الفريد في اللعب والتعامل مع اداء الممثل، مدرسة في هذا الفن، المبدع فتحي العكاري قدم للجمهور جزء من مشروع "ماذا لو" تحت عنوان "وضعيات حرجة" المشروع يعملون عليه منذ اشهر ويعتمد في علاقة بالسرد والتشخيص على عدة خرافات، وحكايات تبدو في بداياتها مستقلة على بعضها لا رابط بينها ومع التقدم في العرض يكتشف الجمهور التناغم بينها كما تتجلى حركية التخريف التي تعتمد التناوب او التزامن والتقاطع بين وضعيات الخرافة.
على الخشبة اجتمع فتحي العكاري وخديجة بن يوسف ومريم الجلاصي ومجموعة اخرى من الممثلين لينقلوا خرافات عن تصدع العلاقات بين الناس، حكايات عن الصمود بأساليب مسرحية مميزة يتقن العكاري تمريرها لممثليه.
في خرافات العكاري حضرت المقاومة بكل تجالياتها، المقاومة لأجل انتصار الذات على عادات المجموعة، المقاومة لأجل الوطن والمقاومة لأجل الارض والانتصار لكرامة الانسان وحقوقه، مقاومة على الخشبة اتقن الممثلين اختزالاتها في انفعالات الجسد امام الجمهور، ممثلين تزودوا بالصدق لإتقان وجع الحكاية ومسؤوليتها.