إنّ "التراث هو الإرث الذي ورثناه من الماضي، والذي ننعم به اليوم، والذي ننقله إلى أجيال الغد"، بهذا التعريف البسيط، العميق اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أن تعرّف التراث.
وفي كل سنة، ومنذ أكثر من ثلاثين عاما تخصّص تونس شهرا كاملا سنويا للاحتفاء بالتراث المادّي واللّامادي في كل ربوع الجمهورية من شمالها إلى جنوبها. وقد أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن الاحتفال بشهر التراث في دورته 34 من 18 أفريل والذي يوافق اليوم العالمي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية إلى 18 ماي 2025 والذي يوافق اليوم العالمي للمتاحف.
حمل شهر التراث هذا العام شعار "التراث والفن: حضارة الشعوب". والمقصود في الجمع عبر "واو العطف" بين التراث والفن ليس فقط أن التراث في مختلف وجوهه هو في حد ذاته فنّا أبدعه الأسلاف بل هو تأكيد على أن "التراث يبقى مصدر إلهام للأعمال الفنية التي تسعى لاستعادة الهوية والخصوصية والتميز..."
ولسائل أن يسأل : أليس التأثر بالتراث في الأعمال الفنية والآثار الأدبية حقيقة معلومة ومؤكدة من خلال الاستلهام من الأسطورة والبطولات والشخصيات والأمكنة والأزمنة... سواء في المسرح أو السينما أو الفن التشكيلي أو الأدب أو الشعر أو الرقص...؟
إلى أي مدى يمكن أن يكون شعار شهر التراث هذا العام:"التراث والفن: حضارة الشعوب" متماهيا مع روح عصر الثورة التكنولوجية وهيمنة الذكاء الاصطناعي ؟
في العام الفارط ، جاء شعار شهر التراث بعنوان: "تراثنا..رؤية تتطور..تشريعات تواكب". ولكن لا شي تغيّر ولم تتم مراجعة التشريعات لتواكب وتتطور وتتكيّف مع استحقاقات قطاع التراث في بلادنا. بل إنّه ومنذ عقود والحناجر تصدح، فكلّ مناسبة وفي غير مناسبة بأنّ التشريعات هي أصل المشكل وموطن الداء في تكبيل قطاع التراث والحدّ من قدرته في التشغيل وفي دعم موارد الدولة وفي الترويج لصورة تونس التاريخ والحضارة.
في كل شهر تراث، يردد أهل الاختصاص وغير الاختصاص أن القوانين والتشريعات ذات الصلة ومن أهمها مجلة حماية التراث الصادرة في أوائل تسعينات القرن الماضي في حاجة إلى تحيين وتغيير من أجل ثورة جذرية تحيي هذا القطاع المهمل والمهمش.
على أهميته وحيويته حاضرا ومستقبلا، يغرق قاع التراث في بحر متلاطم الأمواج من الأزمات الهيكلية والتشريعية التي تزداد حدة في ظل ميزانيات ضعيفة ومؤسسات متداخلة في المهام والصلاحيات (المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث) ونقص فادح في الباحثين والأعوان والحراس...
فهل سيخرج الاحتفاء بشهر التراث هذا العام عن وجهه الاحتفالي والفلكلوري أحيانا ؟ وهل سيصنع الاحتفال بشهر التراث في فصل الربيع ربيعا حقيقيا في قطاع حيوي كان يمكن أن يكون مدرا للعملة الصعبة والثروة الوطنية لو أنّ، ولو أنّ، ولو أنّ... ؟!