فيما يعرف بمحاكمة "التآمر على أمن الدولة" في شأن 41 شخصية سياسية وصحفية وحقوقية تونسية بالإضافة إلى الفرنسي برنار هنري ليفي.
واستندت كل الصحف والراديوهات والتلفزيونات على النص المرسل من قبل المحكمة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء ووكالة فرانس براس الذي تم بثه في صورة "ملخص للحكم" ركز على التهم وعدد سنوات السجن المتراوحة بين 4 و66 سنة بدون ذكر أسماء المتهمين. وإن حرص الإعلام الفرنسي على عدم الخروج عن النص الرسمي للقضاء التونسي فقد عمدت بعض الصحف إلى إبداء "تقييم" للأحكام المعلنة رسميا مع الحفاظ على نوع من الترقب والحيطة في سرد الأحداث المتعلقة بمحاكمة "كبرى" تلتها "أحكام ضخمة".
وأجمعت كل وسائل الإعلام الفرنسية على ذكر خصوصيات تلك المحاكمة مركزين على الحراسة البوليسية المشددة ومنع الصحفيين والمراقبين والدبلوماسيين من دخول قاعة الجلسة. واستغربت من نطق الأحكام على الساعة الخامسة صباحا بعد مداولات طويلة غير منقطعة. واعتبرت جميعها أن الأحكام في قضية "التآمر على أمن الدولة" كانت "قاسية". وخصصت بعض التلفزيونات مثل "فرانس "24 و"بي أف أم تي في" فقرات إعلامية للمحاكمة في حين اقتصرت القنوات التقليدية على ذكر محتشم للأحكام بدون مرافقتها بربورتاج وتقارير خاصة كما جرت به العادة.
"جنون قضائي"
وكانت جريدة "لوموند" الباريسية الوحيدة التي ركزت على "جنون" العقوبات المسلطة على المتهمين من سياسيين وحقوقيين معارضين لنظام الرئيس قيس سعيد. وإن لم تخض في تفسير تقييمها هذا فقد أظهرت معارضتها للمحاكمة معتبرة أنها "مأساة قضائية". أما صحيفة "لوبوان" اليمينية فقد شبهت المحاكمة ب "محاكمة كافكا" ، محاكمة "غليظة وليلية". أما صحيفة "ليبراسيون" فقد صنفت المحاكمة في خانة "القمع".
واعتبرت جل الصحف الفرنسية أن المحاكمة خلت من ضمانات المحاكمة العادلة وأن المتهمين لم يحضروا الجلسة بعد أن رفضوا المشاركة عن بعد. ونشرت مواقف لسان الدفاع الذي كرر أن القضية "خاوية" من أي دليل. ونشرت تصريح المحامي سمير ديلو بأن "ما يذهل ليس صرامة الأحكام فقط، بل إنه لم يكن هنالك محاكمة. كل المحاكمة دامت 30 ثانية. لم نشاهد مثل هذا من قبل". واستعارت الصحف من المعارضين التونسيين عبارات "محاكمة غير مسبوقة" و"مسخرة قضائية" كررتها في نشراتها ومقالاتها.
وأوردت بعض الصحف الموقف المعلن من قبل الجمعية الحقوقية "هيومن رايتس واطش" التي صرحت على لسان ممثلها بسام خواجة أنه "لم تكن هنالك حتى شبه محاكمة عادلة. مدة ثلاث جلسات لم تستمع المحكمة للسان الدفاع وإن التهم الخطيرة لا تستند إلى أي دليل مقبول". وذكرت الصحف أن المنظمة الحقوقية أكدت على "الظروف القمعية" التي دارت فيها المحاكمة وأنها قد نددت مسبقا بقمع المعارضين وبتقديم تهم واهية. وذكر راديو فرنسا الدولي في هذا الإطار أن المفوضية السامية للأمم المتحدة المختصة في حقوق الانسان قد نددت باستهداف المعارضين الذين وجهت لهم تهم غامضة بعد أن مارسوا حقوقهم.
صمت برنار هنري ليفي
الملفت للانتباه في تغطيات الصحف الفرنسية للمحاكمة هو التعرض التقريري لقرار سجن الفرنسي برنار هنري ليفي مدة 33 عاما. وقد أوردت الخبر بدون تعليق وبدون أي إشارة إلى جنسيته الفرنسية. وخلافا لما قامت به في قضية محاكمة وسجن الكاتب الجزائري بوعلام سنصال من قبل القضاء الجزائري فإن ذكر الفيلسوف ليفي لم تتبعه "الحملة الإعلامية" التي شهدناها مع الكاتب الجزائري الفرنسي.
أما المعني بنفسه فقد ظهر على شاشة "بي أف أم تي في" بعد الإعلان على قرار المحكمة بسجنه بدون أن يعلق على ذلك. بل اهتم بتحليل حول ...الحرب في أوكرانيا. وكأن وسيلة الإعلام وبرنار هنري ليفي قد اتفقا على عدم الخوض في المحاكمة. ولم تعد وسائل الإعلام الفرنسي لذكر مسألة المحاكمة ولم تفصح السلطات الفرنسية على أي موقف من هذه المسألة بالرغم من ذكر أحد مواطنيها المثيرين للجدل تاركة المجال للعمل الدبلوماسي الخفي عن الأنظار.